الإثنين 29 ابريل 2024

قراءة في كتاب «الأمير أحمد فؤاد ونشأة الجامعة المصرية» (2)

مقالات19-7-2023 | 13:12

نشأة الجامعة المصرية "الجلسة التاريخية الأولى"

فى مقالي السابق تحدثت عن مقدمة كتاب  "الأمير أحمد فؤاد ونشأة الجامعة المصرية" والأهمية الكبرى لقراءته بشكل متأني لاستخراح العبر ونماذج لهؤلاء المصريين الشرفاء الذين كانوا شغوفين لإنشاء تعليم عالى منتظم متمثلا فى إنشاء الجامعة المصرية. 

وفى مقال اليوم أبدأه بأن التعليم فى الجامعات الكبرى لم يكن معهودا للمصريين، ولم يدخل ضمن أمانيهم لاعتيادهم التعلم فى المساجد والكنائس والكتاتيب والمدارس العادية، وغاية أمرهم انهم قرأوا فى التاريخ القديم بعض مما كتب عن مدرسة "أون" فى مصر القديمة أو مكتبة الإسكندرية على عهد اليونان.

وفى عهد محمد على جابت البعثات المصرية أوربا حيث تعلموا فى جامعاتها وزاروا مدارسها وتحدثوا عن أبنيتها وكلياتها وبيان ما فيها من علوم وفنون وأفاضوا فى الحديث عن مزاياها وفوائدها وانه لا غنى عنها لبلاد تريد أن ترقى وتلحق بركب الحضارة الحديثة، للأاسف كانت تلك أمانى المصريين..!
وهنا لابد أن نعطى للصحافة المصرية حقها فى الحديث عن أهمية إنشاء جامعة فى مصر، فقد خاضت الصحف العربية والوطنية فى هذا الشأن بالكثير من المقالات ورسائل القراء، كما نقلت تلك الصحف عن عدد الجامعات الأوربية ونفقاتها وأكثرت الكلام فى ذلك وكان ذلك فى عهد الخديوى توفيق، إلا أن المصريين قلقوا ورأوا أن نفقاتها باهظة لظروف البلاد فى ذلك الوقت.

إلا أن بعض من الأغنياء فكر في إنشاء جامعة على نفقته ومنهم أحمد المنشاوى باشا، والذي بحث مع رجال أفاضل تلك الفكرة ومن أجلهم الشيخ محمد عبده، ولكن وافته المنية قبل تحقيق مناه.
وفى عام 1906 بدأت تخبة من المصريين الأغنياء بافتتاح اكتتاب لإنشاء الجامعة بدأه مصطفى بك الغمراوي بمبلغ 500 جنيها، تلاه اكتتابات أخرى لوجهاء آخرين وكان ذلك يتم من خلال الصحف المصرية التى كانت تزف بشرى كل اكتتاب جديد.

وفى 12 من أكتوبر 1906 تم نشر دعوة فى الجرائد المصرية للاجتماع بمنزل سعد زغلول بك المستشار في محكمة الاستئناف الأهلية فى ذلك الوقت. ولما كان هذا الاجتماع بالغ الأثر فى تاريخ الجامعة، إذ سيوضع فيه الأساس، وتخرج الفكرة إلى حيز الوجود حيث كانت حلما فغدت أملا. 
وهنا لابد من نشر محضر أول جلسة والتي تعتبر جلسة تاريخية بالفعل حيث جاء فيه: فى الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الجمعة 12 من أكتوبر 1906، اجتمع فى منزل عزتلو سعد بك زغلول بجهة الإنشاء، الموقعون على هذا بصفتهم من المكتتبين الأولين لإنشاء "الجامعة المصرية" وأيد كل منهم اكتتابه للجامعة كما هو مذكور بعد، ثم قرروا بعد المداولة ما يأتى: انتخاب لجنة تحضيرية مؤلفة من حضرات: سعد زغلول بك (وكيلا للرئيس العام)، قاسم أمين بك (سكرتيرا للجنة، حسن سعيد بك (وكيل البنك الالمانى الشرقى: أمينل للصندوق، وكل من محمد عثمان أباظة بك، محمد راسم بك، حسن جمجون بك، حسين السوفى بك، أخنوخ أفندى فانوس، زكريا أفندى نامق، محمود الشيشينى بك، ومصطفى كامل الغمراوى بك أعضاء، تأجيل أنتخاب الرئيس العام الى الجلسة القابلة، نشر الدعوة الآتية فى جميع الصحف المحلية:عربية وأفرنجية، وأن تسمى هذه الجامعة باسم "الجامعة المصرية"، وأخيرًا، الاجتماع مرة أخرى بدعوة خصوصية، لانتخاب الرئيس وأعضاء اللجنة النهائية. ثم أمضى عليه جميع المكتتبين بعد بما هو قرين اسم كل منهم، وبالمبلغ المكتتب وهم:
ولقد قرر المجتمعون أن يهرعوا إلى الأمة المصرية، طالبين العون، ومستمدين التأييد. وقد حقق الله ظنهم، ولم يخيب آمالهم، وأثبتت الحوادث أن الأمة المصرية من معدن كريم، لا تحجك عن تلبية نداء الوطن اذا جد الجد، وحدث ما ليس منه بد، وفيما يلى صورة الدعوة التى وجهت الى الأمة المصرية:

ويستمر البيان لتبيان المقصود من حقيقة المشروع الذى يتم الدعوة إليه والذى جاء فى خمسة بنود تم تلخيصها فيما يلى:
أولا: أن الجامعة المراد إنشائها هى مدرسة علوم وأداب تفتح أبوابها لكل طالب علم مهما كان جنسه ودينه.
ثانيا: ليس للجامعة صبغة سياسية، ولا علاقة لها برجال السياسة، ولا المشتغلين بها.
ثالثا: أن اشتمال الجامعة على درجات التعلم الثلاث وهى العالي، والتجهيزي، والابتدائى يتطلب نفقات لا يتيسر الحصول عليها الآن ولا بد من التدرج فى تنفيذه، والبدء فى تأسيس دروس عالية، أدبية وعلمية وفلسفية تنور عقول الطلاب وتربى ملكاتهم، دروس تؤخذ على أيدى أساتذة ينتخبون من رجال العلم هنا وفى أوربا تحت إدارة لجنة علمية.
رابعا: يلزم أن يكون للجامعة تلامذة خصوصيون  يلازمون تلقى الدروس فى مواعيدها يمتحنون فيها ويحصون على شهادتهم ذات القيمة الأدبية.
خامسا: أن جمعية المكتتبين تنتخب لجنتين واحدة فنية لوضع نظام الجامعة ولوازمها والأخرى لجمع الاكتتابات من المتبرعين.
كان لوقع هذا النداء فى الصحافة المصرية موقعا حسنا وصادف هوى الكثيرين من المصريين، فما كان أن انهالت الرسائل المؤيدة على الصحف منى القراء، وزادت التبرعات كاشفة عن همة عظيمة وعزم لا يلين للشعب المصرى.

كما قابلته الصحف الاجنبية المحلية منها والأوربية بالترحيب ورأت فيه بعثا جديدا للامة المصرية وإيقاظا لروحها.

ففى عدد 16 أكتوبر 1906 نشرت المانشستر جارديان تقول أن مشروع الجامعة المصرية، هو أول مشروع جدير بالاحترام، نهضت به الأمة المصرية بدون مساعدة الحكومة.

وكتبت مجلة الهلال فى الجزء التاسع من السنة السادسة عشرة تقول: أن إنشاء هذه الجامعة خطوة هامة فى تاريخ النهضة، والآمال عالقة بها، والإبصار شاخصة إليها.

د. حامد عبد الرحيم  أستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة

Dr.Randa
Dr.Radwa