لا أدرى لماذا يصر عدد من أعضاء مجلس النواب هذه الأيام يتقدمهم النائب إسماعيل نصر عضو لجنة الإسكان على النبش أسفل جدران المساكن القديمة، بتقديم مشروع قانون بتعديل قانون المساكن القديمة وتحرير العلاقة الإيجارية إما بالإخلاء أو زيادة الأجرةبما يتناسب مع أسعار السوق بعد ٥ سنوات.
صحيح هذه التعديلات طال انتظارها أكثر من ثلاثة عقود على قانون تجاوز عمره ٦٠عاما ونشهد بأن هذا القانون ظلم ملاك هذه العقارات القديمة المؤجرة وربما نكل ببعضهم بسبب ضعف الأجرة وعدم اقتراب الحكومات السابقة من هذه القضية الشائكة وعرض ثروة عقارية للضياع بسبب عناد المالك والمستأجر فى مسائل الترميم والصيانة.
نشهد كذلك بأن هذا القانون مازال يؤوى تحت مواده وبنوده أكثر من ٣ ملايين شقة تضم بين جدرانها حوالى ١٢ مليون مواطن وهى شريحة لا يستهان بها كانت تعيش على حافة الحياة كمستأجرين فى بداية الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، منهم من غيرت السنون والأيام حياتهم وأصبح بعضهم ملاكا ورجال أعمال ونجوم مجتمع وتوحشت دخولهم وأغلقوا شققهم، رغم احتياج المالك لها، ولكن تبقى الشريحة الأكبر من المستأجرين مازالت تستحق وتتمسك بالقانون، نظرا لدخولها الضعيفة والمتدنية وتحتاج للحماية الاجتماعية ويجب ألا نتسرع فى إقرار هذا القانون بتعديلاته الجديدة حتى لا نضرب فكرة السلام الاجتماعى التى يتميز بها المصريون على حساب بطولة نيابية قد لا تكون محسوبة.
ولا أدرى أيضا هل هؤلاء النواب قاموا بقراءة نتائج هذه التعديلات جيدا سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية فى الوقت الذى تمر فيه البلاد بظروف استثنائية فى مواجهة قضايا أخطر وأكبر ممن يصرون عليها بالنبش فى قضية اجتماعية ربما يتلقفها محترفو رسائل الإحباط والتى ستمكنهم من عنوان خطير لم ينتبه إليه أعضاء مجلس النواب وهو (مصر تطرد مستأجرى الشقق فى الشوارع) ووقتها نجد مايسمى المنظمات الحقوقية الداخلية والخارجية تلعب على تحريك الناس وخلخلة مشاعرهم وربما نجد ردود أفعال أكبر من ذلك.
اللافت للنظر أننا وجدنا أمام هؤلاء النواب الذين يصرون على تقديم مشروع القانون «حكومة» لديها يقظة وحرص لمثل هذه القضايا الجماهيرية ولم تقدم مشروع القانون لكى تثبت انها احرص على المستأجر وتقف فى ظهره أكثر من النواب أو أنها تجد على الأقل أن الوقت غير مناسب لتحميل هذه الشريحة أكثر مما تتحمله لأننا نعرف أن هناك قاعدة بروتوكولية شبه ثابتة بين مجلس النواب والحكومة بأن مشروع القانون الذى تقدمه الحكومة تكون له الأولوية فى المناقشة عن المشروعات التى يتقدم بها النواب أو المواطن الذى يمنح حق تقديم التشريع من خلال نائب دائرته للتقدم بها إلى البرلمان.
جدل النواب حول هذه القضية جعل أصحاب رسائل الإحباط تستغل إثارتها من الأن وتردد أن هذه التعديلات هى أحد شروط صندوق النقد الدولى للموافقة على قروض لمصر مستندين على أن البنك الدولى اشترط فى برنامج الإصلاح إقامة سوق عقارية قوية فى مصر بحجة أن أكثر من ثلاثة ملايين شقة إيجار قديم وهذا الرقم يعطل أكثر من ١٠ مليارات جنيه فى السوق العقارية مجمدة لا أحديستطيع البيع أو الشراء.
والأكثر غرابة أننا سوف نجد سوقا صحفية وإعلامية قد تستخدم هذه القضية مادة إعلامية لتهييج طرفى العلاقة الإيجارية، مما يحولها إلى قضية رأى عام هدفها الإثارة.
وتصبح المشكلة هنا أكبر من أنها تكون قانونية أو دستورية
متصورين أنه لو فشلت مناقشة القانون الشهر المقبل سوف يصل صوت الملاك لصندوق النقد وهذا يمثل ضغطا قويا جدا قبل تسليم القرض بالكامل من وجهة نظرهم.
خاصة فى الوقت الذى خرجت فيه تصريحات لخبراء تشير إلى أن تعديل قانون الإيجار القديم سيوفر للدولة ٣ ملايين شقة خلال ٥ سنوات وهذا مطلوب بدلا من المليارات التى تتكبدها الدولة لإقامة مشروع الإسكان الاجتماعى لحل الأزمة.
وصحيح أن تعديل قانون الإيجارات القديمة تمت إثارته منذ سنوات كثيرة، لاهتمام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتنظيم العلاقات بين المواطنين وعدم إضاعة حقهم وهذا هو توجه الدولة دونما أن يظلم طرف على حساب الآخر ولكن أرى أن الوقت غير ملائم لمناقشة هذا القانون ويحتاج إلى عامين على الأقل من الآن لإعادة طرحه من جديد لمشاركة المجتمع.
وأن الحل لابد أن يقوم على خطوات تتمثل فى توفير الإسكان للشعب طبقا للدستور، منوها على أن العلاقة الإيجارية فى الشرع غير ممتدة وأن تأبيد العلاقة الإيجارية إشكالية كبرى.
وفى الوقت نفسه علينا أن ندرك أن أسباب تأخر صدور قانون حتى الآن سببه أن هذا القانون يخاطب مُلاك حوالى ٣ ملايين شقة، أى حوالى ١٢ مليون مواطن بافتراض أن متوسط الأسرة الواحدة ٤ أفراد، ولا يمكن استعداء تلك الشريحة المجتمعية الضخمة فى الوقت الراهن.
علاوة على أنه لم يحدث عليه توافق مجتمعى ولا توافق فى لجنة الإسكان نفسها، تعديلات القانون بها ١٥ مادة مقسمة لإيجار الأماكن المخصصة للسكن وغير المخصصة للسكن، لأن الحكومة نفسها مستأجرة لحوالى ١٠٠ ألف وحدة بنظام الإيجار القديم، فى صورة مقرات لبنوك وشركات قابضة وهيئات ومؤسسات تابعة لها، وبالطبع سيسرى عليها القانون، وربما أن أحد أسباب طرحه فى دور الانعقاد المقبل هو طرح قانون التطوير العقارى.
لكن فى النهاية مشروع القانون «المثير للجدل» سوف يقلب فئات مجتمعية تراه فى صالحها، وفئات أخرى تهاجمه الأمر الذى أحيا فكرة رائجة متعلقة بمشروع القانون، وهى «أنه سيتم طرد الناس من بيوتها وإخلاء جميع الشقق»، وهذه سيناريوهات متداولة، لأن القانون يخاطب ثلاث فئات، أولها الحكومة التى سيتم مطالبتها بالإخلاء الفورى لجميع الوحدات المستأجَرة، ولا يمكن أن يقبل أحد أن ترفع الدولة الدعم عن المواطنين، ثم تحصل على دعم من مواطنين من خلال الإيجار القديم للوحدات التى تستغلها مقارا لهيئاتها ومؤسساتها.
بالرغم من أن الحكومة لن تجد أزمة فى نقل مقراتها، خاصة فى ظل معدلات البناء والتشييد المرتفعة فى العاصمة الإدارية الجديدة، لأن «الدولة تدير منظومة متكاملة، والقوانين تتماشى مع خطط التنمية».
أما الفئة الثانية التى يخاطبها القانون هى الوحدات الإدارية والتجارية، وسيتم تطبيق زيادة فورية عليها، بينما الفئة الأخيرة التى يخاطبها القانون هى الوحدات السكنية، والتى سيتم تطبيق الزيادة عليها تدريجيًا خلال فترة من ٣ لـ٥ سنوات للوصول للقيمة السوقية وسيكون هناك صندوق لدعم المستأجر الذى لم يتمكن من سداد الأجرة برأس مال ٢٠٠ مليار جنيه.
وهناك مستأجرون ربما يفضلون مشروعات وزارة الإسكان الخاصة بالإسكان الاجتماعى، سواء التمليك أو الإيجار التمليكى، معتبرًا أن الدولة تبذل جهدًا كبيرًا فى توفير مسكن ملائم لجميع المواطنين.
صحيح هناك حالات من الملاك ظلمت من المستأجرين ونضرب مثالا على هذا المالك الذى يملك محل خشب، وقام بتأجيره لتاجر أخشاب بواقع ١٠٠ جنيه ويقع هذا المحل بجوار منزل المستأجر فى مدينة زفتى الذى يملك أربعة محلات خاصة به فى نفس الشارع فأجر محلاته إيجارا جديدا بـ١٤٠٠جنيه للمحل الواحد وفضل أن يظل مستأجرا لمالك المحل الأصلى، بيتسلى فى المحل كما يوجد فى نفس المنزل شقة مغلقة منذ أكثر من عشر سنوات وعندما طلبنا الشقة من ورثة المستأجر طلبوا خمسين ألف جنيه وعندما رفضنا ورفعنا دعوى طرد بمجرد علمهم فتحوا الشقة وهم الآن يقومون بطلائها لكى لا يظهر أنها كانت مهجورة منذ أكثر من عشر سنوات، فهل من قاض عادل يحكم بيننا بالعدل ويرجع الحق لأصحابه مع العلم أنه توجد شقة أخرى فى نفس المنزل مغلقة وشكونا وخسرنا القضية.
الغريب أن نفس النواب الذين ينبشون فى تعديلات قانون إيجارات المساكن القديمة يفكرون فى تمويل صندوق المستأجرين من خلال رسوم سوف يفرضونها على أصحاب الشقق المغلقة، بحجة أن الدولة قامت سلفا بعمل خدمات للرصف وكل المرافق ولم يتم استخدامها وهذا الاقتراح ربما يكون بمثابة فتنة جديدة فى هذه القضية.
وسواء كان هذا القانون يستحق المناقشة والتعديل فنحن معها ولكن علينا أن نصبر عامين أو ثلاثة لمناقشته وتنفيذه وكان أحرى على هؤلاء النواب النابشين فى قبور المساكن القديمة أن يقدموا مشروعات قوانين لزيادة الإنتاج فى كل المجالات لأنهم يراهنون على مستقبلهم النيابى على الأقل.