الأحد 24 نوفمبر 2024

ثلاثون يومًا في الجنة..

  • 18-2-2017 | 17:57

طباعة

بقلم : أحمد سعدة

تسألنى كيف تزوجته؟
سأقول لك إننى تزوجته بطريقة تقليدية للغاية.. شاب وسيم، بعيون خضراء وشعر ناعم من أسرة غنية ويعمل محاميًا مرموقًا، ويمتلك كل إمكانيات الزواج.

واختارتنى أمه التى رأتنى نموذجًا مثاليًا كبنت جميلة وصغيرة وبنت ناس.. ولن أُخفى عليك أننى اقتربت منه جدًا فى فترة الخطوبة، وأحببته.. وتزوجنا بعد شهور قليلة فى حفل زواج مبهر، وسافرنا فى الليلة التالية لقضاء أسبوعين بين تركيا واليونان.

وكان فى الحقيقة وقتًا ممتعًا وسعيدًا.. وأسوأ ما فى تلك الأيام كان بعض الطلبات الشاذة التى يطلبها على الفراش، والتى لم أفهمها حينها، وقلت ربما إنها أموُر عادية يطلبها الرجال.. وحتى لا يسرح خيالك كثيرًا، فقد أدركت فيما بعد أن زوجى شاذ، ولديه ميول ورغبات جنسية سالبة نحو الرجال.

وعدنا للقاهرة وقتها ولم أكن أدرك بعد حقيقة شذوذه.. وعاد لمزاولة أعماله فى مكتبه الخاص بالمحاماة.. وبغض النظر عن لحظات الفراش الثقيلة التى بدأت أنفر منها وأكرهها، فإنى كنت أسعد جدًا بالوقت الذى كنا نقضيه معًا، أو نخرج فيه.

ومضى ما مضى على زواجنا، وأصبحت حاملًا فى شهرى السابع.. وكان فى ذلك الوقت دائم السهر مع صديقه المقرب، أحيانًا فى البيت وأحيانًا خارجه.. ولم أكن أُبدى امتعاضًا من الأمر بحكم أن شقتنا من دورين مفتوحين على بعضهما «دوبلكس»، وكانا يسهران فى الدور الأرضى، بينما أنا فى غرفتى فى الدور الثانى كالمعتاد.

إلى أن جاءت تلك الليلة التى رأيت فيها زوجى مع صديقه فى وضع شاذ ومقرف أصابنى بالإغماء.. وبعدما عدت من غيبوبتى وجدت زوجى بجوارى يبكى ويحكى لى عن طفولته وما حدث له فيها، وأن الأمر خارج عن يده، وأنه لم يعد يستطيع التخلص من هذا الاحتياج الشاذ.

وعجزت عن التعاطف معه.. وأرجوك، لا تقل لى كلامًا إنشائيًا كالكلمات الببغائية التى يرددها المدافعون عن حقوق الشواذ والمثليين، لأننى فى النهاية لم ولن أستطيع التسامح مع هذا الوضع.


وأخبرنى بعدها بمنتهى التبجح أنه يحب صديقه، ويثق فيه، ولا يستطيع الابتعاد عنه.. وأنه حتى لو ابتعد فسيعرف غيره وغيره، ونصحنى بأن أحافظ على سره كما يحافظ عليه صديقه. ولولا أننى أصبحت على وشك الولادة لكنت أجهضت حملى وتخلصت منه.

وخجلت حتى من أن أحكى لأحد.. ورزقنى الله منه ببنت جميلة تشبهه فى الملامح.. واتفقت معه على أن تنتهى بيننا أية علاقة جسدية، ونكتفى بعلاقتنا الإنسانية فقط من أجل ابنتنا.. والحقيقة أنه التزم بهذا الاتفاق دون أن يخل تجاهنا بأية التزامات، أو يبخل علينا بأية طلبات.. وحتى صديقه لم أعد أراه فى بيتنا، واكتفى بمقابلته خارج البيت. وعشت على هذا الوضع لمدة خمسة عشر عامًا، كان اهتمامى كله خلالها بابنتي، التى نالت حظًا وافرًا من التعليم المتميز فى المدارس البريطانية، وكنت أحسد نفسى دائما أن الله عوضنى بهذه البنت الجميلة والمتميزة.. والتى نالت منحة مجانية لحضور دورة تدريبية لمدة شهر فى لندن.

والحقيقة أن أباها أيضًا كان يحبها جدًا، ويمنحها من حنانه واهتمامه ووقته، وبالطبع فإنها لم تعرف شيئًا عن شذوذه.. وتعمدت دائمًا أن أبعدها عن أى همس أو لمز فى هذا الموضوع من جانب أقاربه الذين يعرفون حالته.. ولكن أسوأ ما فى الأمر أننى نسيت أنى امرأة، واستسلمت لهذه الرهبنة باختياري.

لكن هل تعتقد يا سيدى أن هذه هى المشكلة التى راسلتك بسببها ؟


الحقيقة أن المشكلة بدأت فى لندن حينما سافرت مع ابنتى مرافقة لها.. ووجدتها فرصة للتسوق من شوارع لندن، وأخذ بعض الصور التذكارية، بينما ابنتى تقضى فى تدريبها طوال النهار.

وفى إحدى محاولاتى لالتقاط بعض الصور لنفسى بواسطة كاميرا الهاتف، وجدت يده تمتد لمساعدتى وتصويرى.. كان رجل أعمال مصريًا ذا ملامح هادئة، وعينين حزينتين، ونبرة صوت مرهقة وكلها شجن.
 

ومشيت معه، وأعطيته يدى لتضمها يده.. ونفضت خلفى كل الهموم وأوجاع الماضى، ومنحته نفسى خالصة ومستخلصة ومتجردة ورائعة.. واستسلمت معه فى انسياب وانسجام وتناغم لما شاءته اللحظة وقررته.

تلك لحظات نادرة لم أعشها من قبل كامرأة.. ولا أظن أنى سأعيشها مجددًا.

وشعرت أن كل ما فات من عمرى كان سرابًا وخيالًا، ومحض أوهام.. وأنى كنت جثة مدفونة فى تابوت، حتى جاء بلمسة وأحياها.. ووردة ذابلة حتى منحها ريقه وعطره، ورواها.

لقد أحببت فيه الصمت البليغ، وقلة الكلام.. وأحببت فيه الحيرة والشرود والابتسام.. وأصبح هو محور اهتمامى ونبضى وإحساسى.. ومنحته نفسى كاملة، وقضيت معه لحظات الحب والشبق والنشوة والرعشة والاهتزاز.. وعشت معه ثلاثين يومًا كحبيبة وعاشقة وعاهرة.. ولا أعتذر أبدًا عن ذلك.
وانتهى وقتى فى لندن بعدما أنهت ابنتى منحتها، واتفقت معه على انتظاره فى القاهرة.. وحزمت أنا وابنتى الحقائب.. وكل ما أتذكره فى الطائرة أن اللمعة والإشعاعة لم يغادرا عينى، وأن الابتسامة لم تفارق وجهى، وأن شريط ذكريات ثلاثين يوما مضت لا يتوقف عن مداعبة فكرى ومشاعرى.
 

وانتظرت عودته بغاية الشغف، وكنت أتوقع أن نلتقى فور عودته كأول شيء يفعله بعد هذا الغياب.. لكن مضى عشرة أيام حتى استطعت مقابلته.. وهنا فى مصر شعرت أنى قابلت رجلًا آخر غير الذى قابلته فى لندن.. رجلًا مزدحمًا بالأعمال والرد على التليفونات والاستفسار عن أسعار العملات.

وتباعدت لقاءاتنا، وابتعد.. ورغم هذا البعد إلا أنه صار الأقرب إلى نفسى وروحى.. وأُدرك أن قصتى معه مفلسة بلا أمل، ولكن ما أبدع الإفلاس معه، وما أروع اليأس حينما يكون معه.
 

حتى الحزن ما أجمله عندما أدخله معه.. إن معه يصير لكل شيء طعم، ومعه يصير للفشل والجحيم واليأس والعذاب معانٍ أخرى.

وكل شىء مهما كان مؤذيًا يصير عميقًا فى منتهى العمق حينما يكون معه.

ولم أعد أفهم نفسى، أو أفهم من أنا، وماذا أريد على وجه التحديد.. وكل ما هو أكيد أن ما اختلسته معه من لحظات كانت هى حياتى وملاذى.. وتلذذى واستلذاذى.
وبعد صراعٍ مُجهد مع نفسي، قررت أن القادم من حياتى أبدًا لن يكون مع رجل شاذ، سأنفصل عنه فى كل الأحوال، حتى لو بالخلع، وحتى لو كلفنى هذا بأن أفضحه أمام الكل. ما رأيك ؟

***الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرد***

إنه قرار تأخر كثيرًا.. تأخر خمسة عشر عامًا.

أنتِ بالفعل لا علاقة لكِ بحالة زوجكِ التى أصابها الشذوذ بسبب عوامل نفسية واجتماعية بدأت بموقف فى الطفولة، وكان يستدعى المتابعة والعلاج.

إن ميوله السالبة كانت سببًا لأن يخونك مع رجل.. وكانت سببًا أيضا فى أن تخونيه أنت الأخرى مع رجلٍ آخر.. إنها علاقة خيانة متبادلة، كان يمكن تفاديها بالانفصال فى هدوء وسلام.

ومشكلتك الآن لم تعد زوجك الشاذ، ولكنها أصبحت رجلًا آخر.. !

إن الممنوع مرغوب.. وخمسة عشر عامًا من الرهبنة بجوار رجل شاذ، هى التى أوهمت عقلك بأن ثلاثين يومًا عشتِها فى تلذذ مسروق هو الجنة ذاتها، والعشق بعينه.. إنه مجرد تآمر على مشاعرك يشنه عليك عقلك المشتت، وجسدك المحروم.

وعلاقتك بهذا الرجل أطلقتها الرغبة، بعد أن استجاب كلاكما لهاتف اللحظة، ونداء الغريزة.. إنها علاقة امرأة ورجل قررا نسيان أوجاعهما، وإشباع الحيوان الجائع بداخلهما، بلا قيد أو رابط أو نظام.

ولذلك كان شعورك بالغربة حينما تقابلتما فى القاهرة، ووجدتِه مزدحمًا ومشغولًا ومختلفًا عن ذاك الرجل المُصفى والمُرشح والمُقطر والخالص الذى قابلتِه فى لندن.

إنها علاقة صنعها الملل والجفاف فى حياتكما.. علاقة خالية من الرحمة أو التعاطف، وماتت إكلينيكيا بعودتكما إلى أرض الواقع.

إن ما أنتِ فيه الآن هو مجرد حلم باستعادة لحظات النشوة والصفاء التى عشتِها على مدار ثلاثين يومًا بلا هموم أو انشغال أو ضوضاء.

ولكن الزمن قطار يتحرك ويمضى دون عودة للوراء.. ولا يُبقى لنا سوى الأحلام والذكريات.

وكل ما هو مطلوب منكِ الآن، أن تنفصلى عن زوجك بهدوء، دون أن تفضحيه.. ولا تنسى أن بينكما ابنة شابة لن تتحمل أى نوع من المفاجآت غير السارة، أو الصدمات.

وانظرى لحياتكِ من جديد.

    الاكثر قراءة