الثلاثاء 14 مايو 2024

قمة جدة.. ما الدافع لعقد قمة سلام بدون روسيا؟


نبيل رشوان

مقالات4-8-2023 | 18:33

د. نبيل رشوان

القمة لن تكون على حساب موسكو نظرًا لتعاونها مع الرياض فى «أوبك +»

الهدف الرئيسي للقمة دراسة مقترحات أوكرانيا للسلام

عدم دعوة موسكو ليس موقفًا منها بل لمناقشة المقترحات الأوكرانية

رئيس أوكرانيا يدعو لقمة سلام عالمية تشارك فيها كل دول العالم

قررت المملكة العربية السعودية استضافة قمة سلام حول النزاع الروسى ـ الأوكرانى يومى 5 ـ 6 من شهر أغسطس بمبادرة من أوكرانيا. ووفق ما أعلن حتى الآن من المقرر دعوة حوالى 30 دولة بما فى ذلك بعض الدول الشريكة لروسيا فى منظمة البريكس مثل جنوب أفريقيا والبرازيل، لكن المثير للدهشة أن أحد طرفى النزاع وهى روسيا لم يتم دعوتها.

ما الهدف إذًا الذى تسعى إليه الرياض من عقد هكذا قمة على أراضيها للتفاوض حول أوكرانيا، وأى شئ إيجابي من الممكن أن يحققه هذا الاجتماع لروسيا. أود الإشارة هنا إلى أن اجتماع مثل هذا عقد فى كوبنهاجن عاصمة الدنمارك فى "سرية تامة" وأيضًا بدون دعوة روسيا إليه. تشكك وسائل الإعلام الروسية فى الهدف من القمة، وتقول صحيفة "موسكوفسكى كومسموليتس" الروسية الواسعة الانتشار إن الاجتماع السابق الذى عقد فى العاصمة الدنماركية  حضره كل من الهند وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية، محور الاجتماع كان مناقشة "صيغة سلام" الرئيس الأوكرانى قلاديمير زيلينسكى المكونة من عشر "نقاط أساسية".

لم تكن الأمور فى قمة كوبنهاجن سهلة كما كان يتصور الجانب الأوكرانى، كما علقت عليها فى حينها وكالة بلومبيرج، على الرغم من أن جميع المشاركين اتفقوا على أنه فى حالة التوصل لتسوية نهائية فإنها يجب أن تتوافق مع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة، رغم أن بعض الدول لم توافق ومنها البرازيل، بينما أصرت دول على ضرورة دعوة روسيا فى أي اجتماع من هذا النوع فى المستقبل، هل سيتم تنفيذ المطلب الأخير فى قمة جدة، من الواضح أن مسألة دعوة روسيا لم يتم أتخاذ قرار بها، وهل قمة جدة هى استمرار لقمة كوبنهاجن، التى دعيت إليها الصين ولم تحضر، فهل ستحضر هذه الأخيرة قمة جدة؟ رغم العلاقات الطيبة مع الرياض، يبقى الأمر محل شك حتى كتابة المقال.

فيما يتعلق بالموقف من النزاع الروسى ـ الأوكرانى، فإن أكثر الدول العربية بقيت على الحياد، فهذه الدول لم ترفض العلاقات مع روسيا بل أن بعضها يعمق هذه العلاقات، ومن الواضح كذلك أن هذا السلوك لا يعجب الغرب كثيراً وعلى رأسه واشنطن،ومن ثم فإن هذه الأخير تستغل أى فرصة مفاوضات أو أى مؤتمر فى محاولة تحويله إلى وسيلة لاستقطاب واستمالة أكبر عدد من الدول النامية خاصة تلك التى لم تحدد مواقفها أو أسيرة احتياجاتها من الغذاء، وتحدثت صحف روسية عن قمة "مجموعة السبع" التى انعقدت فى هيروشيما باليابان وكان الهدف منها استمالة دول مازالت مواقفها من النزاع متأرجحة، ورغم ذلك لم يتحقق هدف الاستقطاب.

وإذا عدنا لقمة جدة نجد أن المملكة العربية السعودية لديها علاقات جيدة بروسيا من خلال "أوبك +" والتنسيق معها فى حجم الإنتاج النفطى اليومى، وهو الأمر الذى ناقشه وزير الخارجية الروسى لافروف مع نظيره السعودى فيصل بن فرحان آل سعود أثناء زيارة الأول للملكة فى النصف الأول من يوليو الماضى، رغم أن المملكة ودون تنسيق خفضت إنتاجها مؤخراً بحوالى مليون برميل بشكل أحادى (هذا يصب فى صالح روسيا لذلك لا مجال هنا للخلاف)، وهو ما يعنى أن الضغط على المملكة من خلال مؤتمر جدة لزيادة الإنتاج لخفض السعر بهدف الضغط على روسيا غير وارد على جدول أعمال القمة، لأن تصرف المملكة هذا يوحى بذلك.

فيما يتعلق بالقضية الأوكرانية تمسكت المملكة العربية السعودية بمبدأ الحياد، وإن كانت قد سمحت للرئيس الأوكرانى بالحديث أمام القمة العربية عندما توقف فى المملكة فى طريقه لحضور قمة هيروشيما "لمجموعة السبعة"، الموقف السعودى المحايد فى اعتقادى هو أحد الأسباب التى جعلت المملكة تتصدى لدور الوسيط فى حل هذا النزاع، وهى التى قامت بالتعاون مع تركيا فى المساعدة للإفراج على عدد من أسرى "أزوف ستال" وتتبنى حالياً بالتعاون مع تركيا محاولات لاستعادة أطفال أوكران تم إجلاؤهم لروسيا.

وهنا يطرح نفسه وبإلحاح سؤال، على أى أساس وبأى هدف قدمت المملكة العربية السعودية أراضيها "جدة" لعقد مؤتمر سلام بناء على طلب أوكرانى. هنا لا أريد أن أدخل فى تأويلات ومحاولات للتفسير، لكن من الواضح أن الرياض تقوم فى الفترة الأخيرة وبمبادرات من الأمير محمد بن سلمان ولى العهد بتوسيع دائرة تأثيرها الدبلوماسى على الساحة الدولية وأهم ما قامت به فى الفترة الأخيرة هى العلاقات الجديدة مع إيران ومحاولات تنقية الأجواء بين البلدين، ومع تركيا ورغم بعض المنافسة بين الرياض وأنقرة أحياناً إلا أنهما تعاونتا فيما يتعلق بالملف الأوكرانى وقدمت السعودية نفسها بشكل إيجابى فى ملف الأسرى كوسيط محايد يعتمد عليه.

من الواضح أن روسيا غير منزعجة من تنظيم الرياض لمؤتمر جدة بمبادرة أوكرانية رغم عدم  دعوتها، على أساس أن التنسيق القائم بين الرياض وموسكو فى إطار أوبك + يعتبر عنصر تقارب بين موسكو والرياض حتى الآن، برغم امتعاض الأولى من خفض الثانية لأسعار البترول فى بداية العملية العسكرية وامتناع أوروبا عن شراء النفط الروسى. ويشكك الخبراء فى روسيا فى قدرات الدول العربية والمملكة فى التوصل إلى تسوية لهكذا نزاعات شديدة وعميقة، ويقول أحد الدبلوماسيين الروس وهو السيد أندريه باكلانوف، إن الدول العربية لا تدرك أساس النزاع الحالى وأضاف نحن نعتبر النزاع الحالى استمرار للحرب العالمية الثانية واستمرار للحرب على الفاشية، واعتبر أن المفهوم العربى عن النزاع بعيد جداً عن الواقع، وأكد على أن عملية الوساطة من هذا النوع من الممكن أن تكون مفيدة فى الجوانب الإنسانية مثل تبادل الأسرى، أو مثلاً أن تنضم الرياض لاتفاقية الحبوب، على أساس أنها تحل مكان تركيا، لأن موسكو على ما يبدو غاضبة من أنقرة بسبب مواقف الأخيرة أثناء قمة الناتو فى يونيو الماضى فى ليتوانيا، والجانب الروسى يتحدث عن إزاحة تركيا من صفقة الحبوب على الرغم من أن الرئيس بوتين سيزور تركيا وفى اعتقادى أن هذه الصفقة ستكون على رأس جدول الأعمال. وفى الوقت الذى تعتبر فيه روسيا أن اتفاق ممر الحبوب فشل وأن روسيا خسرت وأنها كانت خطأ من الدبلوماسيين الذين مددوها، وإذا كانت المملكة العربية السعودية تريد أن تشغل مكان تركيا فمرحباً بها وفق بعض الخبراء الروس، وإن كنت لا أتصور أن تتدخل الرياض فى أمر كهذا فتغضب تركيا التى عمقت العلاقات معها منذ وقت قريب من ناحية ومن ناحية أخرى الحديث فى جدة سيدور بالدرجة الأولى لمناقشة خطة الرئيس الأوكرانى للسلام، والذى أعلن عن قمة عالمية تضم كل دول العالم التى ترغب فى تحقيق السلام والتى ترغب كييف فى أن تنعقد فى أوروبا والتى يجب أن تحضرها روسيا.

وإذا تكلمنا بمنطق نظرية المؤامرة فإن الخبراء الروس بمنطقة الشرق الأوسط يؤكدون على أن المملكة العربية السعودية لن تفعل شئ خلف ظهر روسيا، وبرر عدم دعوة روسيا لقمة جدة بأن الرياض تريد دراسة وجهة نظر الجانب الأوكرانى دون حدوث مناوشات واشتباكات كلامية بين روسيا والحكومات الغربية وأوكرانيا نفسها. نحن فى انتظار القمة وما ستسفر عنه.         

Dr.Radwa
Egypt Air