الأحد 19 مايو 2024

مسرحية رائد التنوير

رفاعة الطهطاوى

ثقافة10-8-2023 | 17:48

نوال مهنا

الشخوص :
1ـ رفاعة رافع الطهطاوي   
2ـ  الأب رافع ـ والد رفاعة 
3ـ الأم ـ والدة رفاعة
4ـ الشيخ حسن العطار ـ شيخ الأزهر الشريف 
5ـ تلاميذ رفاعة ـ صالح مجدي ـ عبدالله السيد ـ محمد قدري 
6ــ النكرات ـ موظفون ـ طلبة.
المنظر الأول
(في منزل العائلة بطهطا في صعيد مصر، يقف الصبي رفاعة أمام أمه ممسكا بذراع أبيه ليودعها قبل السفر إلى القاهرة للدراسة بالأزهر الشريف).
الوالد ــ  دعواتك يا أم رفاعة لولدك بالتوفيق والنجاح.
الأم ــ إني أدعو له ليل نهار هل عزمتم على السفر اليوم؟ 
الوالد ــ لا بد للولد أن يلتحق بالأزهرالشريف، فقد بلغ عمره ستة عشرة عاما ولا بد أن يدرس علوم الشريعة على يد العلماء الكبار، فأنا على يقين أن ابني سيكون له شأن عظيم.  
الأم ــ  لكني لا أطيق بُعده عني، سوف يوحشني كثيرا.
رفاعة ــ لا تقلقي يا أمي، لن أغيب طويلا، سأحضر كل فترة لأراك وأزور أهلي جميعا في بلدي طهطا. 
الوالد ــ لابد لرفاعة أن يكمل تعليمه، بعد حفظه للقرآن الكريم، هيا يا بني حتى لا نتأخر. 
رفاعة ــ وهل أدرس بالأزهر جميع العلوم الشرعية؟ 
الأب ــ إن شاء الله، الأزهر يا ولدي يدرس إلى جانب علوم الدين مواد علمية، وللطالب أن يختار منها ما يشاء، 
رفاعة ــ سأختار أن أدرس جميع العلوم الشرعية والعلمية. 
الوالد ــ هذا صعب جدا يا رفاعة، الجمع بين كل العلوم مشقة كبيرة ويحتاج جهد فوق العادة.
رفاعة: لا تقلق يا أبي، فأنا شغوف لتلقي العلم بكل أنواعة، وسأبذل كل طاقتي في سبيل تحصيل العلوم جميعا.
الوالد ــ وفقك الله يا بني وسدد خطاك.
المنظر الثاني 
(في رواق بالأزهر الشريف، يجلس رفاعة مع أقرانه للتعارف، في انتظار شيخهم ويدور بينهم الحديث عن الدروس والشيوخ).
أحد الطلبة ــ أهلا بك يا رفاعة أنت طالب مستجد.
طالب آخر ــ لكن يبدو عليك النباهه والحماس لطلب العلم. 
رفاعة ــ نعم أنا مستجد بالأزهر، ولكن بعد حفظي لكتاب الله درست على والدي وأخوالي كثيرا من علوم الشرع مثل الفقه والنحو، كذلك حفظت المتون. 
أحد الطلبة ــ من يدري علنا نراك شيخا يتحلق حولك الطلبة في أزهرنا العريق. 
طالب آخر ــ ما المانع ربما يصير الشيخ رفاعة معلما وشيخا جليلا في شيوخ الأزهر، إنه ذو همة عالية، كما أنه سريع الفهم، حريص على تحصيل العلوم وهضمها. 
رفاعة ــ أدعو الله أن يحقق لي ما أصبو إليه، إن هدفي في تحصيل العلم من أجل أن نغير مجتمعنا إلى الأفضل، وننفع الوطن الذي نعز بعزه ونسمو بسموه، ونكون قدوة صالحة لمن بعدنا. 

المنظر الثالث 
(في الأزهر الشريف، يجلس الشيخ رفاعة  معلما وقد تحلق حوله الطلاب وهو يشرح ويفسر ثم يدخل أحد الشيوخ) 
الشيخ ــ السلام عليكم يا شيخ رفاعة، هلم إلى مكتب شيخ الأزهر فإنه يريدك في أمر مهم. 
رفاعة ــ (ينهض من جلسته) وعليكم السلام ورحمة الله، انتهى درس اليوم وسنكمل غدا إن شاء الله (يتجه لمكتب الشيخ حسن العطار).
الشيخ حسن ــ مرحى يا رفاعة أقبل يا ولدي لأبشرك. 
رفاعة ــ ما الأمر يا شيخنا لعله خير. 
العطار ــ خير بإذن الله، لقد بلغ من أخبار همتك العالية وإخلاصك وجهودك من أجل النهوض ببني وطنك أسماع أفندينا والي مصر، فأمر بتعيينك إمام في الجيش المصري، وعليك من الغد تسلم منصبك الجديد في خدمة الجيش. 
رفاعة ــ أنا في خدمة وطني في أي موقع، والجيش النظامي هو حصن الدفاع عن الأمة، وأفخر أن أكون ضمن العاملين به.
العطار ــ أحسنت يا رفاعة ولعلها فاتحة خير لما بعدها وأشعر أنك ستكون دعامة كبرى من دعائم النهوض بالوطن.
رفاعة ــ بارك الله فيك يا شيخي الجليل أنت قدوتنا في الإخلاص للعلم وخدمة الدين والوطن. 
العطار ــ أنت أفضل من درسوا على يديّ يا رفاعة، وأنا فخور بك وأعدك واحدا من أبنائي النجباء. 

المنظر الرابع 
(في مكتب الشيخ حسن العطار، يجلس رفاعة أمام شيخه الذي استدعاه على عجل، وهو لا يعرف السبب)
العطار ــ أهلا بك يا رفاعة، كيف حالك يا ولدي؟
رفاعة ــ الحمد لله كل شيء على ما يرام، اللهم دمها نعمة واحفظها من الزوال.
العطار ــ لعلك تتسائل ما الذي دعاني إلى طلب حضورك اليوم لكي أراك للأهمية. 
رفاعة ــ نعم يا شيخي هذا سؤال يلح في ذهني وكنت على وشك أن أسأل ولكنك سبقتني، وإن كان يشرفني حضوري إليكم في كل وقت.
العطار ــ الموضوع أن الباشا محمد على قرر إرسال بعثة من الجيش إلى فرنسا لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، فعرضت على الباشا اسمك لتكون واعظا وإماما للبعثة، وقبل الباشا ترشيحي لك. 
رفاعة ــ معنى ذلك أنني سأسافر إلى فرنسا ضمن البعثة. 
العطار ــ طبعا البعثة مكونة من أربعين طالبا، منهم ثمانية عشرة فقط يتكلمون العربية والباقون يتكلمون التركية، وسوف تلتقي وطلاب البعثة مع أفندينا قبل أن تستقلوا السفينة الحربية إلى فرنسا، وعليك يا رفاعة بالجد والاجتهاد كما عهدتك طيلة إقامتك في فرنسا واعظا وإماما للبعثة المصرية، فأنا أعلق عليك أمالا كبارا، وادعو الله أن يوفقك لإنجازها.
رفاعة ــ نفعنا الله بدعواتك يا شيخي الجليل، سأحاول جهدي أن أنجز ما أوكل إليّ، ولكني أطمح أن أدرس العلوم مثل طلاب البعثة إلى جانب دوري في الإمامة والوعظ وأعدكم ألا أقصر في ذلك. 
العطار ــ  معك حق يا رفاعة، هذا رأي صواب وسوف أطلب ذلك من أفندينا وأعتقد أنه لن يمانع، على ألاّ تكلف البعثة أموالا زائدة.
 رفاعة ــ لن أطلب شيئا زائدا، كل ما أرجوه أن أعامل مثل طلاب البعثة، أي أكون طالبا وإماما وواعظا فأنا شغوف جدا لتحصيل العلوم الحديثة من باريز والدول الأوربية. 
العطار ــ هذا هو هدف البعثة أن يعود الطلاب بعلوم عصرية تفيد في نهضة الوطن، الباشا يهدف إلى جعل مصر دولة عصرية متقدمة وبناء جيش حديث قوي، وكل ذلك يحتاج علوما عصرية ومعرفة لغات الدول الأخرى للتواصل معها ونقل علومها إلينا.
رفاعة ــ لن يتم ذلك إلاّ بترجمة العلوم الأوروبية إلى العربية وسوف آخذ هذا الهدف مأخذ الجد، وأحمل على عاتقي تحقيقه، من أجل نهضة مصر وتقدمها. 
العطار ــ أنت طالب نبيه ونجيب يا رفاعة،  فعليك بالجد أيها النابغة، سافر على بركة الله وتعود إلينا بسلامة الله، وضع نصب عينك رضا الله فهو حصنك المنيع ثم مصلحة وطنك، وفقك الله ومن معك أنه سميع مجيب. 
المنظر الخامس 
(رفاعة في مكتبه بمدرسة الألسن بالقاهرة، بعد عودته من باريس يحدث نفسه ويسجل أفكاره ) 
رفاعة ــ الحمد لله لقد أثمرت رحلتي إلى باريز، وها أنا بعد عودتي مشغول بالترجمة ثم إنشاء مدرسة الألسن لتعليم اللغات.
الموظف ــ سيدي إن عدد طلاب المدرسة يزداد كل يوم ويوجد إقبال كبير من أبناء الطبقة الراقية لتعلم اللغات.
رفاعة ــ أتمنى أن يكون العلم متاحا لكل أبناء الأمة، لا فرق بين غني وفقير فالوطن محتاج للجميع. 
الموظف ــ أراك تبذل جهدا كبيرا في الترجمة وإدارة المدرسة والتدريس للطلبة، ولا تتقيد بساعات العمل، هون عليك يا أستاذي، أنت ترهق نفسك كثيرا، إن لبدنك عليك حقا . 
رفاعة ــ أنا أسعى لتطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية، وإنشاء أقسام متخصصة للرياضيات والطبيعيات والإنسانيات. 
الموظف ــ لكنك يا أستاذي قمت بترجمة متون الفلسفة والتاريخ الغربي والعلم الأوروبي، وأراك تدعو إلى جمع الأثار المصرية والحفاظ عليها. 
رفاعة ــ وماذا في ذلك، لا مانع أن تجتمع الأصالة والمعاصرة، هل الدعوة للتقدم والنهضة العلمية تنسينا تاريخنا العظيم وحضارة أمتنا التي صاغها أجدادنا؟، علينا أن نكون خلفا صالحا لأسلافنا وقدوة لمن بعدنا.
الموظف ــ وماذا في جعبتك بعد ذلك؟ 
رفاعة ــ ما زال في جعبتي الكثير الذي أريد أن أنجزه، ولقد أصدرت قرارين، الأول: طبع جريدة الوقائع المصرية باللغة العربية بدل التركية لتكون في متناول الجميع والثاني: تدريس العلوم وجميع المعارف باللغة العربية. 
الموظف ــ أحسنت يا أستاذنا هذا ما يجب أن يكون. 
المنظرالسادس 
(رفاعة في منزله حزين لما حدث، ولم يكن يتوقعه.. يتحدث إلى أحد الأصدقاء)   
رفاعة ــ يبدو أن الوالي الجديد عباس الأول غير راضي عن سياسة جده محمد على باشا، فقرر إلغاء كل ما أنجز في عصره، للأسف أوقف حركة الترجمة وأغلق مدرسة الألسن وقصر توزيع جريدة الوقائع على علية القوم، وأمر بإرسالي إلى السودان لإنشاء مدرسة ابتدائية صغيرة، وهذا في الحقيقة نفي مقنن، سامحك الله يا عباس لقد عطلت عجلة التقدم ومشروعات ثقافية كبيرة، كانت الألسن معلما ثقافيا كبيرا ومشعلا لآلتقاء الثقافات الغربية بالعربية، بئس القرار. 
الصديق ــ نعم بئس القرار الجائر الشائن، وماذا ستفعل يا رفاعة؟، أراك تشعر بالغبن وخيبة الأمل. 
رفاعة ــ لا أشعر بالغبن لهدف شخصين، وإن كان القرار يمثل جحودا وإنكارا لجهدي ، ولكن ما يحزنني إنه يعطل النهضة العلمية التي بدأت تظهر بوادرها في شباب هذا الجيل أخشى أن تخبو شعلتها و تنطفئ.
الصديق ــ وهل ستذهب إلى السودان لترأس مدرسة صغيرة لا تليق بعلمك ومكانتك ؟ 
رفاعة ــ نعم سأذهب العلم متاح في كل مكان لمن يطلبه، سوف أستغل هذه الفترة لإنجاز أعمال كثيرة في ذهني تحتاج لبعض التفرغ. 
المنظر السابع 
(في القاهرة الشيخ رفاعة وحوله عدد من  تلاميذه النجباء يتأهبون للعمل) 
صالح مجديــ أستاذي أهنئك بما أولاك الخديو إسماعيل من رعاية وأنصفك وأعاد إليك مناصبك ومكانتك. 
عبدالله السيد- الخديو إسماعيل يعرف أقدار الرجال وهو محب للثقافة والعلم.
رفاعة ــ الحمد والمنة لله أولا ثم لابد من شكر صاحب الفضل الخديو إسماعيل، لقد أولاني نظارة قلم الترجمة وطلب مني ترجمة القوانين الفرنساوية إلى العربية، وهذا عمل ضخم يحتاج أن نحتشد له جميعا، ندعوا الله أن يوفقنا ويعيننا على إنجازه.
محمد قدري- ولكن هذه مهمة شاقة تتطلب الإلمام بأحكام الشريعة الإسلامية والقانون الفرنسي على السواء.
رفاعة- أعرف أن الأمر ليس سهلا، وعلينا اختيار المصطلحات الفقهية التي تتوافق مع القوانين الفرنساوية، ولا يوجد من المترجمين من هم أقدرمنكم للقيام بهذه المهمة.
صالح مجدي- بفضل متابعتكم وتوجيهاتكم، ولكن ماذا سنسمي هذا القانون بعد الترجمة ؟ 
رفاعة ــ لقد اخترت له عنوانا هو -تعريب القانون المدني الفرنسي- وسوف يطبع إن شاء الله في مطبعة بولاق.
صالح-  أرجو ألاّ يشغلك ذلك عن مشروع إحياء التراث. 
رفاعة- إحياء التراث العربي والإسلامي من الأولويات عندي ولن يشغلني عنه شيء، وقد أقنعت الحكومة بالفعل بطبع عدد من أمهات الكتب وتحمل تكلفتها، مثل تفسير الإمام فخر الرازي للقرآن الكريم.
محمد قدري -تقصد مفاتيح الغيب- 
رفاعةــ نعم وليس هذا فحسب، وكذلك- خزانة الأدب للبغدادي- ومقامات الحريري وغير ذلك. 
صالح ــ لقد حدثتنا عن عزمك إصدار مجلة ثقافية علمية. 
رفاعة- هذا صحيح وستصدر قريبا وقد أسميتهاـ روضة المدارس- إذن ننهي عمل اليوم ويبدأ كل منا إتمام ما طلب منه، وسنلتقي في المطبعة. 
عبدالله السيد- ها نحن نلتقي في مقر طباعة المجلة، وقد طبعت النسخ الأولى وأرسلت لكبار المسئولين.
أحد موظفي القصر- (يدخل) سيدي الشيخ رفاعة، جناب الخديو إسماعيل يهنئك على إصدار المجلة وقد أعجب بتقسيمها وموضوعاتها. 
رفاعة- إنها تضم أقساما عدة، وتولى كل قسم أحد العلماء وهي تنشر مقالات في التاريخ والجغرافيا والاجتماع والصحة، إلى جانب المجالات الأدبية من شعر وقصة وتلحق بها كتب مع كل عدد.
 الموظف- نعم صدقت يا شيخنا فقد نالت المجلة إعجاب الجميع، وقد أرسلني مولاي الخديو لدعوتك للقائه ليشكرك ويكافئك على جهودك وتفانيك في خدمة الوطن وبعث النهضة العلمية في ربوعه. 
الجميع- (يهللون فرحا ويلتفون حول أستاذهم رفاعة) بارك الله فيك يا أستاذنا لقد حققت لمصر ما كنت تتوق لتحقيقه وتركت لها من مؤلفاتك الثمينة ما يبقي زادا للأجيال المقبلة.  
من العلم والمعرفة، لقد عشت منكبا ومنهمكا في طلب العلم وتحصيله، كنت قليل النوم كثير الانهماك تؤثر العمل على الراحة، وكان حصاد جهدك طيبا مثمرا.
رفاعة- الحمد لله، أشعر الآن أنني أديت رسالتى، وأنتم من تحملون مشعل التنوير بعدي، أوصيكم بالعمل الذى يرضي الله وبالإخلاص في طلب العلم وحب الوطن.