الأربعاء 1 مايو 2024

في ذكراه | هل عارض طلعت حرب قضية تحرير المرأة ؟

طلعت حرب وقاسم أمين

كنوزنا13-8-2023 | 14:41

بيمن خليل

تحل اليوم، ذكرى وفاة طلعت باشا حرب، رجل الاقتصاد الكبير ورائده،  الذي توفي في مثل هذا اليوم 13 أغسطس عام 1941م، عن عمر يناهز الـ 73 عامًا، صنع من خلالها تاريخًا اقتصاديًا وثقافيا وفنيا قويًا لمصر، ومن أهم إنجازاته الاقتصادية فكرة إنشاء وتأسيس بنك مصري وطني، وهو «بنك مصر».

 

معركة طلعت حرب الفكرية ضد قاسم أمين

قد لا يعلم البعض أن طلعت حرب، غير أنه رجل اقتصاد مرموق، كان كاتبا ومفكرًا ومثقفًا، وقد دخل معاركا فكرية، مع كبار المفكرين في عصره، من ضمنها.. معركته مع أفكار قاسم أمين في قضية تحرير المرأة، عندما أثار كتاب قاسم أمين الأول «تحرير المرأة»، عام 1899م، ضجة كبيرة وقت ظهوره، ليس بين أوساط المثقفين فقط، ولكن أيضًا بين عامة الناس، وتسبب في أزمة كبيرة، وتزلزلت مصر ما بين مؤيد ومعارض، وتأزمت الأمور، وشن الشارع المصري، حربًا شرسة من الاحتجاجات والمعارضة والنقد لأفكار قاسم أمين.

 

بعض مما كتبه قاسم أمين في كتابه تحرير المرأة

فقد جاء في كتاب أمين «تحرر المرأة»، أن الحجاب في عصره ليس هو الحجاب الذي نصته الشريعة الإسلامية وأنه مخالفًا لها، وأنه الحجاب في صورته التي عليها مجرد تقاليد توراثها الناس دون فهم للنص القرآني الصحيح.

وعن الزواج كتب، رأيت في كتب الفقهاء أنهم يُعرِّفون الزواج بأنه «عقد يملك به الرجل بضع المرأة» وما وجدت فيها كلمة واحدة تشير إلى أن بين الزوج والزوجة شيئًا آخر غير التمتُّع بقضاء الشهوة الجسدانية، وكلها خالية عن الإشارة إلى الواجبات الأدبيَّة التي هي أعظم ما يطلبه شخصان مهذَّبان كلُّ منهما من الآخر.

 

المرأة والحجاب.. ما بين طلعت حرب وقاسم أمين

ألف طلعت حرب كتابه الأول عن المرأة وهو:  «تربية المرأة والحجاب»، في السنة ذاتها 1899م، ردًا على كتاب تحرير المرأة الذي أصدره قاسم أمين، والكتاب ينتقد رأي قاسم أمين فيما يدعوا إليه من رفع الحجاب ووجوب الاختلاط.

ويذكر طلعت حرب أن كتاب «تحرير المرأة» عندما صدر انقسم الناس إلى حزبين بشأنه، حزب يرى رأي المؤلف و«هم قلائل يعدون على الأصبع» والحزب الآخر «وهو الأعظم عددًا»، أجمع على استهجان ما ورد بالكتاب، ولكن طلعت حرب يجمع الحزبين في مسلمة واحدة بقوله «الحمدلله إن الدين لا يمنع مطلقًا من تعليم المرأة وتربيتها وتهذيبها بل هو يحض على ذلك».

دافع طلعت حرب عن الحجاب، وأوغل في الدفاع عنه، بادئًا بمأثورات تنسب إلى السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي وإلى الحسن بن علي، وتتكلم عن التربية، ووجوبها، وقسمها أنواعا ثلاثة: الأولى تربية البيت، والثانية تربية المواقف لأحوال الأمة وطريقة إداراتها الحسنة التي تجري في الأوطان، عسكرية كانت أو تجارية أو زراعية، فإذا كانت تربية البلد عسكرية وجب تربية الذكور على ذلك، وتربية البنات على محبة الشجاعة والشجعان ليشجعن الأبناء على ذلك.. أما النوع الثالث، هو التعليم بالنسبة للمرأة، يفيدها في شئونها التي تنشط فيها بالنسبة لبيتها وأولادها، وهو يستحسن أن يكون الحجاب شاملا فلا يظهر إلا العينين.

 

وقد نشرت مجلة الهلال، في عددها، في 1 يناير 2001، ملفًا خاصًا عن هذه القضية، قضية تحرير المرأة ما بين رأي قاسم أمين وطلعت حرب، وكتب المفكر المصري طارق البشري بشأن ما ذُكر:

أيا كانت وجوه اختلاف الرأي مع ما أثبته طلعت حرب في هذا الشأن بالنسبة لحجاب المرأة، فإن ما يلفت النظر في موقفه هو ما أثبته في مقدمة الكتاب من ربط بين هذا الموقف وبين المناخ السياسي العام، إذ يقول: «أخذنا نسأل ونتساءل، ونبحث ونتناظر، حتى علمنا أن معظم هياج الرأي العام على حضرة المؤلف (قاسم أمين) مما هو راسخ في أذهانهم من أن رفع الحجاب والاختلاط كليهما أمنية تتمناها أوروبا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوروبا بالعالم الإسلامي.

فأراد طلعت حرب أن يقول: إن الغرب باسم محاربة الرق استعمر بلادًا وأنه اليوم باسم تحرير المرأة يريد أن يستعمر بلادًا أخرى، ويتدخل بالقوة في شئونها، ومن هنا نلحظ موقفًا سياسيًا لطلعت حرب ضد الاستعمار الغربي، كما نلحظ فهما منه للتوظيف السياسي للثقافة والعلاقات الاجتماعية، الذي يتبع الغرب، لتحقيق أطماعة في بلادنا، والتوسل بالشعارات النبيلة لتحقيق أهدافه غير النبيلة.

 

فصل الخطاب في المرأة والحجاب

رد الكتاب الثاني لطلعت حرب، وهو كتاب «فصل الخطاب في المرأة والحجاب» في ذات الموضوع، والذي أصدره في عام 1901م، وجاء هذا الكتاب أيضًا، ردا على الكتاب الثاني لقاسم أمين «المرأة الجديدة» وركز في هذا الكتاب على أقوال الشيخ محمد عبده، عن المرأة ودورها، وعلى ردود السيد رشيد رضا في مجلة المنار على كتاب قاسم أمين، كما أشار إلى أراء سابقة لقاسم أمين عن المرأة تغاير ما تبناه في كتابيه وتسبقهما، لا في الرأي الذي ساقه بقدر ما هو تصوير وضع المرأة المصرية.. وكانت صورة المرأة لدى قاسم أمين في كتاباته السابقة هذه التي نشرها في 1894 ردا على ما كتبه اللورد داركور، كانت أحسن من صورتها في كتابي قاسم أمين نفسه اللاحقين.

 

هل عارض طلعت حرب قضية تحرير المرأة وقاسم أمين؟

رأي طارق البشري

يكمل طارق البشري في مقالته في مجلة الهلال، ويقول: إن طلعت حرب الذي دافع في كتابه هذا عن حجاب المرأة واستحسن قصر نشاطها على شئون البيت والأبناء، قد انفتحت بعد ذلك مشروعاته الاقتصادية والوطنية، لعمل المرأة بكثافة نسبية واضحة وذلك من العشرينات وما بعدها.

 

رأي مصطفى نبيل

وفي ذات السياق، نشرت مجلة الهلال، في عددها الصادر في 1 ديسمبر 2002، مقالة للكاتب الكبير مصطفى نبيل، والذي قال فيها: يُلاحظ أن طلعت حرب لم يكن ضد المساواة بين الرجل والمرأة، ولكنه كان يؤيد أن «الإسلام» كان سباقًا في إعطاء المرأة حقوقها.. وفسر رده على قاسم أمين، بالقول: «كنت أقصد ضرورة الابتعاد عن التقليد الأعمى، وعن الطفرة حتى نحافظ على شخصية الأمة»..

وانعكس ذلك على ما قام به بعد ذلك.. فتخرج في مدرسة الطيران التي أنشأها بنك مصر أكثر من امرأة تعمل طيارة، وقامت النساء بالتمثيل، على مسرح حديقة الأزبكية، كما عملت الكثير من الفتيات في مصانع شركة مصر للغزل والنسيج.

Dr.Randa
Dr.Radwa