السبت 4 مايو 2024

خواطر حول المفاعل النووي لتوليد الكهرباء

مقالات14-8-2023 | 16:41

الطاقة التي يستخدمها الإنسان عبر التاريخ، تأتي من العمليات الكيميائية والفيزيائية الأساسية، أي عن طريق حرق المواد القائمة على الكربون مثل الخشب والفحم والغاز الطبيعى والبترول، أو عن طريق تسخير طاقة الشمس والرياح والمياه.

في العصر الحديث استخدم الإنسان مصادر طاقة أخرى - لا تحتوى كربونا - مثل طاقة الانشطار النووي لتبسيط طاقة الانشطار النووي، نعطى مثالا ... في حالة شطر لوح من الخشب بالمنشار إلى قطعتين، ينتج عن ذلك نشارة خشب لذلك نجد أن كتلة لوح الخشب قبل نشره، أكبر من كتلة قطعتين الخشب ناتج النشر، بمقدار وزن النشارة فالنشارة الناتجة هي الفاقد في الكتلة، لكن هذه النشارة يتم استخدامها في أغراض أخرى.

لو استطعنا شطر ذرة من الذرات الثقيلة مثل "اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم-239" إلى جزئين، نفس الشئ يحدث، نجد أن كتلة الذرة قبل الانشطار أكبر من كتلة ناتج الانشطار "الجزئين"، لكن فاقد الكتلة هنا يتحول إلى طاقة طبقا لقانون "أينشتين"، ومنطوقه "الطاقة المتولدة من تحويل الكتلة إلى طاقة، تساوى الكتلة في مربع سرعة الضوء".

انشطار الذرات الثقيلة مثل "اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم-239"، يتم بواسطة قذفها بـ "نيوترون" سرعته بطيئة، أي طاقته منخفضة - النيوترون جسيم لا يحمل شحنة - مما يجبرها على الإثارة والانقسام إلى ذرتين أصغر - تُعرف أيضا باسم نواتج الانشطار - وتنطلق كمية من الطاقة، وكذلك تنطلق نيوترونات إضافية، وهى نيوترونات سريعة، أي طاقتها عالية.  

الطاقة المتولدة من انشطار ذرة يورانيوم-235 واحدة، لا تكفى لتشغيل مفاعل نووي وإنتاج كهرباء المفاعل النووي المستخدم لتوليد الكهرباء محتاج وقود نووي يحتوى على ملايين المليارات من ذرات اليورانيوم-235.

مع انشطار أول ذرة يورانيوم-235 في الوقود النووي، داخل قلب المفاعل، تنطلق نيوترونات سريعة، لابد من تهدئتها - أي تخفيض طاقتها - بمواد مهدئة لتصبح بطيئة، لتصبح قادرة على تنفيذ عملية انشطار أخرى.

هناك مواد تستخدم في عمليات تهدئة النيوترونات السريعة المنطلقة من عملية الانشطار، مثل الجرافيت والماء الخفيف H2O والماء الثقيلD2O . لذلك، الماء داخل قلب المفاعل - الذى يحتوى على الوقود النووي - يستخدم في تهدئة النيوترونات السريعة، وكذلك في امتصاص حرارة الوقود النووي الناتجة من انطلاق طاقة الانشطار النووي.

مع حدوث الانشطار النووي الثانى، تنطلق نيوترونات ويتم تهدئتها، ويحدث انشطار نووي ثالث، وهكذا تستمر تكرار عملية الانشطار متسلسلة وتسمى "تفاعل نووي متسلسل".

الوقود النووي يكون على هيئة حبيبات مضغوطة في حجم عقلة الاصبع الصغير لليد (الخنصر)، هذه الحبيبات توضع داخل قضبان مصنوعة من سبيكة من الصلب والزركونيوم، طول قضيب الوقود في حدود 4 متر. ترص قضبان الوقود وتجمع في مصفوفة، فى شكل رباعى أو سداسى الأضلاع، وتسمى حزمة وقود.

يستمر التفاعل النووي المتسلسل في الوقود النووي داخل قلب المفاعل، ويقوم الماء المحيط بالوقود النووى بامتصاص حرارة الانشطار النووي، وتهدئة النيوترونات في مفاعلات الماء الخفيف المضغوط PWR، ترتفع درجة حرارة الماء، في حدود 320 درجة مئوية، ويرتفع ضغط الماء داخل قلب المفاعل، في حدود 150 بار.    

للتبريد المستمر لحزم الوقود داخل قلب المفاعل، ولكى لا ترتفع درجة حرارة الماء لدرجات عالية، فلابد من تحريك الماء الساخن الملامس لقضبان الوقود واستبداله بماء أقل سخونة لحمل حرارة الوقود. ولكى تستمر عملية ديناميكية تبريد حزم الوقود النووى، وحمل حرارة الوقود النووي بعيدا عن حزم الوقود، تستخدم طلمبات مياه كبيرة "طلمبات التبريد" لتدوير مياه التبريد داخل قلب المفاعل. لذلك، هناك مواسير ذات قطر كبير، يسير فيها الماء الساخن الخارج من قلب المفاعل، ويتجه إلى المبادل الحرارى - مولد البخار - ويتم دفع هذا الماء ليمر خلال حزم من المواسير ذات الأقطار الصغيرة، موضوعة فى حوض ماء داخل مولد البخار. درجة حرارة ماء حوض مولد البخار منخفضة، وبذلك يتم تبريد الماء القادم من قلب المفاعل، ويخرج من مولد البخار أقل سخونة، ومن خلال طلمبة التبريد المتصلة بماسورة مع مولد البخار يتم دفعه مرة أخرى إلى وعاء ضغط المفاعل، ليمر مرة أخرى على حزم الوقود النووي في قلب المفاعل.

عندما يلامس ماء حوض مولد البخار سطح حزمة المواسير الموجودة في مولد البخار ترتفع درجة حرارته لدرجة الغليان، وينتج عن ذلك بخار ماء بخار الماء يخرج من مولد البخار مباشرة من خلال ماسورة إلى التوربينة. يفقد بخار الماء طاقته على أسطح ريش التوربينة، وتدور التوربينة، وتقوم بتحريك المولد ودورانه لإنتاج كهرباء. يتجه بخار الماء الخارج من التوربينة إلى المكثف الموجود أسفل التوربينة، ويتكثف ويتحول إلى ماء، ومن خلال سحب هذا الماء بواسطة طلمبات، يعود مرة أخرى إلى حوض مولد البخار.

من ذلك يتضح أن مفاعل الماء الخفيف المضغوط PWR، ومفاعل الماء الثقيل المضغوط PHWR يتكون من دائرتين منفصلتين، بعضهما عن بعض. الدائرة الأولى، تضم وعاء ضغط المفاعل، الموجود بداخله حزم الوقود النووي، والماسورة الموصلة لمولد البخار، وحزمة المواسير الموجودة داخل مولد البخار، وطلمبة التبريد، وماسورة الراجع من مولد البخار لوعاء ضغط المفاعل. والدائرة الثانية، تبدأ من مولد البخار، أي حوض ماء مولد البخار، وماسورة البخار، والتوربينة، والمكثف، والطلمبات التي تأتى بعد المكثف.

في مفاعل الماء المضغوط PWR ومفاعل الماء الثقيل PHWR، يخرج الماء الساخن من قلب المفاعل ملوثا بالإشعاع، لأنه كان ملامسا لسطح حزم الوقود النووى. لذلك، استخدمت مبادلات حرارية "مولدات بخار" لتوليد البخار، والبخار غير ملوث بالإشعاع، لوجوده في دائرة ثانوية، بعيدة عن حزم الوقود النووي، لذلك تعتبر مكونات التوربينة والمولد "الجزيرة التقليدية" غير ملوثة.

المفاعلات النووية الشائعة والمستخدمة في توليد الكهرباء، هي مفاعلات الماء الخفيف المضغوط PWR، ومفاعلات الماء الخفيف المغلى BWR، تستخدم وقودا نوويا مخصبا، لكن مفاعلات الماء الثقيل المضغوط PHWR، تستخدم وقودا نوويا غير مخصب.

مفاعلات الماء الخفيف المضغوط BWR، لا تستخدم مولدات بخار. الماء الساخن في وعاء قلب المفاعل، يتحول جزء منه إلى بخار، وهذا البخار يخرج مباشرة إلى التوربينة. بالطبع في هذه الحالة، يكون البخار ملوثا لأنه كان ملامسا لسطح أعمدة حزم الوقود النووى، وبالتالي التوربينة ستصبح ملوثة بالإشعاع.

مفاعلات الماء الثقيل المضغوط PHWR، والتي تستخدم وقودا نوويا غير مخصب، تستخدم الماء الثقيل D2O والسبب في ذلك، يرجع إلى أن الوقود النووي غير المخصب ينتج عددا من النيوترونات داخل قلب المفاعل، أقل بكثير من عدد النيوترونات التي ينتجها الوقود المخصب. لذلك لو استخدم الماء الخفيف - وهو شره في امتصاص النيوترونات - في عملية التبريد وعملية تهدئة النيوترونات، سوف يمتص معظم النيوترونات المتولدة داخل قلب المفاعل، ولا يحدث تفاعل متسلسل، والمفاعل يتوقف عن العمل. لذلك يستخدم الماء الثقيل، نظرا لأنه ليس شرها في امتصاص النيوترونات، ويحافظ على النيوترونات المتولدة من التفاعل المتسلسل.

طبقا لمعايير الأمان النووي المطورة، نجد أن الجزيرة النووية، والتي تشمل وعاء ضغط المفاعل، ومولدات البخار، وطلمبات التبريد، والضاغط، ودوائر منظومة الأمان، موجودة داخل وعاء احتواء، لحمايتها من المخاطر الخارجية، وحماية البيئة المحيطة من الحوادث النووية الداخلية. ثم أن هناك مصيدة قلب المفاعل، وهى موجودة أسفل وعاء ضغط المفاعل، لالتقاط مواد قلب المفاعل المنصهرة في حالة حدوث حادثة فقدان مياه تبريد قلب المفاعل، ومنعها من الهروب إلى باطن الأرض.

معظم المفاعلات الشغالة هي من الجيل الثانى، وحاليا الشركات تصنع المفاعلات النووية من الجيل الثالث والثالث المطور. الجيل الأول من مفاعلات توليد الكهرباء، كان في الفترة من عام 1950 وحتى عام 1965، والجيل الثانى كان فى الفترة من عام 1965 وحتى عام 1995، والجيل الثالث بدأ من عام 1996.

أكثر المفاعلات النووية انتشارا على مستوى العالم، هى مفاعلات الماء الخفيف المضغوط PWR، وعددهم أكثر من 300 مفاعلا، بدأت صناعتها في أمريكا ثم انتشرت صناعتها في فرنسا وروسيا والصين وكوريا الجنوبية. هذا النوع من المفاعلات موجود في روسيا تحت مسمى VVER، ومفاعل الضبعة من هذا النوع وقدرته 1200 ميجاوات، ولذلك يسمى VVER-1200، وهو من الجيل الثالث المطور.

النوع الثانى من المفاعلات والمنتشر عالميا، هو مفاعل الماء الثقيل المضغوط PHWR، عدد المفاعلات على مستوى العالم 46 مفاعلا. بدأت صناعة هذا المفاعل في كندا. وانتشر استخدامه عديد من الدول.

النوع الثالث من المفاعلات والمنتشر عالميا، هو مفاعل الماء الخفيف المغلى BWR، عدد المفاعلات على مستوى العالم 41 مفاعلا. بدأت صناعة هذا المفاعل في أمريكا. وانتشر استخدامه في عديد من الدول.

النوع الرابع من المفاعلات، هو مفاعل يستخدم الماء الخفيف للتبريد والجرافيت لتهدئة النيوترونات LWGR، عدد المفاعلات 11 موجودين في روسيا، بدأ صناعة واستخدام هذا النوع من المفاعلات في روسيا وتسمى RBMK، وقدرة المفاعل 1000 ميجاوات. مفاعل محطة "تشرنوبيل" في أوكرانيا، والذى حدثت به كارثة نووية في 26 أبريل 1986، هو من هذا النوع من المفاعلات، رغم حدوث كارثة "تشرنوبيل"، لكن لازال هذا النوع من المفاعلات يعمل في روسيا.

توجد مفاعلات تستخدم الغاز في التبريد والجرافيت في تهدئة النيوترونات GCR، هذه المفاعلات بدأت صناعتها واستخدامها في المملكة المتحدة، وعددها 8 مفاعلات.

من ضمن المفاعلات الحديثة، هناك نوع من المفاعلات يسمى المفاعلات المولدة السريعة FBR، أي يحدث فيها تكاثر، أي أن هذه المفاعلات تنتج وقودا انشطاريا أكثر مما تستهلكه. هذه المفاعلات تحتوي بشكل عام على فائض من النيوترونات، حيث يمكن للنيوترونات المنبعثة من تفاعلات الانشطار أن "تولد" وقودا "انشطاريا" أكثر من الوقود الغير قابل للانشطار، أو يمكن استخدامها لتحويل الوقود النووي المستهلك، وهى عملية تهدف إلى تقليل السمية الإشعاعية طويلة المدى، وتقليل حجم وحرارة الاضمحلال للنفايات النووية، وذلك عن طريق تحويلها إلى نظائر أقل ضررا أو أكثر استقرارا.

تفاعل التكاثر الأكثر شيوعا هو تفاعل امتصاص اليورانيوم-238 للنيوترونات السريعة، حيث يتم إنتاج البلوتونيوم-239 القابل للانشطار، من اليورانيوم-238 غير القابل للانشطار. يحدث إنتاج المواد الانشطارية في المفاعل عن طريق التشعيع النيوتروني للمواد الخصبة، وخاصة اليورانيوم-238 والثوريوم-232 يتم تكاثر هذه المواد، إما في الوقود نفسه داخل قلب المفاعل أو في بطانية تكاثر تحيط بقلب المفاعل.

يوجد في روسيا مفاعل قدرته 885 ميجاوات وهو BN-800، ومفاعل قدرته 600 ميجاوات وهو BN-600 هذه المفاعلات تستخدم الصوديوم في التبريد. المفاعل BN-800، هو من نوع الحوض مثل حوض السباحة.  

هذا المفاعل هو من المفاعلات المولدة السريعة التي تستخدم المعادن السائلة في التبريد LMFBR، وهو يستخدم الصوديوم السائل المفاعل وطلمبات التبريد والمبادلات الحرارية "مولدات البخار" والأنابيب المرتبطة بها، موضوعة في حوض به صوديوم سائل هذا المفاعل يستخدم وقودا مختلطا من اليورانيوم والبلوتونيوم.

المفاعل يتكون من ثلاث دوائر مستقلة، الدائرة الأولى والثانية يدور فيهما سائل الصوديوم للتبريد بواسطة طلمبات، مع مبادلين حراريين وسيطين بين الدوائر، والدائرة الثالثة تحتوى على الماء لإنتاج البخار.

مفاعلات الحرارة العالية والمبردة بالغاز HTGR، هي أحد مفاعلات الجيل الرابع، وهي في طور التطوير. هذا النوع من المفاعلات يعمل عند درجات حرارة عالية، أي المبرد وهو غاز يعمل عند درجة عالية، تصل درجة الحرارة إلى 750 درجة مئوية. في حين أن المبرد في مفاعلات الماء الخفيف المضغوط PWR يعمل عند درجة حرارة 320 مئوية، وفى مفاعلات الماء المغلى BWR، المبرد يعمل عند درجة حرارة 285 مئوية، وفى مفاعلات الماء الثقيل المضغوط PHWR، المبرد يعمل عند درجة حرارة 300 مئوية، وفى مفاعلات الماء الخفيف للتبريد والجرافيت لتهدئة النيوترونات LWGR، المبرد يعمل عند درجة حرارة 285 مئوية، وفى مفاعلات المولدة السريعة FBR، المبرد يعمل عند درجة حرارة 550 مئوية. لذلك نجد أن مفاعلات الحرارة العالية والمبردة بالغاز HTGR، تمتلك كفاءة أعلى من باقى المفاعلات، وتصل لأكثر من 41%، مع العلم أن مولدات البخار "المبادلات الحرارية" لا تسمح بحرارة البخار أن تتعدى 550 درجة مئوية.

في الصين يوجد مفاعل HTGR، موديل HTR-PM، قدرته 200 ميجاوات، يتكون من مفاعلين "وحدتين" وتوربينة واحدة، ووحدات توليد البخار بطاقة حرارية تبلغ 250 ميجاوات، وتوليد طاقة كهربائية يبلغ حوالي 100 ميجاوات لكل وحدة.

 بدأ توصيله على الشبكة في 20 ديسمبر 2021. الصين في طريقها لإنتاج مفاعل موديل HTR-PM600، أي أن المفاعل قدرته 600 ميجاوات، أي يتكون من 6 وحدات.

Dr.Randa
Dr.Radwa