بقلم – حمدى رزق
من قبيل الوفاء ورد الاعتبار أطلقت القوات المسلحة المصرية اسم اللواء محمد نجيبعلى قاعدتها العسكرية الكبرى فى العلمين، لفتة مؤثرة من القيادة العامة للقوات المسلحة، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، مصر لا تنسى رجالاتها العظام، وتاريخ العسكرية المصرية مرصع بجواهر التاج، وذاكرة التاريخ العسكرى المصرية حية معبرة عن روح الانتصار.
ومن قبيل الإنصاف أتمنى من القيادة العامة الوفية أن تضع الفريق أول «محمد فوزى حاخوا» وزير الحربية ومهندس حرب الاستنزاف فى مكانه المستحق تاريخيا وعسكريا، ويقينى فى ظل القيادة العسكرية الوطنية، لن ينسى المحترمون فضل الفريق فوزى، ولن يتجاهل اسمه بعد اليوم، ولن يغمض منجزه العسكرى، وسيأتى يوم قريب يكرم الرئيس السيسى اسم الرجل العظيم الذى عاقبته السياسة بقسوة، فمحقت تاريخه العسكرى المشرف، ورحل دون كلمة إنصاف أو وداع مستحق، دين فوزى معلق فى رقبتنا.
الفريق أول محمد فوزى كان قائدا استثنائيا، قاد حرب الاستنزاف بدءاً من يوليو ١٩٦٧ وحتى مارس ١٩٦٨ وإليه يعود البدء فى التحضير لانتصار السادس من أكتوبر؛ حيث إعادة بناء وهيكلة القوات المسلحة بعد النكسة، وكانت مهمة أقرب إلى معجزة أن يتحول الجيش العظيم من الهزيمة إلى النصر فى سنوات قلائل .. أمعجزة ما لها أنبياء !!.
القائد الأعلى الرئيس عبدالفتاح السيسى يعرف للرجال أقدارهم، والقائد العام الفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع من مدرسة العسكرية الناشفة التى أسس لها الفريق أول محمد فوزى، وقادة القوات المسلحة جميعا يقرون بالدور الكبير الذى قام به الفريق فوزى فى نصر أكتوبر، ولم يعرف عنهم رهن التاريخ العسكرى للسياسة، وأنصفوا «نجيبا» وهم النجباء بعد نصف قرن من الغبن، غبن السياسة.
وللفريق فوزى قصة تروى، شهد له الجميع بالانضباط العسكرى وقام بدور رئيسى فى إعادة هيكلة وتطوير القوات المسلحة فى الفترة بين ١٩٦٧ إلى ١٩٧٠، وعلى الرغم من الغبن الذى تعرض له واعتراض طريق خطته للحرب من قبل القرار القاسى سياسيا للرئيس السادات صاحب قرار العبور العظيم بمحاكمته عسكرياً فى ١٩٧١، إلا أن الجميع يقر ويعترف بكونه وضع حجر الأساس لحرب ١٩٧٣.
ويعطف التاريخ على سيرة الفريق فوزى: قضى تاريخه فى الكلية الحربية وتخرج فيها عام ١٩٣٦ ليلتحق بسلاح المدفعية ويشارك فى الحرب العالمية الثانية فى الدفاع الجوى عن القواعد البحرية فى مصر، كما شارك فى حرب فلسطين عام ١٩٤٨، ولفت الأنظار عندما قام بتطوير المدافع المضادة للطائرات لتصيب أهدافا أرضية، حيت استطاع تدمير برج المياه الإسرائيلى فى «دير سنيد».
تولى منصب رئيس أركان فى الستينيّات بعد أن استشرت سيطرة الفريق عبدالحكيم عامر على الجيش المصري، ولكن تعيينه وقتها لم يصنع فارقاً، حتى جاءت النكسة التى تسببت فى تنحى الرئيس جمال عبدالناصر، ورفض الشعب تنحيه فى مظاهرة وطنية شعبية قلّ أن يجود الزمان بمثلها، فقطع عبدالناصر وعداً لشعبه الصابر بإعادة بناء القوات المسلحة، فجاء القرار بتعيين الفريق محمد فوزى قائداً عاماً للقوات المسلحة فى الحادى عشر من يونيه ١٩٦٧.
الفريق فوزى كان حاضرا وجاهزا ومتشوقا للنصر، وفى الليلة نفسها قدم لعبد الناصر ثلاث أوراق عن التوجيه السياسى والمعنوى والإدارى للجيش، ثم وضع العديد من الخطط التى سارت فى خطوط متوازية، وأهمها بداية حرب استنزاف ضد العدو، والتى بدأت فعليًا بمعركة «رأس العش» فى الأول من يوليو ١٩٦٧، وخطة إعادة بناء القوات المسلحة، وخطة تطوير التسليح، وحرب الاستنزاف لمن لا يعلم مجمع من البطولات العسكرية، وحدها تحتاج إلى احتفاء عسكرى توثيقى يلم بطولاتها فى مجلد للأجيال.
عُرف عن الفريق محمد فوزى شدته وانضباطه العسكرى ورؤيته العسكرية المؤيدة للحرب، فلم يكن يقبل إلا بالنصر، وبدأ فى وضع خطة للحرب ضد إسرائيل انتهى منها فى ١٩٧٠ والتى يطلق عليها «الخطة ٢٠٠»، وكانت تحمل تنظيماً عسكرياً محكماً لخطة العبور وتحرير سيناء.
وفى نهاية أغسطس١٩٧٠ عقد عبدالناصر اجتماعًا مصغرًا مع وزيرى الحربية والخارجية لمناقشة الاستعدادات النهائية لبدء معركة التحرير، وأكد الفريق فوزى مقدرة قواته على العبور وخوض معركة التحرير، وكانت تشمل خطتين: «٢٠٠» و«جرانيت»، وكذلك خطة سورية لتحرير الجولان.
وجاءت وفاة الرئيس جمال عبدالناصر وتولى السادات بمثابة عائق أمام خطة الفريق محمد فوزي، حيث أُطيح به إلى محاكمة عسكرية ليقضى بعدها سنتين من عمره فى السجن لم يكن ليخرج منه إلا لأسباب مرضية، بعد تردِّى حالته الصحية فى ظلام السجن غير مُحتفل بالنصر الذى كان أحد أبطاله العظام.
للأسف جنت عليه السياسة، ملعونة السياسة تسلب النجوم ضياءها، تجاهل الفريق فوزى طال كثيرا، ومع إنصاف اللواء نجيب تجدد الأمل فى إنصاف يليق بالرجل، وذكرى نصر أكتوبر تذكرنا بالأبطال، يتوق أولاد الفريق فوزى وأحفاده إلى إنصاف عميد العائلة وقائد الجيش العظيم، وما عرف عن الرئيس السيسى كقائد عسكرى معتبر يتنسم بطولات القادة العظام ويضعهم محل التكريم، أن يكرم اسم الفريق فوزى ويشهد على بطولته العظيمة أجيال من الرجال السمر الشداد.
الفريق أول محمد فوزى الذى ظلمته السياسة، سقط اسمه مع توقيع معاهدة السلام وهو رجل حرب، نسيته القافلة ليس تجاهلا بقدر ما أن مقاس التجاذبات السياسية والعسكرية فى قضية الصراع العربى - الإسرائيلى لا تتسع لرجلٍ كان هدفه الأساسى من الحرب النصر أو يهلك دونه .. طوبى لأبطال أكتوبر العظماء، ودمعة وفاء على قبورهم المنيرة .. وإن كان فى أرضك مات شهيد .. فيه ألف غيره بيتولد.