الخميس 4 يوليو 2024

الحكيم الذى أبهر العالم

4-10-2017 | 15:47

بقلم: سناء السعيد

يوم الجمعة المقبل السادس من أكتوبر تحل الذكرى الرابعة والأربعون للانتصار الباهر، الذى حققته مصر فى عام ٧٣ ، إنها الحرب التى غيرت مجرى التاريخ بالنسبة لمصر والشرق الأوسط بأسره، وشكلت إنجازا رائعا لا مثيل له تحطمت أمامه أوهام الكيان الصهيوني، الذكرى تستدعى لى لقاءاتى مع الرئيس البطل أنور السادات الذى حقق بهذه الحرب الحلم الذى راود المصريين كثيرا؛ ولكنى أعتز بأول لقاء أجريته والذى جاء فى أعقاب النصر المبين، يومها كنت شاهد عيان على الفرحة العارمة التى غمرت المصريين فى لندن عاصمة الضباب حيث كنت أقيم بها وقتئذ، وفى مارس ١٩٧٤ واتتنى فرصة زيارة مصر لإجراء سلسلة من اللقاءات مع رجال السياسة والأدب لهيئة الإذاعة البريطانية. ولم أملك إلا أن أسارع بالتوجه إلى مصر الحبيبة ليكون لى شرف اللقاء بالبطل الرئيس السادات وأجرى معه حديثا مطولا خص به الـ “بى بى سى”، ليحدثنى يومها عن إنجازات المعركة والتى تجلت إحداها فى تحقيق الوحدة العربية قائلا: (لقد حدثت معجزة بتكاتف الأشقاء العرب فى وقت الشدة لنواجه مصيرنا معا. كانت وحدة موقف أصيلة اتحدت فيها كلمة العرب لأول مرة منذ قرون).

سعادة غامرة سكنتنى وأنا فى حضرة الرئيس أنور السادات البطل، الذى أقدم على اتخاذ قرار مصيرى وهو قرار الحرب ضد إسرائيل، يومها استطاع جيش مصر العظيم كسر خط بارليف وعبور قناة السويس، فكان أن نجح السادات فى أن يقود مصر إلى أول انتصار عسكرى على إسرائيل، فاستحق بجدارة لقب بطل الحرب والسلام وهو اللقب الذى أطلق عليه، فهو بطل الحرب والسلام دون منازع، ولقد كان لانتصاره فى هذه الحرب وقع المفاجأة فى المنطقة والعالم، إنه السادات بطل العبور الذى حقق مبدأ خلود الدولة، ولم يستجِب لأى انفعالات عاطفية، إنه الحكيم الذى خطط بحرفية لحرب بهرت العالم.

ويظل السادس من أكتوبر ٧٣ معلما على ما أحرزته مصر من انتصار باهر لتبوء إسرائيل بالخذلان، إنها الحرب التى تستدعى خطة الخداع البارعة التى حدثت فى التاريخ العسكرى من خلال الهجوم المفاجئ لجيش مصر على إسرائيل، وتحقق هذا بعد أن عمدت القيادة المصرية إلى إخفاء كل المعلومات الخاصة بتوقيت الهجوم، وهو الخداع الذى منع إسرائيل من إجراء تعبئة. ولا شك أن اختيارالسادس من أكتوبر لم ينبع من فراغ، فلقد اختير لكونه كان مناسبا من ناحية الأحوال الجوية والمياه فى القنال واتجاهات التيار وسرعته، أما عوامل النصر فتجسدت فى التصميم والإرادة والدافع والرغبة فى تحرير الأرض، ومن ثم فوجئت إسرائيل بالحرب بعد أن كانت على يقين بأن مصر لن تجرؤ على اقتحام القناة وخط بارليف.

إنها الحرب التى استردت مصر بواسطتها النصر المبين وقطعت بواسطتها الطريق على الكيان الصهيونى فى تحقيق حلم إنشاء اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ومع هذه الحرب استعادت مصر قدراتها العسكرية الفعالة. يومها نجحت القوات المسلحة المصرية فى تحقيق العبور واقتحام خط بارليف والاستيلاء على رءوس جسور بعمق خمسة عشر كيلومترا على الضفة الشرقية، ويحضرنى هنا ما قاله لى المشير عبدالحليم أبو غزالة عندما كان وزيرا للدفاع والإنتاج الحربى يوم أن تطرقت معه بالحديث عن حرب أكتوبر فقال: (إنها الحرب التى قضت نهائيا على نظرية الأمن الإسرائيلية، وعلى أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلى، فمع حرب أكتوبر ظهر الإعجاز وحسن الأداء وبطولة القوات المسلحة التى أعادت للجندى العربى كرامته، ونتيجة لها بدأ الفكر الاستراتيجى السياسى يتغير، وبدأ الجميع يؤمنون بأن نظرية الحدود الآمنة ليست إلا سرابا)، ولا أدل على ذلك مما صرح به “أبا ايبان” وزير خارجية إسرائيل يومها عندما قال: (لقد واجهت إسرائيل فى حرب أكتوبر تهديدا حقيقيا وخطيرا حتى إن الأمر تطلب قرارا على أعلى مستوى فى أمريكا كى لا تتعرض إسرائيل للغرق).

إنها حرب أكتوبر المجيدة التى سجلت بمداد من الذهب نصرا مؤزرا ومشرفا لجميع المصريين بعد أن غيرت موازين القوى فى المنطقة، وألحقت الهزيمة المنكرة بإسرائيل، إنها الحرب التى تستدعى لنا البطل الجسور متخذ القرار الرئيس السادات الذى تمتع بكاريزما وبحضور ذهنى صافٍ، وملك قدرة فائقة على قراءة المتغيرات العالمية. ويكفى أن تحركاته لم تكن محكومة برد فعل وإنما كانت تصدر عن رؤية استراتيجية عميقة، بحرب أكتوبر ٧٣ حاصرت مصر إسرائيل وحشرتها فى زاوية أمام العالم كله. إنها الحرب التى قادت إلى تكريس التضامن العربى وقتئذ واستدعت للجميع روعة الأداء المشرف لمصر التى أحرزت من خلالها نصرا باهرا أدى إلى تغيير الموقف السياسى والاستراتيجى فى المنطقة كلها، تحية عبقة لروح الرئيس أنور السادات البطل الخالد صانع النصر، والتحية موصولة لجيش مصر العظيم الذى توج بأدائه صفحة مشرقة لا يمكن أن تغيب ذكراها عن أحد.....