الأحد 16 فبراير 2025

حلمى بكر: الأغانى نبض الحرب وضمير الوطن

  • 4-10-2017 | 16:04

طباعة

حوار يكتبه: محمد رمضان

“كلمة ولحن وصوت عذب”.. جبهة قتال أهل المغنى من بنادق ومدافع داخل استديوهات الإذاعة المصرية أثناء حرب أكتوبر المجيدة لتجييش الشعب وتعبئته لمساندة قواتنا المسلحة لإحراز النصر لمصر هكذا بدأ حواره معى الملحن الكبير حلمى بكر مستعيدا ذكرياته مع صوت المعركة وزياراته مع كبار المطربين والملحنين أثناء الحرب لتحفيز الجنود باستماعهم لصوت وردة على خط النار تشدوبأغنية «وأنا على الربابة بغنى”.

بكر يروى لنا كواليس بعض هذه الأغانى،

وكيف لعبت الأغنية الوطنية فى تاريخ المصريين دوراً مهماً فى شحذ واستثارة هممهم فى التصدى للاستعمار الإنجليزى والعدو الإسرائيلى وغيرها من المحن التى مر بها الوطن فصارت هذه الأغنية بمثابة تعبير حى ومسموع عن نبض الشارع المصرى وضمير هذا البلد على مر العصور.

سألته

كيف بدأت رحلة الأغنية الوطنية فى تناول حرب أكتوبر ؟

الأغنية الوطنية بدأت في التواجد على الساحة السياسية فى منذ عهد الاحتلال الإنجليزى على مصر وعصر سعد زغلول وأظن أن سيد درويش لحن أغانى بها إسقاطات سياسية وأخرى قومية ومجتمعية واقتصادية وكانت الأغنية لها دور مهم بالرغم من أن وسائل الإعلام كانت قليلة جدا إلا أن الأغانى كانت وسيلة فعالة مع الناس، بل كان الشعب يتحرك بالرموز الغنائية ضد الاستعمار مثل أغنيةقولوا لعين الشمس ما تحماشى أحسن حبيب القلب صابح ماشى” كناية عن سعد زغلول أو « يابلح زغلول» فكل هذه إسقاطات ورموز كان الشعب يفهمها وتحركه ضد المستعمر ثم جاءت مرحلة أخرى تمثل ثورة ٢٣يوليو أكد قيامها الغناء بل إن الثورة نفسها أكدت وجود عبدالحليم حافظ كمطرب حيث كان يتزعم الحركة الغنائية القومية الثورية الحربية فبدأت الأغنية تؤكد مبادئ الثورة لدى الشعب وتحققت نجومية عبدالحليم وأسموه ابن الثورة.. بل إن عبدالحليم قاد الأغنية الوطنية إلى أن أصبحت أغانيه الوطنية تشترى مثل الأغنية العاطفية وينتج لها كاسيت والشعب يغنيها وهذا جعل الشعب يعيش مرحلة حماسية جديدة رسخت بداخله مفاهيم الوطنية والانتماء والقومية وأكدت لديه المغزى من قيام الثورة إلى أن جاءت كارثة ٦٧ التى قصمت ظهر مصر بالغناء الكاذب.. فبقدر ما قدم أثناء الثورة من أغان تبرز إنجازاتها مثل «صورة» «السدالعالى” إلا إنه عندما وقعت كارثة ٦٧ افتقدنا آلياتنا العسكرية والشعبية والقومية وأصبحنا نغنى للانتصار بالكذب..!

ومن هذه الأغانى على سبيل المثال أغنية «ولايهمك يا ريس من الأمريكان ياريس فى البحر هندفنهم» فكنا منهزمين ونغنى على أساس أننا منتصرين..!

وتواكب مع ذلك بداية ظاهرة سفر العمالة المصرية إلى دول الخليج وظهرت معظم الأغانى الساقطة الهابطة مثل “سلامتها أم حسن” ..”حبه فوق وحبه تحت” ..”كركشندى “

“الطشت قالى”.. “ العتبه جزاز والسلم نايلو فى نايلو” كل هذه الأغانى كانت إباحية جنسية جعلت الناس يصنعون صورة مكررة مما حدث فى ألمانيا حيث ظهر فن الكباريه بعد الحرب العالمية الثانية ولكن سرعان ما اختفى من حياة الألمان ولكنه استمر معنا حتى الآن فأصبحنا نعيش فى زمن الكباريه الغنائي أو ما يطلقون عليه الآن موسيقى المهرجانات أو موسيقى «التوك توك”.

وهذا فى رأيي نوع من التبرير لوجود الألفاظ البيئية القذرة والمفردات التى دخلت على حياتنا من العشوائيات هل يجب أن تتضمن الأغنية الوطنية نوعاً من التحريض ضد العدو أو الأشياء السلبية فى حياتنا؟

أحياناً يختلف نوع التحريض الذى تتضمنه هذه الأغانى.. ففى وقت الحروب تكون هذه الأغانى تحريضية لتحريك الهمم إلى الأمام أو لوقوف الشعب خلف الجيش أو لقيام الشعب بأدوار مثلما كان فى عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم- فكان لكل من المرأة والرجل دور داخل المجتمع وليس شرطاً أن يحمل كل الشعب البنادق فى وجه الاستعمار ومن ثم يتضح دورى كملحن يستفيد منه بلده فىحالة الحرب.

ما هو الدور الذي لعبته الأغنية الوطنية

أثناء حرب أكتوبر؟

كانت هناك أغان استقرأت حدوث نصر أكتوبر مثل أغنية «رايحين شايلين فى إيدينا سلاح»..”الله أكبر فوق كيد المعتدى» «بسم الله .. الله اكبر» وأم كلثوم غنت « كشف النقاب عن الوجوه الغابرة» فكل هذه الأغانى استقرأت نتيجة حرب أكتوبر وبالتالى مازالت تغنى حتى الآن وما يحزننى أنه لا يوجد حالياً أغنية تعبر عن إنجازات الرئيس السيسى.

هل ترى أن الأغانى الوطنية تعبر عن ضمير الوطن ؟

بكل تأكيد أوافقك فى هذا الرأى ولكن إذا تحرك الشعب وصحا ضميره.. فهذه الأغانى كانت تعبر عن ضمير الجيش والشعب ومنها «وأناعلى الربابة بغنى” لوردة “ سمينا وعدينا” “ بسم الله “ “ يا حبايب مصر» «مطلوب من كل وطنى” فهذه الأغانى عبرت عن ضمير الوطن بأكمله بدليل أن الشعب بدأ يعود للاستماع للأغنية الصادقة.. بعد أن كان رافضاً الاستماع إليها بعد نكسة ٦٧ لدرجة أن عبدالحليم عندما غنى أغنية «عاش اللى قال الكلمة فى الوقت المناسب» الشعب أيده ولكن الحكومة لم تؤيده لأنه رفض أن يغنى لأشخاص مثلما فعل ذلك من قبل.. لكن هذا لا يمنع من أنه كان ينبغى أن نجمع السادات مع الشعب فى أغنية لأنه حقق إنجازات ولم يحصل على حقه وأنا ساهمت فى المشاركة عن التعبير عن الوطن من خلال أكثر من أربع وسبعين أغنية قومية ووطنية وحربية. ومنها أغان لقنديل ولمحمد رشدى ولعفاف راضى «وحشانا” وياسمين الخيام “يا أم البلاد يا طيبة» وكنا نبكى داخل الاستديو أثناء إذاعتنا وتسجيلنا لها فنحن شعب غنى بحسه ودموعه أثناء حرب أكتوبر تعبيراً عن صدق مشاعره.. وجيلى قدم أعمالا كثيرة تعبر عن ملحمة أكتوبر ومنهم بليغ والموجى وكمال الطويل وكل الملحنين قدموا أغانى وطنية جسدت المعركة بالكلمة واللحن العذب..وبالرغم من ذلك لم يكن هناك العدد الكافى للتعبير عن هذا الحدث الجلل حتى السينما قدمت فيلما واحدا فقط عن حرب أكتوبر ألا وهو «الرصاصة لاتزال فى جيبى” وهذا يدل على تقصير منا فى حق هذه الملحمة الوطنية لأن العالم كله تحدث عن هذا الانتصار ونحن تعاملنا معه بمبدأ التواكلية..وطبيعة الأغنية الوطنية حالياً اختلفت عما كانت تقدم عليه فى الماضى حيث كانت تتميز بالكتابة فى العمق والتأثير فتحولت إلى الكتابة السطحية وغير المؤثرة.

ما كواليس تقديمكم لهذه الأغانى خلال حرب أكتوبر؟

فوجئنا فى تمام الساعة الثانية ظهراً بأن الجيش بدأ المعركة بضربته الأولى فتحرك الفن وانطلقت هذه الأغانى الوطنية بالتزامن مع طلقات الجيش وكأنها معركة أخرى تدار داخل وجدان كل مصرى لتحفيز الشعب على مساندة ومباركة هذه الحرب المجيدة.. فجلسنا على سلالم الإذاعة المصرية منتظرين أدوارنا فى إذاعة وتسجيل كل منا لأغنيته وكان الإذاعى الراحل وجدى الحكيم ينسق هذه المهمة الوطنية فيما بيننا .. ومن أهم المواقف التى لن أنساها هو أن الملحن الكبير محمود الشريف عند تسجيله لأغنية « الله أكبر فوق كيد المعتدى» لم يجد كورال فاستعان بموظفى وسعاة الإذاعة فغنوها بدلا من الكورال وكان أداؤهم لها يغلب عليه الطابع الحماسى وعندما أعاد تسجيلها بالكورال لم نشعر بالروح الحماسية التى قدمها بها موظفو وسعاة الإذاعة.

وأصبحت هذه الأغنية فيما بعد هى السلام الوطنى الليبى.

وهناك أغان أخرى كثيرة فمثلا بليغ عندما لحن «بسم الله .. الله أكبر” قام بتلحينها داخل الاستديو وكذلك الحال أيضا بالنسبة لأغنية «وأنا على الربابة بغنى”.. فجميعنا لحن هذه الأغانى داخل الاستديو.. وكانت أغنيتى “يا حبايب مصر» من أولى الأغنيات التى سجلتها قبل بدء المعركة دون أن أعرف أنها ستبدأ فى السادس من أكتوبر ولذلك كانت من أوائل الأغانى التى تمت إذاعتها لأنها كانت مسجلة.

والمخرج يوسف شاهين نفسه عرض على الإذاعى الراحل وجدى الحكيم تسجيل أغنية «رايات النصر» والتى كان من المقررغناؤها فى فيلم «العصفور» قبل الانتهاء من تصويره لإذاعتها أثناء معركة أكتوبر لرفع الروح المعنوية لدى الجنود على الجبهة..وعبدالوهاب أرسل إلى الإذاعة أغنيته المسجلة من لبنان «طول ما أملى معايا معايا وفى إيديا سلاح»وذلك بعد بدء المعركة بأربعة أيام، حيث كان يعبر عن حالة الجندى المصرى الذى كان مصاباً فى يده ويحارب بالأخرى وهذا يدل على تحفيز الشعب والجنود لاستكمال المعركة وهذه الأغانى لعبت دوراً هاماً فى رفع الروح المعنوية لدى الشعب وجيشه بدليل أن « تحسين شنن» قائد الجيش الثانى الميدانى أقام لنا حفلاً أثناء وقف القتال فى اليوم الثالث وقدم الفنانة وردة على المسرح لتغنى «وأنا على الربابة بغنى” ففوجئت بأكثر من عشرين ألف جندى يغنون هذه الأغنية وليست وردة وبعدها غنت عليا «يا حبايب مصر» وكنت أنا وبليغ موجودين فى الميدان معهما فوجدنا الجنود يبكون حباً فى البلد.

من وجهة نظرك ما الأغانى الوطنية التى حققت نجاحاً أكثر هل الأغانى الفردية أم الجماعية؟

الأغنية التى وصلت إلى قلوب الناس هى التى نجحت سواء كانت فردية أو جماعية لكونها صادقة فتأثر بها الناس فرددوها.

يقال إن هذه الأغانى كان لها مردود على العدو الإسرائيلى نفسه بالسلب لدرجة أن إسرائيل أدرجت ضمن بنود اتفاقية «كامب ديفيد» بنداً تطالب فيه بعدم إذاعة مصر لهذه الأغانى حتى لا تستعدى الشعب المصرى عليها مرة أخرى فما حقيقة ذلك؟

بالفعل هذا حدث لأن إسرائيل استشعرت مدى خطورة بعض هذه الأغانى فى تحفيز الشعب والجيش المصرى ضدها وطالبت بمنع إذاعتها ولكن الإذاعة والشعب لم يلتزما بذلك وهذا لم يخل بالاتفاقية.

وهناك ملاحم أخرى لم نقدم عنها أى عمل فنى مثل استشهاد «الرائد زرد” الذى فجر مركز القيادة المتقدم بعمق سبعة عشر كيلو مترا لأنه كان معدا لتصنيع القنبلة الذرية وهناك ملحمة «عيون موسى” حيث استشهد بها عدد كبير من الضباط وكان هدفهم استرداد أكبر مساحة من الأراضى المصرية فهناك بطولات لم يعبر عنها الفن حتى الآن سواء من خلال الغناء أو السينما وما نمر به هو حالة حرب أشرس من حربنا مع إسرائيل لأننا نحارب عدوا لا نراه.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة