الجمعة 27 سبتمبر 2024

أقوى تمهيد نيرانى

4-10-2017 | 16:19

بقلم : لواء أ.ح .م عادل العمدة

نائب مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق

مع دقة المهمة التى كلفنى بها القائد الأعلى لإنجازها، والتى جمعت بين أهداف العبور، واقتحام قناة السويس وتحرير الأرض كان لابد أن أعمل على توفير أسباب النجاح قبل البدء فى التنفيذ، وعلى هذا فقد حرصت على أن يكون التخطيط للمعركة محكما ودقيقا، وأن يتم الإعداد لها على أسس علمية مدروسة وواصلنا العمل فى صبر وصمت..وعندما وثق الجميع فى أنفسهم وقدرتهم على تحقيق مهامهم بنجاح تحديد التوقيت بعد دراسة عميقة وتنسيق كامل مع رفقاء السلاح فى سوريا الشقيقة.

وانطلق الرجال نحو الهدف.. يساندهم شعبنا البطل الذى منحهم ثقته المطلقة.. فقاتلوا بشجاعة وبشرف.. وبرزت حقيقة معدنهم الأصيل.. وأكدوا أنهم بالتدريب الجاد وبالإيمان بالهدف مع الإصرار على تحقيقه لقادرون على تحقيق النصر فى المعارك الحربية الحديثة.

لهذا فقد نصرهم الله، إنه نعم المولى ونعم النصير.

تلك الكلمات التى أفردها له المشير أحمد إسماعيل على.. وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الأسبق.

أجدها خير بداية للدلالة على حجم العمل والجهد المبذول لاسترداد الأرض والعرض والكرامة.

ومن أول سطر فيها استسقى عظمة المهمة التى جمعت بين أهداف العبور واقتحام قناة السويس وبين تحرير الأرض إذا لابد من العبور واقتحام قناة السويس لكى تتحرر الأرض، فعندما كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية وخمس دقائق مدنى بعد ظهر السادس من أكتوبر ١٩٧٣ العاشر من رمضان، غردت فى سماء الجبهة المصرية والسورية وعلى خطوط المواجهة مع إسرائيل طائرات الضربة الجوية الأولى واتجهت نحو الأهداف المشتركة، ثم هدرت المدافع على طول الجبهتين فى أقوى تمهيد نيرانى شهده الشرق الأوسط حتى الآن.

فلقد عبرت مع الموجات الأولى سعت ١٤٢٠ عناصر المهندسين العسكريين لتأمين مرور المترجلين فى حقول الألغام المعادية وتلى ذلك عبور عناصر أخرى من المهندسين العسكريين، لتحديد محاور الثغرات فى الساتر الترابى وتجهيز الأرصفة للمعديات والكبارى بالإضافة لعناصر الاستطلاع الهندسى لتحديد شكل وحجم الموانع وأنسب أسلوب للتغلب عليها، بالإضافة لتقديم كل المعلومات عن حجم العدو الهندسى وأعماله المستقبلية المتوقعة لإيقافها بل وتدميرها من خلال عناصر خلف الخطوط والدوريات والكمائن حوالى «١٥» ألف مقاتل من مختلف التخصصات الهندسية كانوا شرق القناة فى خلال ساعتين من بدء العبور.

ومع بداية الموجة الثانية عبرت حوالى ثمانين وحدة هندسية فى قواربهم المطاطية المحملة بالأفراد والمضخات والخراطيم وخلافه من مهمات فتح الممرات فى الساتر الترابى.. ووصلت القوارب إلى الضفة الشرقية واتخذت أماكنها وتم تثبيتها، وركبت الخراطيم فى المضخات ومدت وركبت فى النهايات الأخرى البشابير، وأصبح كل فرد جاهزا للعمل، ثم دارت المضخات بأوامر فاندفعت المياه من البشابير تشق خط بارليف وبدأ ينهار ويتحول إلى مناطق من الوحل، والأبطال مازالوا على تصميمهم ينفذون المهمة بثقة وإيمان.

ثم بدأت أعمال تثبيت التربة من المواد والأخشاب والحجارة وشكاير الرمال والشباك المعدنية وغيره من التى تستخدم فى مثل هذه الأحوال، وأيضا يعقبها إمكانية دخول المعدات الهندسية لإزالة الأوحال فى الممرات وتأمين تحرك القوات حتى تستكمل تنفيذ مهامها دون تعثر أو إخلال.

ومنذ اللحظة الأولى للعبور بدأت أرتال وحدات العبور تتقدم على الطرق المحددة لها من قبل، وفى التوقيتات المحددة والمخططة أيضاً، حيث كان ذلك يتوقف على عوامل ثلاثة هى مسافة التحرك من منطقة التمركز إلى القناة، والزمن اللازم لإسقاط مهمات الكوبرى وتجميعه فى الماء، بالإضافة للزمن اللازم لفتح الممر فى الساتر الترابى، وراحت مئات من العربات المحملة بمهمات الكبارى واللنشات تتحرك على عشرات الطرق فى مجموعات صغيرة، وبفواصل زمنية محسوبة بدقة طبقاً لاتساع ساحة الإسقاط المحددة لكل وحدة.

وتوالت الملحمة رغم القذفات المضادة وأعمال القتال المختلفة وسقوط الشهداء والمصابين؛ ولكن العزيمة لا تلين والهدف واضح ومحدد، فمن دون العبور والاقتحام الكامل لن تحرر الأرض، وقد ينقلب الموقف لصالح العدو، كم من البطولات والتضحيات لكل قائد وفرد يمكن كتابته فى مجلد كامل، وتنجح القوات فى إقامة الكبارى والمعديات وتجهيز ساحات العبور وتدفق القوات إلى الشاطئ الشرقى للقناة.

وتستمر أعمال التأمين الهندسى التى بدأت بالتجهيز الهندسى للوحدات غرب القناة، مروراً بأعمال الإخفاء والتمويه لكل القوات، وخصوصاً عناصر الكبارى فى مختلف مراحل المعركة، مع استمرارية عمل عناصر الاستطلاع الهندسى قبل وأثناء وبعد المعركة، ثم فتح الثغرات وتأمين تحرك المعدات فى موانعنا وموانع العدو، رغم ما شاب هذا العمل من جرأة لقواتنا وتعرضهم لمخاطر وتهديدات كبيرة، لتكتمل المنظومة الهندسية بتوفير كل أنواع الدعم من ذخائر هندسية وخامات ومواد فى إطار التأمين الهندسى الكامل.

فلو لم يكن هناك إصرار على تنفيذ عملية العبور وتأمين تحرك القوات بالإضافة إلى أعمال التجهيز للقوات غرب القناة والتى بذل فيها كل الجهد والعرق، لما تحقق ما كلف به القائد العام من القائد الأعلى.

بطولات وصولات وجولات استشهد فيها العديد من أبطال قواتنا المسلحة من قادة وجنود بل وعمال مدنيين، لتكتمل المهمة ونزهو بنصر بعد حرب أذهلت العالم عزفت فيها قواتنا المسلحة بمختلف أفرعها سيمفونية رائعة فى الفكر التخطيط والإعداد والتنفيذ.

رحم الله الشهداء وعاشت مصر برجالها، وأعزّ الله شعبها لتحيا مصر (تحيا مصر) (تحيا مصر).