بعد استكمال هيام دراستها والتحاقها بالعمل في إحدى المدارس الحكومية بدأ القلق يتسرب إليها، كأي إنسان سيبدأ العمل لأول مرة كانت تشعر ببعض التوتر من مجهول سوف تقدم عليه، وفي أثناء رحلتها إلى هذا المكان الجديد، تركت العنان لخيالها الذي قام بنسج العديد من الروايات وطرح العديد من الأسئلة التي ارتبطت بخط سيرها فصاحبتها باحتمالات وتوقعات لا تنتهي طوال رحلتها.
وعن جملة حب ماتعمل حتى تعمل ماتحب، نظرت هيام عن قرب لبوابة المدرسة ومبانيها ثم دخلت بعد أن استعانت بالله عله يخفف عنها قلقها ويقدرها على أداء مهمتها، تسلمت جدول حصصها من ناظرة المدرسة، التي تمتعت بقدر عظيم من العبوس المصاحب لقدر أعظم من العصبية والانفعال، دق الجرس فخرجت الناظرة من حجرتها وخرجت هى خلفها لحضور طابور الصباح، إنها تذكر نفسها بعنادها وتعودها منذ طفولتها على اعتناق التحدي فحدثت نفسها بأن الحكم على الأمور من قبل ممارستها لن يكون منصفًا أو دقيقًا بلا شك.
تنبهت هيام وعادت سريعًا من رحلة شرود الذهن التي أخذتها من نفسها عندما نفذ صوت الناظرة من مكبر الصوت الذي كان نوعه هو نفس النوع الذي يستخدمه الباعة الجائلين في الطرقات ولذلك فقد أخفى معظم تفاصيل وجهها وهى تتحدث، ارتفع صوتها أكثر مما دفع بسكان العمارات المواجهة للمدرسة بالهرولة والإسراع في إغلاق النوافذ في محاولة للتغلب على هذا الصوت الجهوري المزعج. بعد قليل بدأت باستخدام مكبر الصوت وهى بداخل حجرتها لتدير العمل بهذه الطريقة التي اعتادت عليها فنادت على هيام التي استأذنت أحد الزملاء ليحل محلها، ثم طرقت باب الحجرة واستأذنت في الدخول وهى تحمل معها دفاترها التي انتزعتها بقوة من يدها، فتحتها لتتفحصها وتوقع عليها ثم نظرت إليها قائلة: "خطك سلاسل دهب يا أستاذة" استبشرت هيام خيرًا وقالت في نفسها هاهو الجليد الذي بيني وبينها قد بدأ بالذوبان.
دخل فجأة شاب يشبهها إلى حد كبير دخل مكتبها دون استئذان وهذا ما اعتبرته هيام تصرف همجي منه، لفت نظرها أنه كان يرتدي قميصًا مفتوحًا ويعلق في رقبته سلسلة ذهبية ضخمة تنم عن ذوق سيء للغاية ، توجه بحديثه لأمه قائلًا: "أنا جاي أقعد معاكي شوية ياماما قبل ما أروح مشوار مع واحد صاحبي".
جلس على الفور بعد أن خلع نظارته الشمسية ثم نظر إلى هيام وهو يتساءل عن هذا الوجه الجديد الذي ألقت به المقادير للعمل تحت قبضة والدته ، تنبهت الأم لذلك الأمر ، فقالت: "صحيح ياعدولة نسيت أعرفك بالأستاذة هيام استلمت شغلها النهارده عندي في المدرسة"، تأزمت هيام من كلمة عندي فالمدرسة ليست ملكية خاصة لها واستأذنت سريعًا، فإذا بهذا الابن المدلل يسير خلفها معللًا هذا برغبته في التعرف عليها.
تكررت زياراته غير المبررة فشعرت هيام بحصار خانق وبدأت تخطط لإيجاد وسيلة للبعد عن هذا المكان خاصةً بعد أفصحت لها تلك السيدة عن رغبة ابنها في التقدم لخطبتها قائلة : " أنا مش عندي أولاد غير ابني عادل يعني هو وحيدي ، أنا شايفة إنك مناسبة ليه وأنا لو لفيت الدنيا مش هالاقي واحدة جميلة ونفسها هادي زيك".
رددت هيام سرًا جملتها: "نفسها هادي، طبعًا علشان تكتميه للأبد، فقالت لها: "أنا لا أفكر في الارتباط وتلك الفكرة بعيدة جدًا عن تفكيري، ارتفع صوتها فجأة وكأن تفجيرًا قد وقع في المكان قائلة: "قولي لي بقى إيه اللي مش عاجبك فيه؟ قالت لها: "لا طبعًا ماقصدتش أقول كده لكن أنا مش بافكر في الارتباط عمومًا ، فصاحت غاضية وهى تضرب بيديها على مكتبها: "بكرة تيجي لي المكتب ويكون بابا معاكي".
أحست هيام بأن هذا الطلب العجيب يشبه طلب استدعاء ولي الأمر الذي ترسله المدرسة لأحد التلاميذ المذنبين أو المقصرين في أداء واجباتهم واستاءت لرغبة تلك المرأة المتسلطة في التحكم بإنسانة لها كيانها وحقها المطلق في الاختيار مثلها, فما كان من هيام إلا أن تركت العمل في هذا المكان وتمكنت من مغادرة المكان.