في مثل هذا اليوم من عام 1888، وُلِد الشاعر والأديب والصحفي والسياسي الكبير محمد حسين هيكل، فهو صاحب إرث ثقافي واسع ومؤثر، إذ يعد مؤسس الرواية المصرية الحديثة، وتعتبر روايته الأولى «زينب» أول رواية مصرية باللغة العربية.
عندما صدرت رواية «زينب» لأول مرة في عام 1914، لم يجرؤ محمد حسين هيكل أن يضع اسمه الحقيقي عليها، بل نشرها تحت اسم مستعار وهو «بقلم فلاح مصري» لأنه كان يعمل في مهنة المحاماة وَخَشِىَ أن يساء له ولمهنته نظرًا لأن كتابة الرواية كان يعتبرها الناس في ذلك الوقت أداة للتسلية وليست عملا جادا.
تعتبر رواية زينب حدًثا مهمًا في تاريخ مصر الأدبي، كما أنها تطرقت لأول مرة وصورت حياة الريف المصري، حيث تناولت أهم قضاياه من خلال العلاقات الزوجية والرومانسية بين الرجل والمرأة.
زينب ورؤية فرنسية
نشرت مجلة الهلال مقالة بقلم الدكتور الناقد الطاهر أحمد مكي، في عددها الصادر في 1 مارس 1998م، والذي تحدث فيه عن تأثر هيكل عند كتابة روايته زينب بالفكر الفرنسي، وقال، كان حديث الباحثين الأوربيين على اختلاف أوطانهم، عن رواية زينب عابرًا كما رأينا، وأحكامهم موجزة، ولكن باحثًا فرنسيا واحدًا وقف عندها، حللها وأوضح ما فيها من تأثيرات فرنسية، والباحث كان هنري بيريس، وهو مستشرق فرنسي عمل أستاذا للغة العربية في كلية الأداب جامعة الجزائر إبان العصر الاستعماري.
قراءة هنري بيريس لرواية هيكل
يرى هنري بيريس إن اعتراف «هيكل» بإعجابه بباريس وبالأدب الفرنسي يجب الاعتداد به، وفي ضوئه يحدد لنا المؤلفات التي أثرت في هيكل عند تأليفه رواية زينب، حيث قال محمد حسين هيكل: إن باريس لم تنسه وطنه كما عبر: «زينب إذن ثمرة حنين للوطن وما فيه، صورها قلم مقيم في باريس، مملوء مع حنينه لمصر إعجابا بباريس والأدب الفرنسي».
وقال «بيريس»، عندما نسترجع أحداث الرواية العاطفية تقفز إلى ذهننا في الحال رواية «ايلويز الجديدة» لجان جاك روسو، ونعتقد أن هيكل بدأ يهتم بروسو في باريس، وتأثر بما ورد في الرواية الفرنسية عن المجتمع الفرنسي وعن الانتحار، ويمكن أن نجد كثيرًا من نقاط التشابه بين جوليا بطلة رواية روسو وزينب بطلة رواية هيكل، ويمكن القول على أية حال إن هذه التوافقات ربما جاءت مصادفة.
غير أن الشخصية الثانية في رواية زينب، وهو حامد، يصعب أن تجد شبها بينه وبين سان بريه الشخصية الثانية في رواية ايلويز الجديدة، لأن حامد يلعب دورًا أكثر أهمية من الدور الذي يلعبه بطل الرواية الفرنسية.
ويتساءل الباحث الفرنسي بعد ذلك: ألا يمكن أن يكون حامد هو هيكل نفسه؟.. ليس حامد إلا مجموعة من الذكريات الرومانسية التي يمكن أن نرى فيها هيكل نفسه، واستعان بشخصية حامد للتعبير عن رغبته في تجديد الأفكار، وإيقاظ مصر الغارقة في الجهل، وإثارة الشعب المصري الذي تأخر طويلا في مسايرة الحركة الفكرية التي ظلت حتى ذلك الوقت وفقًا على الطبقات التي تتمتع بالامتيازات.
ويرى الباحث الفرنسي، أن الفكرة الرئيسية في هذه الرواية – قطعا – الاحتجاج على طريقة الزواج التقليدية التي يشكو منها جميع شخوص الرواية، وما يتصل بذلك من قضايا تعدد الزواج وإهمال الأطفال..
وقد حاول هيكل أن يخفف من حدة قسوة الواقع، ومن الكوارث الاجتماعية، التي تحدث في محيط قريته، فمزجها بوصف الطبيعة، وهي المرة الأولى في تاريخ الأدب العربي التي يعكس فيها كاتب عربي شعوره العميق بجمال الطبيعة، وهو الشئ نفسه الذي فعله جان جاك روسو وشاتوبريان وأتباعهما.
ولم تكن الفقرات الخاصة بالوصف مجرد استعراض لبلاغة الكاتب، وإنما جاءت في مواضعها الصحيحة، وتساعد على فهم ما يعتمل في أعمال أبطال الرواية، ونحن كأوربيين نتذوق في زينب الخصائص التي لها مثيل في الرواية الفرنسية: الإحباط العاطفي، والفراغ النفسي، وتأثير الطبيعة، والأفكار الفلسفية.
صورة صادقة للمصريين
وأشار الباحث الفرنسي، هنري بيريس: على حين أن رواية زينب بالنسبة للشرقيين تحتل مكانة رفيعة في الإنتاج الروائي المعاصر للأسباب الآتية: إنها العمل الأدبي الذي أعطى صورة صادقة عن المصريين من أهل القرية، ولم تعد القاهرة محوره الأساسي، وأثار الفضول لمعرفة الكثير عن حياة الريف وعن حياة الفقراء، وأن لكل واحد منهم حتى المعدم، والأشد جهلا، أسلوبه في تذوق الجمال.
وأضاف الباحث الفرنسي، أثر هيكل تأثيرًا قويا في القضايا المتصلة بالمرأة، وطرحها بحس إنساني عميق، ورقة بالغة أخاذة، ودفع بالكاتبات الموهوبات المصريات إلى إصدار أعمالهن، فبدأن يتأثرن ويحلمن ويكتبن وينشرن، وشهد العالم العربي جملة منهن، بدأن على مهل، وتطورن مع الزمن، وحققن في مسيرتهن الأدبية نجاحًا ملحوظًا.