الجمعة 3 مايو 2024

«فورين بوليسي»: مع انشغال العالم بأوكرانيا.. الكرملين يواصل مساعي الهيمنة على 3 دول

الكرملين

عرب وعالم26-8-2023 | 11:16

دار الهلال

أكدت مجلة "فورين بوليسي"الأمريكية أنه في حين يهيمن الغزو الروسي لأوكرانيا على عناوين الأخبار والمحادثات الدبلوماسية في مختلف أنحاء العالم، فإن جهود الكرملين الأكثر هدوءا لتعزيز الهيمنة الفعلية على بيلاروسيا وجورجيا ومولدوفا المجاورة تتواصل على قدم وساق.

وكانت هذه الدول الثلاث مثل أوكرانيا، تابعة للاتحاد السوفيتي السابق وأدى استقلالها إلى تفاقم عزلة موسكو عن أوروبا. ويخشى الرئيس فلاديمير بوتين وغيره من المسؤولين الروس أن تصبح الحكومات الديمقراطية في مينسك، وتبليسي، وتشيسيناو (ناهيك عن كييف) أكثر تأييدا للغرب، مع السعي إلى تحقيق تكامل أعمق مع كل من الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، كما أن المسؤولين الروس يخشون أيضا أن تؤدي الحركات المؤيدة للديمقراطية في هذه الدول وغيرها من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى خلق تأثير "معدي" قد يعرض النظام القائم في روسيا للخطر.

وأضافت المجلة الأمريكية أنه إلى جانب غزو أوكرانيا، تشكل الجهود التي تبذلها روسيا لفرض هيمنتها على بيلاروسيا، وجورجيا، ومولدوفا، جزءا من حملة أوسع نطاقا يقوم بها الكرملين لتغيير اتفاق تسوية ما بعد الحرب الباردة في أوروبا المبرم عام 1990. فقبل غزو أوكرانيا في 24 فبراير 2022، مارست موسكو درجة من الحذر تجاه هؤلاء الجيران الصغار بسبب التأثير المحتمل على العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. واليوم، مع فرض واشنطن وبروكسل عقوبات شديدة وإرسال أسلحة قوية على نحو متزايد إلى المؤسسة العسكرية الأوكرانية، فإن التكاليف الهامشية التي قد تواجهها روسيا إذا اتخذت إجراءات أكثر عدوانية تجاه بيلاروسيا، أو جورجيا، أو مولدوفا، أصبحت محدودة. كما أنه لا يستطيع أي من هؤلاء الثلاثة مقاومة العدوان الروسي على النطاق الذي فعلته أوكرانيا.

واعتبرت "فورين بوليسي" أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخذا إجراءات جديرة بالثناء لمساعدة أوكرانيا في مقاومة الهجوم الروسي، ولكنهما لم يفعلا إلا أقل القليل لمساعدة جيران روسيا الآخرين المعرضين للخطر. لذا، يتعين على واشنطن وبروكسل أن تقدما مساعدات إضافية ومسارا واقعيا نحو تعميق التكامل الأوروبي الأطلسي من أجل ضمان عدم سقوط هذه الدول تحت سيطرة الكرملين الإمبراطورية.

وتقدمت طموحات روسيا الإمبراطورية الجديدة إلى أبعد مدى في بيلاروسيا، التي تشير وثائق الكرملين المسربة إلى خطط روسيا لاستيعابها بالكامل بحلول عام 2030. ويعتبر بوتين بيلاروسيا، مثل أوكرانيا، جزءا من أمة ثلاثية "وحدوية روسيا"، ويرفض فكرة وجود بيلاروسيا ذات هوية وطنية مختلفة. وإلى جانب غزو أوكرانيا، فإن استيعاب بيلاروسيا فيما أطلق عليه الكاتب الروسي ألكسندر سولجينتسين "الاتحاد الروسي" يشكل أداة أساسية لتحقيق طموح بوتين في الحصول على مكان إلى جانب بطرس الأكبر وكاثرين العظيمة في مجموعة الحكام الروس المخلدين.

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو يشارك بوتين الكثير من وجهة نظره حول الهوية البيلاروسية، فطوال فترة وجوده في منصبه، قام الرئيس البيلاروسي بتقييد استخدام اللغة البيلاروسية وحظر عرض العلم البيلاروسي الذي يرمز للمقاومة باللونين الأحمر والأبيض. كما أنه بدلا من الاستجابة للمحتجين المؤيدين للديمقراطية، سمح لوكاشينكو للروس بالسيطرة على بلاده بشكل فعال، وهو ما تجلى في أواخر عام 2020 حينما وقعت وزارة الداخلية البيلاروسية اتفاقية تعاون مع الحرس الوطني الروسي، وهي قوة يسيطر عليها الكرملين بشكل مباشر. 

وبأصبح الجيش البيلاروسي تابعا بشكل متزايد لموسكو، رغم أن لوكاشينكو تمكن حتى الآن من تجنب إرسال قوات بيلاروسية للقتال في أوكرانيا. وقد اعتمدت محاولة روسيا للاستيلاء على كييف في الأيام الأولى من الحرب في أوكرانيا على القوات الروسية المتمركزة في بيلاروسيا. وفي الآونة الأخيرة، نشرت روسيا أسلحة نووية غير استراتيجية في الأراضي البيلاروسية. وفي أعقاب التمرد الفاشل لمجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية في يونيو الماضي، انتقل أفراد فاغنر إلى بيلاروسيا، حيث يقومون الآن بتدريب الجيش البيلاروسي ويمكن استخدامهم –وفقا للمجلة الأمريكية- لفتح جبهة جديدة ضد أوكرانيا.

كما نما النفوذ الروسي في جورجيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وفي حين يظل الشعب الجورجي مؤيدا للغرب بقوة، فقد اتخذ حزب الحلم الجورجي (جورجيا الديمقراطية) الحاكم خطوات لجعل تبليسي متوافقة مع أهداف السياسة الخارجية لموسكو، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا.

ويرتبط الداعم الرئيسي للحزب الحاكم في جورجيا، رئيس الوزراء السابق بيدزينا إيفانيشفيلي، بموسكو، حيث كان إيفانيشفيلي واحدا من أكبر المساهمين الأفراد في شركة غازبروم الروسية التي تحتكر الغاز. وتحتفظ روسيا أيضا بنفوذ كبير في مجال المعلومات الجورجية، وتحرص دائما على إضعاف أي صورة من صور تكامل جورجيا مع الغرب. كما أن روسيا تحتفظ بوجود كبير لقواتها في إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليين، اللذين استولت عليهما في عام 2008.

ويساعد توجه حزب الحلم الجورجي الحاكم نحو موسكو في الابتعاد عن الضغوط الغربية بشأن السجل الحافل بالتراجع الديمقراطي، بما في ذلك قانون المراقبة الصارم الذي تم اعتماده في يونيو 2022 والاعتقال ذي الدوافع السياسية للرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي. ورغم أن جورجيا دعمت التصويت الأولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن رئيس الوزراء الجورجي إيراكلي جاريباشفيلي دعا منذ ذلك الحين إلى إنهاء الحرب عن طريق التفاوض، وألقى باللوم على توسع حلف شمال الأطلسي في التسبب في الصراع، ورفض الطلبات الأمريكية والأوروبية بفرض عقوبات. كما رفضت تبليسي إرسال حتى المساعدات العسكرية غير الفتاكة إلى أوكرانيا (على الرغم من أن جورجيا تقدم المساعدات الإنسانية).

وتمثل مولدوفا –وفقا لفورين بوليسي- حالة أكثر تفاؤلا، لكنها تظل معرضة بشدة للاضطراب الروسي. وقد حققت رئيسة الوزراء الموالية للغرب مايا ساندو تقدما مبهرا في معالجة الفساد وتقريب مولدوفا من معايير الحكم في الاتحاد الأوروبي، في حين اتخذت إجراءات صارمة ضد وسائل الإعلام الروسية وغيرها من قنوات النفوذ. ومنحت الانتخابات البرلمانية في عام 2021 حزب العمل والتضامن الذي يتزعمه ساندو الأغلبية، متجاوزا التحالف المدعوم من روسيا بين الاشتراكيين والشيوعيين. وقد اعترف الاتحاد الأوروبي بالتقدم الذي أحرزته مولدوفا من خلال منح الدولة وضع المرشح الرسمي في يونيو 2022.

ومع ذلك، فقد تسارعت الجهود الروسية الرامية إلى تعطيل خطوة انضمام مولدوفا للاتحاد الأوروبي منذ بداية الحرب في أوكرانيا. واستنادا إلى أدلة قدمتها كييف، اتهمت ساندو روسيا في فبراير الماضي بمحاولة تنظيم انقلاب. وفي أواخر يوليو، طردت تشيسيناو (عاصمة مولودفا) عشرات الدبلوماسيين الروس لاتهامهم بارتكاب "أعمال غير ودية". 

وجدير بالذكر، أن الكتلة الاشتراكية الشيوعية، التي يرأسها رئيس الوزراء الاشتراكي المولدوفي السابق إيجور دودون (المسجون الآن بتهمة الخيانة)، تدعم أهداف السياسة الخارجية الروسية، وتنتقد الدعم الغربي لأوكرانيا. كما تساعد روسيا حزب شور الراديكالي المحظور، الذي يرأسه إيلان شور المنفي، ويواجه عقوبة السجن لفترة طويلة بتهمة غسيل الأموال، وهو الحزب النشط في تنظيم احتجاجات تسعى إلى الإطاحة بحكومة ساندو.

وتحتفظ روسيا أيضا بنحو 1500 جندي في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا. وعلى الرغم من أعدادهم الصغيرة، دعت مولدوفا منذ فترة طويلة إلى مغادرة هذه القوات، بدعوى أن وجودها يعرض سيادة مولدوفا وسلامة أراضيها للخطر. وكما هو الحال في منطقة دونباس في أوكرانيا، تسعى موسكو إلى استخدام ترانسنيستريا لعرقلة طموحات الحكومة نحو الأوروبية الأطلسية. 

وكان الغزو الروسي لأوكرانيا يهدف، بين أهداف أخرى، إلى الاستيلاء على ميناء أوديسا، وبالتالي إنشاء جسر بري بين شبه جزيرة القرم المحتلة وترانسنستريا ــ التي يعتبر سكانها ذوو الأغلبية السلافية أكثر تعاطفا مع موسكو من الأغلبية الناطقة باللغة الرومانية في مولدوفا. لذا، تظل أوديسا هدفا روسيا ذا أولوية.

وتشجع روسيا أيضا –وفقا للمجلة الأمريكية- الاضطرابات في منطقة جاجاوزيا المتمتعة بالحكم الذاتي في مولدوفا، الأمر الذي تجلى في تمتع العديد من المرشحين في انتخابات حاكم ولاية جاجاوزيا الأخيرة بدعم روسي، وانتقدوا بصوت عال دعم مولدوفا لأوكرانيا. وقد دعت الفائزة في الانتخابات، ممثلة حزب شور، يفجينيا جوتسول، إلى فتح مكتب تمثيلي لجاجاوزيا في موسكو.

وتؤكد "فورين بوليسي" أن مساعدة أوكرانيا على الفوز في حرب التحرير الوطني هي أهم خطوة يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة وحلفاؤها لهزيمة محاولة موسكو استعادة هيمنتها في المنطقة. ورغم أن طموحات روسيا "الرجعية" ليست جديدة، فإن الحرب في أوكرانيا أعطت موسكو الغطاء للتصرف بشكل أكثر عدوانية ضد هذه الدول الثلاث.

ويعتقد المسؤولون في كل من تشيسيناو وتبليسي أن موسكو ستحاول إعادة دمجهما في "العالم الروسي" بغض النظر عما يحدث في أوكرانيا، إما لأن الكرملين المنتصر سيتشجع على مواصلة فتوحات جديدة أو لأن الكرملين المهزوم سيحول طموحاته التوسعية إلى أهداف أسهل. وتقدم بيلاروسيا، التي تتمتع بالسيادة الاسمية فقط، لمحة مسبقة عما يمكن أن تجلبه الهيمنة الروسية، وأن قدرة الغرب على مساعدة هذه الدول، وخاصة في زمن الحرب، محدودة. وينبغي للولايات المتحدة وحلفائها التركيز على بناء قدرات هذه الدول على الصمود وتعميق روابطها الاقتصادية والثقافية والإنسانية مع أوروبا. 

ونظرا لموقعها وضعفها والتقدم الديمقراطي الذي حققته، فلابد أن تكون مولدوفا هي الأولوية العاجلة. ويمكن بدء الدعم الأمريكي والأوروبي لمولدوفا في هذا الصدد عبر فصل قطاع الطاقة هناك عن روسيا. ويجب أيضا بذل المزيد من الجهود لمساعدة تشيسيناو في التصدي لزعزعة الاستقرار التي تدعمها روسيا، وضمان أن الفوائد المترتبة على روابط مولدوفا المتنامية بأوروبا تعود بالنفع أيضا على ترانسنيستريا وجاجاوزيا.

وفي جورجيا، يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إعطاء الأولوية للاستثمار في البنية الأساسية التي تربط البلاد بأوروبا، مع مساعدة المجتمع المدني المحاصر هناك، واتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن التهرب من العقوبات. 

وترى "فورين بوليسي" أنه رغم أن بيلاروسيا تشكل تحديا طويل الأمد، لكن ينبغي على واشنطن وبروكسل التركيز على ضمان سيادة بيلاروسيا، مع دعم الجهات الفاعلة الديمقراطية خارج البلاد (بما في ذلك الناشطة الحقوقية سفيتلانا تسيخانوسكايا التي تؤكد حصولها على 60-70% في الانتخابات الرئاسية الأخيرة).

وشددت المجلة الأمريكية على أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي (ومنظمة حلف شمال الأطلسي) منح الدول الثلاث فرصة حقيقية للانضمام إليهما عند تلبية الشروط الضرورية. ورغم أن فكرة انضمام بيلاروسيا إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي تبدو بعيدة المنال، لكن يتعين على المنظمتين أن تخططا الآن لعودة بيلاروسيا الديمقراطية في المستقبل إلى أوروبا. 

وأخيرا، يجب الانتباه –وفقا للمجلة- إلى أن أوكرانيا ليست الدولة الوحيدة على خط المواجهة في الصراع الحالي. فبعيدا عن أضواء وسائل الإعلام، تخوض بيلاروسيا وجورجيا ومولدوفا صراعها الخاص ضد الهيمنة الروسية. ومن الممكن أن يساعد الاهتمام والمساعدة الآن في ضمان عدم تحول هذه الدول إلى الضحية التالية لحرب روسيا المستمرة من أجل الإمبراطورية.

Dr.Randa
Dr.Radwa