السبت 11 مايو 2024

ناجورنوكاراباخ هل انتهى الصراع بين أذربيجان وأرمينيا؟


الدكتور نبيل رشوان

مقالات22-9-2023 | 14:43

د/ نبيل رشوان

النزاع حلقة من حلقات الهزات الارتدادية لزلزال انهيار الاتحاد السوفيتى

أرمينيا ستنتهز فرصة تخلصها من كاراباخ للاتجاه غرباً

مصير رئيس الوزراء الأرميني معلق بما سيتخذه من إجراءات ضد الوجود الروسي

أعلنت أذربيجان عن القيام بعملية للقضاء على الإرهاب فى كاراباخ الأمر الذى أدى إلى تصعيد جديد فى صراع مر عليه أكثر من ثلاثين عاماً، أي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية التى تحتفظ بقوات حفظ سلام فى كاراباخ عن وقف لإطلاق النار تم التوصل إليه بين أرمينيا وأذربيجان وممثلين عن منطقة كاراباخ محل النزاع بين باكو ويريفان.

ناجورونوكاراباخ منطقة جبلية فى أذربيجان تبلغ مساحتها 4,4 ألف كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها وفق إحصاء عام 2020 حوالى140 ألف نسمة الغالبية العظمى منهم من الأرمن، أكبر المدن والعاصمة هى مدينة ستيبانكيرت، أما متى بدأ النزاع بين أرمينيا وأذربيجان على كاراباخ، هنا لابد من العودة للتاريخ لكى نعرف جذور النزاع. كانت كاراباخ جزء من الإمبراطورية الروسية التى انضمت إليها فى القرن التاسع عشر فى الفترة من 1804 ـ 1813، ودخلت كاراباخ الإمبراطورية فعلياً عام 1805 بمقتضى ما عرف حينها اتفاق كيوريكتشايسكى، فى إطار اتفاق جيولستانسكى بين روسيا ودولة الفرس (إيران). ثم تحولت خانية كارابخ إلى منطقة، ومنذ عام 1940 انضمت إليها منطقة شوشان من منطقة قزوين. تغيرت الأسماء وتغيرت المساحات، لكن الذي يعنينا هو كيف بدأ الخلاف الحالى بين أرمينيا وأذربيجان حول ما يسمى الآن كاراباخ؟

منطقة كاراباخ أو خان كاراباخ وفق تسميتها فى فترة حكم المغول التتار كانت محل نزاع حدودي دائم بين أرمينيا وأذربيجان، وزاد من الأمر تعقيداً أن منطقة كاراباخ لم يتحدد موقفها أو تبعيتها بعد ثورة 1917، وفى يوليو 1921 وأثناء اجتماع مكتب اللجنة المركزية للحزب الشيوعى البلشفى لمنطقة القوقاز تم اتخاذ قرار بإلحاق كاراباخ بأرمينيا، رغم ذلك وبعد مرور يوم واحد أعاد مكتب القوقاز للحزب الشيوعي النظر فى القرار وأصدر قراراً بتبعية كاراباخ لأذربيجان، وبرروا القرار وقتها بأنه "لضرورة تحقيق السلام القومى بين المسلمين والأرمن".

وهكذا منذ عام 1921 أصبحت منطقة كاراباخ تتمتع بحكم ذاتي واسع الصلاحيات ضمن جمهورية أذربيجان، وفى عام 1923 حصلت كاراباخ على منطقة ذات حكم ذاتي ضمن أذربيجان، رغم ذلك عادت أرمينيا وأثارت مسألة ضم كاراباخ إليها. وفى عام 1988 أعلنت كاراباخ عن خروجها وانشقاقها عن أذربيجان، ومنذ شهر فبراير من نفس العام بدأ الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان كل حول أحقيته فى أرض كاراباخ.

فى 2 سبتمبر عام 1991 أعلنت كاراباخ عن قيام جمهورية ناجورنوكاراباخ ضمن الاتحاد السوفيتي، لكن لم يعترف بهذه الجمهورية ولا دولة عضو فب الأمم المتحدة ـ حينها بدأ صراع مسلح بين أذربيجان وأرمينيا، والذى استمر حتى الأسبوع الماضى. ونتيجة المعارك التى استمرت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي خلال الفترة من 1992 ـ 1994، فقد أذربيجان السيطرة على كاراباخ وعلى المناطق المحيطة بها. فى 5 مايو 1994 وبواسطة روسية قيرجيزية (جمهورية سوفيتية فى وسط آسيا) وقع ممثلو أرمينيا وأذربيجان وكاراباخ اتفاقية عرفت ببروتوكول بشكيك (عاصمة قيرجيزيا)، وتم وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية على أساس هذه الاتفاقية، لكن ليس إنها حالة الحرب، كانت هدنة. ورغم ذلك وبعد توقيع الاتفاق المذكور اتهم الطرفان بعضهما البعض بخرق الهدنة، وهكذا حدث التصعيد المعروف فى الفترة 2014 ـ 2015. محاولات تسوية النزاع كانت تتم على مدار حوالى 30 عاماً وفى إطار مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبى بمشاركة روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وكثيراً فى نفس الإطار ما أجريت لقاءات بين رئيسي أذربيجان وأرمينيا، لكن كل هذا لم يؤد إلى نتيجة محددة تنهى النزاع.

وفى 2 أبريل عام 2016 حدث تصعيد جديد بين الجيش الأذربيجانى من ناحية والأرميني والكاراباخى من جهة أخرى وانتهى التصعيد بوساطة روسية بتوقيع اتفاق فى نفس الشهر حيث وقعه رؤساء الأركان فى كل من أرمينيا وأذربيجان، نص الاتفاق على وقف إطلاق النار والتزام الطرفان بذلك، حتى هذه اللحظة أرمينيا طرف أصيل فى معادلة الصراع على كاراباخ، ثم فى لقاء ثلاثي بين رؤساء أرمينيا واذربيجان وروسيا فى نفس عام 2016، أكدت الأطراف الثلاثة على تسوية الخلاف، ورغم ذلك بعض الاشتباكات الصغيرة المحدودة كانت مستمرة.

حتى جاء عام 2020 وحدوث تصعيد جديد، حيث اتهمت باكو ويريفان بعضهما البعض بإطلاق النار، وهنا الموقف الروسي انحصر فى مطالبة الطرفين بالوقف الفوري لإطلاق النار، وأعلنت أذربيجان عن مقتل 3 آلاف من جنودها ومئات من المواطنين المدنيين، بينما أعلنت أرمينيا عن مقتل 4 آلاف من مواطنيها وجنودها. انتهت المواجهات فى 9 نوفمبر بتوقيع اتفاق هدنة بوساطة روسية، وفق الاتفاق بقاء القوات فى الأماكن التى تسيطر عليها، وكان عدد من المناطق في كاراباخ قد حررتها أذربيجان واستعادتها، ونص الاتفاق على نشر قوات حفظ سلام روسية بين قوات البلدين على خطوط التماس.

وفى إطار عملية تسوية النزاع وفى 11 يناير 2021، عقد اجتماع حضره رؤساء روسيا وأذربيجان وأرمينيا فى موسكو، حيث وقع الأطراف الثلاثة على إعلان مشترك ينص على فك حصار كل وسائل الاتصال الاقتصادية وطرق المواصلات فى المنطقة، بعد توقيع الاتفاقية اندلعت مظاهرات عارمة فى أرمينيا مطالبة باستقالة رئيس الوزراء نيكول باشينيان، الذى اعترف فى أكتوبر عام 2022 فى قمة عقد فى براغ بأن كاراباخ هى جزء لا يتجزأ من أذربيجان، وأعلن أنه يعترف بسيادة أذربيجان على كاراباخ، على مساحة 86,6 ألف كيلو متر مربع، بهذا يكون رئيس وزراء أرمينيا قد تخلى عن مشاركة بلاده فى النزاع برمته وحوله إلى نزاع داخلى أذربيجانى، وغير بشكل نهائي وضع كاراباخ من منطقة نزاع بين بلدين إلى نزاع أذربيجانى ـ أذربيجانى.

ثم جاء تصعيد 19 سبتمبر 2023، وهو التصعيد الذى يمكن وصفه بأنه قلب الموازين، حيث قامت حكومة باكو بالهجوم على كاراباخ بدعوى مكافحة الإرهاب وذلك بعد قصف قامت به قوات كاراباخ أدى لمصرع مواطن أذربيجانى، وهو الهجوم الذى أحدث طفرة فى المعادلة لسببين أولها أنه حرر كاراباخ بالكامل وأصبحت تحت السيطرة الأذربيجانية وثانياً أن التصعيد جاء بين كاراباخ التى سلمت أرمينيا بأنها جزء لا يتجزأ من أذربيجان، ومن هنا فإن التفاوض سيكون داخلياً أي بين أبناء بلد واحد. فى تقدير الخبراء أن رئيس الوزراء الأرميني مهد لمصير كاراباخ الحالي منذ منذ عام 2021 عندما اعترف بأن كاراباخ هى جزء لا يتجزأ من أذربيجان، وهو بذلك أراد تخفيف العبء عن بلاده، وفك الارتباط مع روسيا، فهو الآن لا علاقة له بقوات حفظ السلام الموجودة فى كاراباخ، ومصيرها فى الوقت الحالى فى يد باكو، فهى توجد على أراض أذربيجانية، كما أن رئيس الوزراء باشينيان كان قد أعلن من قبل انسحاب بلاده من منظمة الأمن الجماعى التى حسب وصفه خذلت بلاده أثناء تصعيد عام 2020 الذى شاركت فيه تركيا.

كما قلت من قبل كانت كاراباخ أحد بؤر الهزات الارتدادية لزلزال انهيار الاتحاد السوفيتي، والتى كانت تعطى روسيا فرصة من فرص التدخل فى منطقة جنوب القوقاز، ومن غير المستبعد أن يكون هناك اتفاق حكومتي بين أذربيجان وأرمينيا على هذا للتخلص من النفوذ الروسي فى جنوب القوقاز، والآن يتم التفاوض، من المفترض، بين أبناء بلد واحد، لكن تبقى مشكلة التعايش بين الأرمن والأذربيجان فى كاراباخ وأعتقد أنها ستكون من أصعب المشاكل فالجميع يحذر من عمليات تطهير عرقى وأذربيجان تدعو الأرمن للاندماج فى المجتمع الأذرلا فهل سيحدث هذا؟ سؤال من الصعب الإجابة عليه الآن الجانب الأذربيحانى يعترف بصعوبا ومشاكل كثيرة سيكون على الطرفين حلها (كاراباخ وأذربيجان)، أرمينيا أعلنت عن أنها مستعدة لاستقبال 40 ألف لاجئ من سكان كاراباخ الذين قد يتركون مقر إقامتهم فى المنطقة التى استولت عليها باكو، والرئيس الروسي مدركاً لما قد يحدث من مذابح للأرمن تحدث مع رئيس أذربيجان علييف عن ضرورة الحفاظ على أرواح وممتلكات الأرمن، بل حتى الأمم المتحدة حذرت من التطهير العرقى، على أي حال من السابق لأوانه الحديث عن ذلك.

لكن الأكيد أن مشكلة الجدل حول كاراباخ قد حسمت عسكرياً وبقيت فقط الترتيبات التى تسمح للأرمن والأذريين بالعيش معاً فى سلام، وهذا يستلزم وجود ضمانات أمنية، قد تقدمها روسيا وقد يدعى الاتحاد الأوروبى، لكن فى هذه الحالة إذا قبلت أذربيجان، أما أرمينيا إذا نجا رئيس الوزراء من تظاهرات القوميين الأرمن الذين وصفوه فيها بالخيانة، فإنه سيغرد بعيداً فى اتجاه الغرب، وهو على أى حال غير مقبول من روسيا وربما هذه تشفع له لدى أغلبية الشعب، فقد جاء نتيجة ثورة ملونة من ذلك النوع الذى يبغضه الرئيس بوتين، كما يعتبر الأرمن أن روسيا خانتهم ولم تدافع عنهم فى حين تركيا ساعدت أذربيجان، وربما لم يدركوا أن روسيا مشغولة فى أوكرانيا ولا تريد استدعاء نيران إضافية عليها، وبدأ باشينيان يغازل الغرب وفى حرب عام 2020 وصف الصواريخ الروسية من طراز "إسكندر" بأنها عديمة الفاعلية، ولم يبق أمام رئيس الوزراء الأرمينى سوى ترسيم الحدود مع أذربيجان لتحقيق الاستقرار النهائى، لكن يبقى سؤال حول مصير القاعدة الروسية فى أرمينيا خاصة بعد خروج الأخيرة من منظمة الأمن الجماعى التى تقودها روسيا وتضم عدد من دول وسط آسيا.

كاراباخ سلمت أسلحتها والجيش الأرميني الذى كان فى كاراباخ انسحب، والسيطر الآن لباكو والرئيس علييف، لكن السؤال الآن هل تقوم مناطق أخرى من بؤر التوتر فى الاتحاد السوفيتي السابق أن تحذو حذو أذربيجان، مثلاً هناك أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وبريدنستروفيا ومولدوفا وبدخشان فى طاجيكستان وهناك مشاكل حدودية بين قيرجيزستان وأوزبيكستان وغير من المشاكل التى لم تسوى بعد، لكنى أعود وأقول إن روسيا مشغولة فى أوكرانيا. الرابح فى صراع كاراباخ هى تركيا بلا شك، فقد شقت طريق سيوصلها لجمهوريات وسط آسيا لتنافس الصين وروسيا فى تلك المنطقة.

 

Dr.Radwa
Egypt Air