يستطيع من ليس لديه قدرة على التحليل أو غير منخرط بالشأن السياسي أن يرى وبوضوح أن البعض ممن يكثرون الحديث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة لا يتحدثون عنها باعتبارها استحقاقا دستوريا تمر به الأمم في كل أنحاء العالم بل يتحدث أغلبهم - ممن صنفوا أنفسهم كمعارضة أعتبرها لقيطة فهي لم تحصل على صك شعبي بهذا في يوم ما كما أنها لا تملك رصيدا من العمل على الأرض يمكن من خلاله تحسس قدرتها على العمل أو الإنجاز- على أنها لحظة حاسمة يوافقها ظرف اقتصادي صعب يجب استغلاله حيث يدرك أغلب الذين أعلنوا عن نيتهم خوض غمار الانتخابات أنهم خاسرون قبل أن يبدأ التصويت وأن رصيدهم الشعبي غير قادر على حسم انتخابات محلية وليس رئاسية وأنهم لا يملكون ما يقدمونه للمصريين أكثر من ذرف العبرات و"تستيف" أوجاعهم الاقتصادية وسردها بغرض الاستمالة واستدرار العطف تارة بوعود إنشائية لا قيمة لها وتارة أخرى بمستقبلوردي لم يتحدث أيهم حتى الآن عن ملامحه أو كيف سيحققه سوى في عبارات وشعارات تم استهلاكها حتى الاحتراق قبل وبعد أحداث 25 يناير تحت بند الحرية والعدالة الاجتماعية.
يدرك بعض المرشحين المحتملين جيدا أن غاية ما يتمنونه من أهداف في المرحلة المقبلة إما إفساد الانتخابات وتشويهها أو الخط من شرعيتها ونتائجها بدعاوى عديدة يمكن أن نستدعيها من أي أرشيف لمنصات الثورجية ومدمني الفوضى وما أكثرهم، لكن لا أعلم كيف يتصور هؤلاء أن ما نجح من 11 عاما مضت يمكن أن ينجح مجددا وكيف يلتمس هؤلاء قوة وهمية وقدرة متخيلة على تحريك الشعب ويبدو أنهم نسوا أنه لولا تحرك المصريين والتقامهم الخطاب المسموم الذي سبق أحداث 25 يناير ما كان ليمكنهم إلا أن يغيروا ملابسهم لا أن يغيروا نظاما أو يسقطوه.
لذلك هم الآن في مرحلة "التسخين" بلغة العامة وهي العمل على قدر المستطاع أن نستميل أصوات الناس أو على الأقل نضعهم في شك من أمرهم ليعزفوا عن المشاركة.. وإن فشل هذا الخيار سينتقلون إلى الخطوة الثانية وهي التطاول على الناخبين المشاركين واتهامهم بالغباء ورفض التغيير وإدمان العبودية وغير ذلك من الأوصاف المقولبة التي تستخدم في حالة لفظ الأنفاس سياسيا أو الإشراف على الهزيمة.. وإن فشل هذا الخيار ستكون الخطوة الأخيرة وهي رفض الانتخابات والطعن في النتائج وترويج بعض المشاهد هنا أو هناك بما يسمح لهم من تبرير الهزيمة وإدراك حجهم الطبيعي لدى الناس.
إذن يتحدث البعض بمنطق "فيها لا أخفيها" وقريبا سيمتلأ الفضاء الإلكتروني بالفيديوهات المذيلة بعبارة عبارات "شاهد قبل الحذف" أو "لينك لتخطي الحجب" لبث موجة جديدة من الفيديوهات التي ستطعن في حياد الدولة تجاه المرشحين وإظهار الأمر أنه لا سبيل للتغيير ولا مسار آمن إليه.
إن خوض منافسة حقيقة وتمرير خطاب موضوعي ليس واردا في حسابات البعض بل الهدف الحقيقي هو افتعال "عركة" تبدأ عقب انتهاء الانتخابات لا أثناءها أو قبلها ويبدو أن البعض يستدعي سيناريو 2011 حيث بدأ وانطلق عقب انتخابات هزلية أشرف عليها بعض الأغبياء تسببت في توفير بيئة مناسبة لتثوير المسيسين وغير المسيسين وباستخدام ذات الشعارات التي يرفعها البعض اليوم فيتهيأ المسرح لدعايات هؤلاء لتمرير ما لم يمر طوال السنوات التسع الماضية.
وكما أخطأ السابقون التقدير في 2011 سيخطئ اللاحقون أيضا والتفسير لا يحتاج إلى كثير جهد أو تفكير فببساطة فإن المصريين قبل 2011 ليسوا هم المصريين بعدها فقد ارتفع الوعي العام واتضح المشهد جليا كما أن ما أعلن من ضمانات عديدة لنزاهة الانتخابات المقبلة وفتح الباب واسعا للجميع لممارسة رقابة عليها يقطع الطريق على الطعن في نزاهتها أو التشكيك في نتائجها كما حدث مع انتخابات محلس الشعب الأخيرة التي سبقت اندلاع أحداث 25 يناير .. إذن لا الشعب هو الشعب ولا الظرف هو الظرف ورغم ذلك سيستمر هؤلاء في مقامرتهم على مقدرات المصريين ومستقبلهم وستلاحقنا الشائعات والفيديوهات المفبركة وسيتعاظم التشكيك وليستعد الجميع لموجة جديدة من استغفال الرأي العام والمتاجرة بأوضاعه في فرصة أخيرة لأجندات الداخل فمن صاغوا تلك الأجندات في الخارج لم يخوضوا يوما معركة بأنفسهم ولم يدخلوا بلدا يوما ما دون أن يمهد لهم أعوان الداخل طريقا .. وأخيرا إن ثقتي في ثبات انفعال المصريين تجاه تلك الموجة خلال المرحلة المقبلة راسخ لايقبل الظن وحتى إن كان البعض مؤمنا بالتغيير أو راغب فيه فهو في النهاية لايرى في هؤلاء بديلا ولا يرضاه وكيلا.. فليحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.