الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

قذائف اليورانيوم المنضب ليست سلاحا نوويا لكنها خطيرة جدا

  • 24-9-2023 | 14:40
طباعة

خلال الحرب العالمية الثانية، أجرى الجيش الألماني تجارب على قذائف اليورانيوم المنضب لكنه لم يستخدمها نظراً لارتفاع تكلفتها وندرتها في ذاك الوقت. لكن الأمر قد تغير مع مرور السنين، فاليوم نجد أن هناك أكثر من 21 دولة تمتلك هذا النوع من السلاح.

فى السبعينات من القرن الماضى، بدأ الجيش الأمريكى فى تصنيع قذائف خارقة للدروع باستخدام اليورانيوم المنضب، ومنذ ذلك الحين، قامت بإضافته إلى دروع الدبابات لتقويتها.

استخدمت أمريكا قذائف اليورانيوم المنضب لأول مرة على نطاق واسع خلال حرب الخليج عام 1991، ثم في كوسوفو عام 1999، وفى عملية الحرية الدائمة في أفغانستان في عام 2001، وفى عملية حرية العراق في عام 2003، وعملية الفجر الجديد في العراق في عام 2011.

قذائف اليورانيوم المنضب تحتفظ ببعض الخصائص المشعة، لكنها لا تستطيع توليد تفاعل نووى متسلسل مثل الأسلحة النووية. قذائف اليورانيوم المنضب ليست سلاحا نوويا انشطاريا أو اندماجيا، فلا ينتج عن استخدامها انفجار نووي، بمعنى لا ينتج عنها قوة انفجار شديدة تطلق كميات هائلة من الطاقة، على هيئة ضغط هوائى "موجة صدمة تدمر المباني لكيلومترات"، وحرارة شديدة "كرة نارية يمكن أن تحرق مدينة بأكملها"، وضوء شديد "يسبب تلفا للعين"، وأشعة مثل أشعة جاما ونيوترونات وهى مميتة للإنسان والحيوان، أو تسبب حروقا شديدة ومرضا إشعاعيا وسرطانيا، مع انتشار مواد نووية شديدة الإشعاعية في الجو المحيط، تنتشر في دائرة نصف قطرها حتى مسافة 1.6 كيلومتر، وترتفع فى طبقات الجو حتى ارتفاع 80 كيلومتر، وتظل تنتشر ملوثة للبيئة لعدة سنوات.

يدق الخبراء ناقوس الخطر إزاء استخدام قذائف اليورانيوم المنضب بكميات كبيرة، بسبب المخاوف من الآثار الصحية المحتملة، والتى تتسبب في أضرار بعيدة المدى على الصحة العامة والبيئة. وعلى الرغم من أن قذائف اليورانيوم المنضب شديدة الخطورة، إلا أنه لا توجد اتفاقيات أو معاهدات دولية، تحرم تصنيعها أو امتلاكها أو استخدامها. والأدهى من ذلك، نجد أن الدول التي استخدمتها في حروبها، تهون من خطورة تأثير هذه القذائف على الأفراد والبيئة، وترفض الدعوات التي تدعو إلى فرض حظر على استخدامها، مشددتين على أنه لا يزال استخدامها قانونيا، وأن المخاطر الصحية غير مثبتة.

أصبحت هناك قناعة من بعض الدول في عدم شرعية استخدام هذه القذائف. كما أن هناك تحالفات من ناشطين مناهضين للحروب ومن كثير من المنظمات غير الحكومية، تطالب بفرض حظر على إنتاج أسلحة اليورانيوم المنضب واستخدامها عسكريا.

يستخدم اليورانيوم المنضب في تطبيقات كثيرة، منها تطبيقات مدنية وتطبيقات عسكرية. أهم التطبيقات العسكرية، نجده يستخدم في صناعة دروع للدبابات وللمركبات المصفحة ضد القذائف الخارقة للدروع، ويستخدم في صناعة القذائف التي تخترق دروع الدبابات والمركبات المصفحة، ولا يستخدم في صناعة أسلحة نووية انشطارية، لأن قذائف اليورانيوم المنضب تُصنّع من اليورانيوم-238، وهو لا ينشطر.

الأسلحة النووية الانشطارية تُصنّع من مواد انشطارية مثل اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم-239. والأسلحة النووية الاندماجية "الهيدروجينية" تُصنّع من نظائر الهيدروجين "الديوتيريوم والتريتيوم".

معدن اليورانيوم الموجود في الطبيعة يحتوى على اليورانيوم-235 بنسبة حوالي 0.71% من الوزن، ومن اليورانيوم-238 بنسبة حوالى 99.28% من الوزن، ومن اليورانيوم-234 بنسبة حوالي 0.0054% من الوزن.

القنبلة النووية الانشطارية تحتاج تخصيب اليورانيوم الطبيعى لزيادة نسبة نظير اليورانيوم-235 من الوزن، من 0.71% إلى أعلى من 90%. فصل النظير "اليورانيوم-235" من اليورانيوم الطبيعى، يخلق يورانيوم منضب يحتوي فقط على 0.2% إلى 0.4% من اليورانيوم-235، وعلى نسبة أعلى من 99.6% من الوزن، من اليورانيوم-238. اليورانيوم المنضب أقل إشعاعا بحوالي 40% من اليورانيوم الطبيعي.

لذلك، لا يؤدي اليورانيوم المنضب إلى تعرض الأشخاص المتواجدين بالقرب منه إلى الإشعاع بشكل مباشر. وإن كيلوجراماً واحداً من اليورانيوم المنضب قادر على إنتاج جرعة إشعاعية سنوية، على مسافة متر واحد، تعادل ثلث ما يتعرض الإنسان من الإشعاع الطبيعي.

إشعاع "ألفا" المنطلق من اليورانيوم المنضب، لا يمكن أن يؤذي الكائن الحي من الخارج، أى من خارج جسم الإنسان، لأنه لا يستطيع المرور عبر الجلد، ومن غير المرجح أن يصل إلى الخلايا داخل الجسم، كذلك يمكن للملابس إيقاف إشعاع "ألفا". على الرغم من أن إشعاع "ألفا" طاقته عالية، إلا أنه ثقيل جدا لدرجة أنه يستهلك طاقته في التحرك لمسافات قصيرة، ولا يتمكن من السير بعيدا.

اليورانيوم المنضب يعتبر مادة كيميائية سامة، وهو معدن شديد التآكل. عند انتشار اليورانيوم المنضب في التربة، سوف يتآكل ويتحلل في التربة تحت تأثير الهواء والماء، وينتج أملاح يورانيوم غير قابلة للذوبان في الماء، وأملاح يورانيوم قابلة للذوبان في الماء، ما يعني إطلاق اليورانيوم في المياه الجوفية. أملاح اليورانيوم القابلة للذوبان في الماء سامة، وتتراكم ببطء في عدة أعضاء، مثل الكبد والطحال والكلى، ويمكن أن يتأثر الأداء الطبيعي للكلى والدماغ والكبد والقلب والعديد من الأجهزة الأخرى بالتعرض لليورانيوم المنضب. تأثير السمية الكيميائية لليورانيوم المنضب أكبر بحوالي مليون مرة في الجسم الحي، من الخطر الإشعاعي لليورانيوم المنضب، وتعتبر الكلى هي العضو الرئيسي المستهدف.

الدراسات التي تناولت تأثير قذائف اليورانيوم المنضب على المناطق التي استخدمت فيها، كشفت عن وجود تركيزات أعلى قليلاً من اليورانيوم في المياه الجوفية. والدراسات الموثوقة حول التأثير طويل الأمد ضرورية، في ظل أن نصف عمر اليورانيوم-238 يبلغ أكثر من 4 مليارات سنة.

يشكل اليورانيوم المنضب خطراً إشعاعيا محتملاً على الصحة، إذا دخل الجسم عن طريق الاستنشاق أو البلع، أو من الجروح الملوثة، أو من خلال الشظايا التي تخترق الجلد، حيث ينطلق منه إشعاع "ألفا". إذا تراكمت كمية قليلة جداً اليورانيوم المنضب داخل جسم الإنسان، سيظل هناك تعرض للتحلل الإشعاعي لفترة طويلة جدا، تجعلها خطيرة للغاية - يمكنها إطلاق كل طاقتها في عدد قليل من الخلايا، وهذا يؤدي إلى أضرار أكثر خطورة للخلايا والحمض النووي، وتؤدى إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض السرطانية وحدوث تشوهات خلقية وغيرها من الطفرات الوراثية على المدى الطويل. وفي حالة الاستنشاق، لا يسبب عادةً مرضا إشعاعيا، بل تؤدي بدلا من ذلك إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة.

معظم اليورانيوم المنضب عبارة عن منتج ثانوي من عمليات تخصيب اليورانيوم لاستخدامه كوقود في المفاعلات النووية أو في تصنيع الأسلحة النووية، ويمكن إنتاجه من عمليات تدوير الوقود النووي المحترق الخارج من قلب المفاعلات النووية. لذلك، نجد أن هناك أطنانا من اليورانيوم المنضب مخزنة في أسطوانات فولاذية مقاومة للصدأ، في شكل سادس فلوريد اليورانيوم، وهو مادة صلبة بلورية سامة، ويمثل ذلك عبئا على الدول المصنعة لوقود القنابل النووية ووقود المفاعلات النووية. لذلك، يتميز اليورانيوم المنضب برخص ثمنه، حيث توفره الدول النووية مجانا تقريبا كجزء من عملية التخلص منه.

يتميز اليورانيوم المنضب بالكثافة العالية للغاية وهى "19.1 جراما لكل سنتيمتر مكعب"، ويعد أكثر كثافة من الرصاص بنسبة 68.4%. لذلك، نجد أن قذائف اليورانيوم المنضب حادة جدا عند اصطدامها بدروع الدبابات، وهذا يزيد من قدرتها على اختراق الدروع، ومع اختراقها ومرورها عبر الدروع، تسخنها لدرجة كبيرة حتى تشتعل فيها النيران وتحترق. مقدرة قذائف اليورانيوم المنضب للاختراق أكثر فعالية بنسبة 20% من قذائف التنجستن.

نتيجة احتراق قذائف اليورانيوم المنضب ينتج جسيمات مجهرية مشعة وسامة كيميائيا، تتوزع على المنطقة المحيطة بالارتطام، مما قد يؤدي إلى تلوث التربة والمياه المحيطة بها، والتي يمكن بعد ذلك أن تنتقل إلى مسافات بعيدة، مما يؤدي إلى آثار صحية وبيئية طويلة المدى، مما يثير المخاوف بشأن الضرر المحتمل للسكان المدنيين.

عندما يخترق مقذوف اليورانيوم المنضب دروع دبابة أو مركبة مصفحة، يمكن أن تتشكل جزيئات صغيرة من اليورانيوم المنضب ويستنشقها أو يبتلعها أفراد طاقم الدبابة أو المركبة المصابة. يمكن أيضا لشظايا اليورانيوم المنضب الصغيرة أن تتناثر وتنغرس في العضلات والأنسجة الرخوة للجسم. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، إذ أن جزءا من القذيفة يشرع في الذوبان ليطلق غبار اليورانيوم الساخن الذي يشتعل تلقائياً بوجود أكسجين داخل المدرعة، ما يؤدي إلى حرق جميع أفراد طاقم المدرعة وهم أحياء. وقد يتسبب في حدوث انفجار إذا كانت المدرعة تحمل وقودا وذخائر.

أخيرا، تشير الدراسة التي نشرت في مجلة التلوث البيئي عام 2019، إلى احتمال وجود علاقة بين استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب والعيوب الخلقية في مدينة الناصرية بالعراق. كما ذكر تقرير صادر عن "رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية" (IPPNW) أنه جرى رصد زيادة ملحوظة في التشوهات والأمراض السرطانية في مناطق عراقية جراء استخدام قذائف اليورانيوم على نطاق واسع خلال الغزو الأمريكى للعراق.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة