بقلم : د. ناهد عبدالحميد - مديرة ملتقى الهناجر الثقافى
لم تكن حرب السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان حدثا عابرا فى تاريخ مصر بل كانت ملحمة عظيمة أدرجتها أعرق الأكاديميات العسكرية العالمية إلى الاستراتيجيات الحربية التى تدرس ضمن مناهجها، كانت صفحة ناصعة من صفحات شعب يمتلك إرادة قوية وعزيمة صلبة عندما يريد ويقرر يصنع المعجزات، ملحمة العبور العظيم هى انتصار للعسكرية المصرية الذين هم خير أجناد الأرض, وانتصار للشعب بكل فئاته وطوائفه حيث تعانق خلالها الهلال مع الصليب وشكلا معا أفضل صورة لحب تراب هذا الوطن.
عندما تحتفل مصر هذه الأيام بانتصارات أكتوبر المجيدة فهى تعيد وتحفظ ذاكرة الأمة وتستلهم من ماضيها العريق ليكون دافعا لانتصارات أخرى في المستقبل بعد أن هزت العالم كله بثورتين عظيمتين أعادتا للشعب قوته وحريته واستقراره, ولا يمكن أن ننسى دور الفن والإعلام في هذا الانتصار, حيث كانا على خط الجبهة في كثير من الأوقات, وعاشا الذكريات والمواقف بحلوها ومرها حتى تحقق النصر, فكان دور الفنان فى المعركة مثل الجندي فى الميدان لا يتم استدعاؤه إنما يأتي من تلقاء نفسه؛ ففي مثل هذه الأحداث الكبيرة لا يكون هناك تكليف بل استدعاء ذاتي يتأتى من إيمان الفنان بدوره تجاه مجتمعه ووطنه، فالموسيقار الكبير بليغ حمدي الذي ذاب عشقا في تراب هذا الوطن من خلال أعماله التى سكنت الذاكرة والوجدان ومنها "أغنية يا حبيتي يا مصر" لم يتقاض عن أعماله الوطنية أي مقابل مادى رغم إقامته الدائمة بالاستديو, وكذلك عبد الحليم حافظ الذى كان يقود كتيبة الفنانين والموسيقيين, والموسيقار محمد عبد الواهاب، وحسين السيد، ومحمود الشريف والأبنودي الذى كان كان له دور كبير في الوطنيات التى سجلتها ذاكرة الإذاعة المصرية.
وفي ظل هذه الأوقات التى توصف بالصعبة والعصيبة في حياة هذا الوطن والتى تشبه تماما فترة ما قبل حرب أكتوبر 73 يبقى السؤال أين دور الفن والفنانين؟ من الواضح للجميع أن هناك حرب حقيقية على الدولة المصرية, وهو ما حذر منه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال المؤتمر الرابع للشباب بالإسكندرية حيث أكد على شعوره بـ "فوبيا إسقاط الدولة" منذ 2011، وهذا الشعور لا شك أن له دلالات ومبررات ومؤشرات لدى سيادته, لذا فنحن بحاجة ماسة إلى إعلام حرب وليس إعلام محايد، إبالإضافة إلى فنانين يدركون أهمية هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن, وشعب يفهم كيف يحافظ على دولته من الفشل, لذا أناشد الجميع بالاستعداد من أجل معركة البقاء والثبات وإنجاح الدولة, فأنظار العالم كله تتجه إلى مصر, مصر التي تواجه الإرهاب بكل حسم وحزم وقوة وتحقق نجاحات متوالية ومستمرة ضد الإرهاب الأسود والجماعات المتطرفة صاحبة الأفكار الظلامية التعسة التى أوقعتنا فى براثن التطرف والإرهاب حتى الآن, ونتذكر في هذا الصدد د. عبد القادر حاتم مسئول ملف الخداع الاستراتيجي أثناء حرب 73, والذي نجح في تهيئة الرأى العام واستخدام الإعلام بشكل إيجابى.
ونحن نحتفل بهذه الذكرى العظيمة ذكرى الانتصار فلابد أن نقول لقد آن الأوان لحشد الطاقات للقضاء على أسباب التطرف والإرهاب ومعالجة آثاره وإنعاش الروح الوطنية الغائبة من خلال مناخ ثقافي وسياسي ووطني وفني وإعلامي لإنقاذ الدولة وحمايتها، لابد من إشعال حماس النزعة الوطنية التي غابت عنا وغرس مفهوم حب الوطن في قلوبنا منذ الطفولة لإفشال مخططات الإرهاب الدينية التي تهدف إلى القضاء على الأخضر واليابس وكسر شوكة الوطن وهدم مؤسساته، فأعداؤنا يحاولون تشويه تاريخنا بالقضاء على ذاكرتنا الوطنية والاجتماعية لمحو هويتنا المصرية وغزونا ثقافيا بدعوى التمدن والحرية، لابد من مراجعة المناهج الدراسية من المرحلة الابتدائية وخاصة في مادة التاريخ والتربية الوطنية’ ولابد من تعظيم دور الشهداء من أبناء الجيش والشرطة الذي ضحوا بأرواحهم من أجل أمن وسلامة وبقاء هذا الوطن الغالي مصر، كما يجب أن لا ننسى دموع أمهات وزوجات وأبناء شهداء الوطن الذى ضحوا بأرواحهم للزود عن هذه الأرض والتصدى لهذا الإرهاب الغاشم.
وأخيرا فإن الشعب المصرى يعقد آمالا كبيرة على "المجلس القومى لمواجهة الإرهاب " ليكون خط الدفاع الأول عن الأمن القومي للبلاد وحماية الأسر المصرية خاصة المرأة التي فقدت ابنا أو أبا أو زوجا خلال مواجهة الإرهاب، والأمل معقود أيضا على هذا المجلس في إنقاذ الكيان الفكري والثقافي والاجتماعي للوطن من خطر التطرف الذي بات محدقا بأبنائه, وهذا ما تحدث عنه مؤتمر "المرأة صانعة السلام ضد التطرف والإرهاب" الذي أقامه المجلس القومى للمرأة بجميع فروعه في 20 سبتمبر 2017 متواكبا مع اليوم العالمي للسلام.