الأحد 19 مايو 2024

فوبيا الزواج الثانى

10-10-2017 | 12:16

تحقيق: جلال الغندور - نرمين طارق

خلف أسوار الجامعة بدأت حكاية حبنا، حلمنا معا ببيت يجمعنا، واخترنا ألوان حوائطه وتفاصيل كل ركن من أركانه، فهل سعدنا حين تحقق الحلم؟ للأسف اكتشفت أن ما عشته لسنوات لم يكن إلا كابوس مزعج ليس أكثر، فالحالمة التى أحببتها تحولت لشخصية عصبية لا يمكن التعايش معها، ولكى أحافظ على المتبقى من كرامتى المتبعثرة على أرضية عشقها اضطررت لطلاقها واليوم بعد أن أصبحت حرا يحدثنى البعض بإعادة الكرة مع أخرى! لا وألف لا.. كيف أتزوج بثانية وأسمح بوضع هذا القيد فى يدى، وبمحض إرادتى أكرر التجربة؟

يبدو أن هذا الرجل ليس الوحيد الذى يخشى الزواج الثانى خوفا من تكرار الفشل فغيره الكثيرون منهم، محمد عادل «محاسب »: تزوجت بطريقة تقليدية من امرأة تدمن النكد والشجار، حتى ابنتنا لم تسلم من مشاحناتها، وتحملت أكثر من عشر سنوات حتى أصابنى مرض السكرى والضغط، ففررت بالمتبقى من صحتى وطلقتها، ومنذ تلك اللحظة وأنا أعيش حياة هادئة، أحيانا أشعر بالوحدة فأتقدم للزواج من إحداهن لكن سرعان ما أتراجع وأعتذر خوفاً من تكرار الفشل.

مخاوف نسائية

النساء أكثر خوفاً من الرجال وهو ما تؤكده شادية فتقول: رغم أن زوجى طلقنى لأسباب خاصة به إلا أن الكل يحملنى المسئولية حتى أن أهلى لا يكفون عن ترديد كلمات من عينة «الست الشاطرة هى اللى تحافظ على بيتها » ما دفعنى لاتخاذ قرار بعدم الارتباط مرة أخرى خوفا من الفشل الثانى الذى سيدمر سمعتى والمتبقى من مشاعري، بينما ترفض سلوى إعادة التجربة خوفا من أن تفقد حب أبنائها الثلاثة حال زواجها من آخر غير والدهم. إذا كان الطلاق يخلق حالة خوف من تكرار التجربة، فالأمر يكون أكثر صعوبة حال رحيل أحد طرفى العلاقة الزوجية وهو ما تؤكده شيرين العيسوى قائلة: عشت أحلى قصة حب مع زوجى على مدار 17 عاما وكانت ثمرتها فتاة فى مرحلة المراهقة، نعم أعانى الوحدة، لكن كيف أكرر التجربة مع آخر وقلبى دفن مع زوجى الراحل.

أوجاع الأمس

دفعت فوبيا الزواج الثانى العديد من المبدعن للكتابة عنها والبحث عن أسبابها، منهم الكاتبة إيناس لطفى التى أكدت أن عدم التعافى من أوجاع التجربة الأولى يؤدى لمخاوف عدة، ففشل الزواج ينتج عنه جرح المشاعر، فإذا كان الإنسان الذى تعرض لحادث سيارة يحتاج إلى فترة علاج ليتمكن من مواصلة الحياة، فالسيدة التى انفصلت عن زوجها جراء تعرضها لعنف جسدى أو لفظى بحاجة لعلاج حتى تتخلص من تبعات الصدمة، لكن للأسف النساء فى الوطن العربى لا يلجأن للعلاج النفسى بعد الط اق رغم حاجتهن إليه. وتابعت: حتى لو كان انتهاء الزواج بشكل أكثر تحضرا أو لأسباب طبيعية كموت الزوج، يظل الخوف مسيطر على الأرملة ويشعرها بالرهبة على أولادها من رجل قد لا يحسن معاملتهم أو أهل زوج يخيرونها بن أبنائها وآخر يدخل حياتها.

وعن مشاعر خوف الرجال من الزواج الثانى يقول الكاتب تامر حبيب: تختلف المخاوف وفقا للطريقة التى انتهت بها التجربة الأولى.. ففى حال الطلاق يعانى الرجل من مخاوف طبيعية سرعان ما يتغلب عليها إذا حدث الانفصال بشكل متحضر واتفاق بن الطرفن، لكن تنقلب المخاوف لعقدة نفسية يخشى تكرارها لو صاحبه منازعات بأروقة المحاكم وإهانات متبادلة بن الطرفن، فهنا يعانى الرجل من أوجاع نفسية يصعب عليه التخلص منها، أما بالنسبة للأرمل فغالباً يكون سبب تردده تأنيب الضمير، فالبعض يعتبر الزواج مرة ثانية خيانة لزوجته المتوفاة، وربما يكون هناك خوف من عدم القدرة على الاندماج مع أخرى بالإضافة لقلقه على أطفاله ولكن فى حال حب الإنسان لذاته بطريقة إيجابية سيبحث عن حرفى الحاء والباء وسيواجه أحاسيسه السلبية حتى يحظى بالسعادة.

اجتياز الأزمة

ويعلق د. مصطفى حسين استشارى الأمراض النفسية والعصبية قائلا: يعتبر الطلاق أحد الأسباب الرئيسية للضغوط النفسية المؤدية لكثير من الأمراض كالقلق والاكتئاب، فالتجربة المؤلمة للزواج الأول ينتج عنها عزوف البعض عن الارتباط مرة أخرى وهو ما يسميه الطب النفسى «التجنب المرضى لتجربة سيئة سابقة »، ويضيف: يحتاج المطلقون إلى دعم نفسى ومجتمعى كبير لاجتياز الأزمة العاطفية التى يمرون بها بعد الطلاق مباشرة، لذا يجب على الأسرة تقبلهم ودعمهم نفسيا وماديا لاجتياز هذه المرحلة ومساعدتهم على أخذ القرار الصحيح.

وتابع: يختلف الوضع بالنسبة للأرمل حيث ترتبط مخاوف الزواج الثانى أكثر بوجود الأبناء خاصة أن المجتمع يضع أمام المرأة حواجز عديدة حال رغبتها فى الارتباط بعد ترملها، بينما يعطى الرجل مساحة واسعة ويشجعه على تكرار التجربة.

أما هانى حسن خبير العلاقات الاجتماعية والأسرية فيقول: إن الخوف بصفة عامة هو شعور إنسانى من حقنا جميعا أن نمر به، لكن المقياس هو كيف سنعبر عن هذا الشعور ونتعامل معه، فالخوف الطبيعى يجعلنا نعيد التجربة مع أخذ حذرنا حتى لا نقع فى نفس الأخطاء، أما المرضى فيمنعنا من خوضها وهنا يكون الشخص بحاجة لعلاج نفسى كى يتخطى حاجز الخوف.