السبت 25 مايو 2024

رواية حب وحرب ودماء.. الجزء الرابع

مقالات25-9-2023 | 22:21

نظرت نادية الى ساعة يدها وهي جالسة على طاولة بالقرب من نافذة مطلة على ميدان طلعت حرب في جروبي، كانت عقاربها تشير الى الرابعة بعد الظهر، تأخر حبيبها كثيرا في هذه المرة فعرفته بدقة مواعيده، كان موعدهم بالثالثة و النصف فانتظرت بصبر قدومه و عيناها تراقب بقلق المارة على الرصيف بجانبها، كان الحر شديدا اليوم حيث وصلت درجات الحرارة الى فوق الاربعين مئوي، فكان الصيف بأوجه و كانت مراكز التنبؤات بالقاهرة تحذر من موجات الحر التي تجتاح البلاد، كان هنالك على مقربة من النافذة رجل يقف على حافة الرصيف و كان يؤشر بيده الى عربيات الأجرة لعل يجد احداها فارغة لتقله، وقف يؤشر بيد بينما مسح العرق من على رأسه الأصلع بمنديل بيده الآخرى، كان قصيرا و بدينا فكان بطنه منتفخ امامه و كان يرتدي بنطال أسود و قميص ذو اكمام قصيرة ابيض اللون، كانت بجانبه على الرصيف حقيبة تشبه حقيبة رجال الأعمال، لم يقف طويلا و هو يؤشر الى عربيات الأجرة العابرة فتوقفت احداها على مسافة منه بعد دقيقة، فأمسك حقيبته بسرعة و هرول نحوها،

مرت إمرأة بالقرب من النافذة تحمل طفلة نائمة على كتفها، كانت الطفلة ربما بالثانية من العمر، او هكذا تَبَيًنَ لناديه من نعومة وجهها، كانت تحمل باليد الآخرى مظلة لتحجب عن ابنتها اشعة الشمس الحارقة، كانت المرأة ترتدي ثياب مُرَتًبَة فكانت ترتدي بنطال بني اللون و نعل كعب عالي سمعت طقطته و هي تمر بجانب النافذة، كانت ترتدي بلوزه بني فاتح و تسير بهدوء و ابنتها نائمة على كتفها، فجأة نده لها احدهم من عربية فاخرة بالقرب من الرصيف، التفتت المرأة و اغلقت المظلة بسرعة، أَشًرَتْ    اليه بأن ينتظر، اسرعت بخطوات حذرة الى حيث توقفت العربية، كانت العربية فاخرة و كبيرة الحجم، رأت نادية شعار كاديلاك عليها، فكرت في ذاتها "احسدك يا ست هانم، فربما زوجك اتى لإصطحابك الى بيتك بهذه العربية الفاخرة، ربما لم تجربي ركوب الحافلات المكتظة و الوقوف لأوقات طويلة و الحافلة تسير و تتوقف مرارا و تكرارا الى ان تصلي الى حيث تريدين، و حتى لو تخرجت من الجامعة، من اين سأجلب المال لأفتح عيادتي بعد تدريبي بالمستشفيات و اشتري حتى عربية مستعملة،"

 

انتشرت بالأجواء بقوة روائح القهوة و العصائر الطازجة و وجبات الطعام المختلفة، فكان جروبي يشتهر بأنه يعد ألذ الأطباق و المشروبات، و لكن لم تتجرأ نادية على طلب مشروب واحد، فكان الذي في حقيبتها يكفي لمواصلاتها طيلة الشهر و لشطيرة فول و طعمية كل يوم من عند العم مرسي الذي اعتاد الوقوف بعربية الفول بالقرب من بيتها، كان يراعيها بسعر الشطيرة فتعودت على الشراء من عنده في كل يوم و وضع الشطيرة في كيس ريثما يحين موعد الغذاء بالجامعة، و في بعض الأحيان كانت والدتها تعد لها الشطائر بالمنزل للتوفير، كانت شطائر والدتها لذيذة و لكن نادرا ما كانت تتيح لها الظروف رؤيتها بالصباح، فكان عملها في محل الموبيليا يجبرها على مغاردة المنزل منذ الصباح الباكر لتتجنب ذروة ازمة المواصلات و لو قليلا، كانت تراها فقط في فترة المساء حينما تعود من الجامعة، كم كانت تحب والدتها و كم كانت شاكرة على نعمة وجودها بحياتهم، فكانت هي سندها و سند طارق خصوصا بعد وفاة والدها بالحرب، كانت امها جميلة جدا حتى و هي بالأربعينيات من العمر فكانت من اجمل نساء حارتهم، فكم قدرت لها تضحيتها لتربيهم الى ان اتما المدرسة و الآن الجامعة، فضخت بالكثير و لم تتزوج بعد والدهم و لم تلتفت الى حياتها الشخصية،

 

فجأة ارتفعت الضوضاء بالشارع، تمعنت ناديه النظر بقومٍ تجمهروا حول إمرأة كانت تقف على حافة الرصيف و شاب آخر، كانت تصرخ بوجهه و توبخه على امرٍ ما، كانت المرأة ترتدي تنوره قصيرة لفوق ركبتيها و بلوزه حمراء من دون اكمام لها شَيًالان رفيعان على كتفيها، كانت تمسك بحقيبة صغيرة تحت ابطها، احْمَرً وجه الشاب فجأة فكان يصرخ بوجهها و لكن بلا فائدة، سمعت ناديه بعض الحديث بالخارج فكان الصراخ عاليا،

"انت كنت تقول لي ما هذا يا جميل، ما هذا الأحمر الفاقع المغري!"

اجاب الشاب "انتِ سمعتي خطأً! ان لم اكلمكِ! جميل ماذا و احمر ماذا!"

"انا سأفضخك بقسم الشرطه يا تافه يا عديم التربيه!"

تدخل احد الذين تجمهورا و قال "يا ستي انت وبختيه على قلة أدبه، فاليذهب كل منكم في طريقه!"

"صدقني انا سأربيه بقسم الشرطة! يا بوليص! يا شرطه!"

انطلقت هتافات لا حول و لا قوة الا بالله من الجميع و المرأة تصرخ للشرطة، نزلت دموع الشاب و ابتدأ يبكي لتتركه و لكن بلا فائدة فاستمرت بالصراخ الى ان تدخل بعض من المارة مباشرة، هدأت اصوات الصراخ رويدا رويدا و اصبح الحديث على وتيرة اهدا، بعد برهة من الزمن ذهب الكل الى سبيله و وقفت السيدة على الرصيف تلهث بقوة و تتمتم كلام غير واضح، بعد بضعة دقائق توقفت عربية فاخرة عندها و تحدثت مع سائقها، كانت تؤشر بيدها و تتكلم و كأنها تتفق معه على امر، صعدت بالعربية و تحرك السائق بالشارع الى ان اختفى عن انظار ناديه بين السير الكثيف، صُعِقَتْ ناديه من حقيقة السيدة فكانت مجرد عاهرة تقف على حافة الرصيف تنتظر زبون ما، و ربما ظن الشاب انها سهلة و يستطيع اصطيادها،

فجأة رأت نبيل و هو يدخل المطعم، وقفت و اشًرَتْ بيدها قليلا لينتبه لها، اسرع اليها و مد يده ليسلم عليها معتذرا "آسف، على التأخير، المواصلات كانت صعبة اليوم من الجامعة كثيرا!"

جلسا و ناديه تقول "تأخرت كثيرا، ظننتك لن تأتي،"

"صدقيني، لو معي رقم هاتف جروبي لاتصلت و طلبت ان اكلمك لأعتذر، كنت بِشَكْ انني سأجدك هنا بعد هذا الـتأخير،"

"و هل سأُضيعْ على نفسي فرصة رؤيتك يا حبيبي؟"

ابتسم نبيل و لمعت عينيه العسليتان تقديرا لها، كان شاب بالرابعة و الشعرين من العمر يدرس الهندسة المدنية، و كان طويل و وسيم الطلة ذو بشرة حنطية و شعر اسود كثيف و وجه ضعيف يعكس رشاقة جسمه، كان جبينه عريض و لمع من ضياء شمس الظهيرة القادمة من النافذة بجانب طاولتهم، كانت وجنتاه نحيلة يبرز فكيه من خلالهما و هو يتكلم، "قوليها مرة ثانية يا ناديه،"

احمرت وجنتيها و هي تقول "يا حبيبي،"

وضع يده على يدها و قال "انتِ اجمل إمرأة رأيتها بالجامعة على الإطلاق، اشعر بالكثير من الأحيان انني محظوظ لأنني امتلكت الشجاعة بوقت ما و بُحْتُ لكِ عَمًا في قلبي،"

"و انا لا اخفي عليك، منذ ان جلست بجانبي منذ سنتين بالمحاضرة و لفَتً انتباهي، شعرت بشعور نحوك لم اشعره تجاه اي شاب تعاملت معه بالجامعة،"

"اتعلمي ان عينيك جميلة جدا، و انتِ تقولين احبك يشع منهما حنان يشعرني بكمية الحب التي بقلبك لي،"

"نبيل، منذ سنتين و اتخذ قلبي قرار الإرتباط بك، انا احببتك، و اتخذت قرار الكفاح معك الى ان نتخرج من الجامعة، و سنرتبط بإذن الله، انا احبك و لن يدخل الى قلبي رَجُلْ آخر،"

قال بنبرة جاده "ناديه انت تعلمي ان ارتباطنا قدر محتوم، و لكن يلزمني بعض الوقت لكي اعمل بعد التخرج و اوفر لنا منزل و مسكن و ادبر تكاليف الزواج،"

تغيرت معالم ناديه و ارتسم القلق على وجهها، اجابت "و هذا ما يخيفني، الغيب و ما يحمله لنا،"

"ناديه نحن نلتقي منذ سنتين و نعيش اجمل قصة حب عاشها اي عشاق، و لكن على ارض الواقع الأمر مختلف، فالأحلام امر و الكفاح امر آخر،"

"نبيل لما لا تبحث عن فرصة عمل بالخليج، يقولون ان الرزق و العمل به وفير،" 

"انا لم احاول البحث عن فرصة عمل إطلاقا خارج مصر،"

"جَرٍبْ حظك، فانت تعلم وضع مصر خصوصا بعد الثورة و المظاهرات على زيادت الأسعار التي حدثت بالبلد منذ سنة، الأمور مازالت غير مستقرة،"

"و اذا سافرت ما مصيرك انت،"

اجابت مؤكدة "سأنتظرك،"

نظر اليها متسائلا عن مصداقية كلامها، فقرأت ناديه ملامحه و اكملت "سأنتظرك العمر كله يا حبيبي، لا تقلق، ثم ان قرش الخليج مضمون و ما ستصنعه بالخارج بسنتين ستحتاج الى خمسة سنين لصنعه في مصر، انظر حولك فخطبة البعض تدوم لسنين طويلة هنا ريثما يتم زواجهم،"

"و اذا اتتك والدتك في يوم من الايام و قالت لك ان نبيل يعيش بالخارج و قد لا يرتبط بك، و اذا اتاك عريس غيري، و انا ببلاد الغربة،"

"امي حازمة معي و لكنها تحبني بالنهاية، سترضى بما سأختار لنفسي، بالأمس علمت عن علاقتي بك و كلمتني بكل حزم عن طبيعة العلاقة بيننا، و رغم الصفع الذي صفعتني اياه على وجهي لأنني اخفيت عنها علاقتنا الا انها راضتني في اليوم التالي و قالت لي المهم انه يحبك بصدق،"

قال بحزم "غلط ما فعلتيه يا ناديه، كان يجب وضع والدتك بالصورة عن علاقتنا،"

"غلطة و عاقبتني امي عليها، صفعها كان مؤلم جدا، من كثرة الصفع لم اعلم كم صفعة انزلتها على وجهي، و لكن بالنهاية لم يروق لها ان يمضي نهارا بعد ان عاقبتني من دون ان تحضنني و تراضيني، قالت لي اذا كنتما متحابين فاليتقدم ليطلب يدك، قالت لي هذه الأصول،"

اجاب بنبرة مهمومة "والدتك محقه لأنها اصيلة و تفهم بالأصول، لذلك كانت قاسية معك، و لكن هنا المشكلة، انا ابن فران و امي تعمل مأمورة مقسم بهيئة حكومية، نحن احوالنا متواضعة جدا،" ارتسم الحزن على وجهه و هو ينظر الى ناديه و يكمل "ما هو طموح والدتك بالعروس الذي تريده لكِ؟"

اجابت مطمئنة "لا عليك، حدد موعد و انا سأوقل لأمي عن اوضاعكم، يعني يا نبيل نحن اوضاعنا احسن؟" ارتسم على وجهها خيبة الأمل و هي تقول "انا امي عملت لسنين عند عائلة غنية تنظف لهم المنزل و تخدم بيتهم ريثما وجدت عمل بمحل موبيليه تمتلكه تلك العائلة، نحن لسنا احسن منكم،"

"العمل ليس عيب يا ناديه، لا تخجلي من كفاح والدتك لأجلك انت و شقيقك، لولا كفاح هذه السيدة لما كنتِ في سنة تخرجك،"

"لا تفهمني خطأ، انا لا اخجل بعمل امي، و لكن اعتب على الزمن الذي كان قاسيا معها،"

"نحن ندفع ثمن تداعيات حرب اكتوبر هنا في مصر، يجب ان نتحمل تبعات هذه الحرب التي استشهد بها خير رجالنا، انها ضريبة النصر في بعض الأحيان، الزمن كان قاسيا و لكن ها يكافئ والدتك بتخرجك عن قريب،" نظر نبيل الى ناديه نظرة حنونه ثم اكمل بنبرة عازمة "سأفتح موضوع ارتباطنا مع اهلي، و سابلغك موعدا لنزوركم بالمنزل، تمام،"

اجابت ناديه بفرح "تمام يا نبيل،"

"هيا لنطلب شيئا لنشرب قبل ان نغادر، انا دعوتك هنا لنغير جو كافيتريات الجامعة، انها سابقة لن تتكرر كثيرا،"

ضحكت ناديه و نبيل يُكْمِلْ "انا سأدفع الحساب،"

************************************

السيدة زينب – مطعم مشاوي الهناء

نظرت الهام الى زميلتها سُميًة و هي تقرأ قائمة الطعام التي كانت بين يديها، كانا في مطعم فاخر و شهير بجانب محل الموبيليا التي تعمل به بالسيدة زينب، كان المطعم مليئ بالزبائن و كانت رائحة المشاوي و المأكولات الشهية تنتشر في كل ارجاءه، كانت النُدُل تسير وسط الطاولات يقدم بعضها المأكولات للزبائن، و كان بعضها يرفع الأطباق عن الموائد لمن غادروا المكان، كانت الديكورات حولهم انيقة جدا فكان فَرْش الطاولات البيج ينسجم مع الديكروات الخشبية البنية التي تملأ المكان، حتى الثريات التي تدلت من السقف بكل اناقة طغى عليها اللون النحاسي  لتضفيب على المكان لمسة نادرة من البهاء و الشياكة، كان المطعم معروف بأشهى انواع المأكولات الغربية و الشرقية فكان من اشهر اطباقه الستيك و الخضار و اللحوم المشوية و الحلويات الغربية بأنواعها، احست إلهام برهبة من اناقة المكان فتيقنت و عينيها تنتقل بين الطاولات و ديكوراته و كأنه للشخصيات الراقية و الثرية بالمجتمع،

سيطر تانيب الضمير على الهام لبعض الوقت، فاضطرت لقطع صيامها بسبب شعور مفاجأ بالتعب و دوار اصابها في الصباح، فعملها بمحل الأثاث كان يرهقها من حين لآخر، و صيامها اثناء عملها كان متعب جدا عليها، خافت اثناء تعبها و فكرت بأولادها كثيرا و هي تحاول تمالك نفسها من الدُوَار، كانا بالجامعة بعد فإذا حدث لها شيئ فمن سيعمل ليوفر لهما مصروفهما، سيتيتما باكرا و لن يجدا لهم معيل بهذه الحياة، كان لزوجها شقيق يعمل بالخارج و حاولت معه مرارا و تكرارا عبر الإتصال به ان يساعدها بشيئ، و لكن الغربة قَسًت قلبه فلم يتجاوب مع نداءاتها إطلاقا، حتى لم يحضر الى القاهرة لزيارة قبر زوجها لو مرة واحدة بحياته، 

فجأة تنبهت سمية الى الهام وهي مستغرقة الفكر فنادت "الهام! الهام!الهام!"

استفاقت الهام من شرود الفكر التي كانت به و اجابتها "نعم يا سمية،"

"كنت سأسلك عن ماذا ستأكلين؟ فرأيتك سارحه بملكوت الرب الكبير،"

"كنت ألوم نفسي عن قطعي لصيامي، و لكن المسؤلية التي برقبتي كبيرة، شعرت بدوار برأسي تكرر اليوم معي، و خفت ان يحدث لي شيئ، فمن سَيُدَبِرْ امور اولادي؟"

"يوه يا الهام، اتكلي على الله، المهم اطلبي ما تشائين، انا من سأقوم بتسديد الفاتورة، هيا فأنا جائعة،"

"انا اريد الستيك مع الخضار، و انتِ؟"

"انا سأطلب بعض من الكباب العراقي المشوي،"

ندهت سمية على نادل كان بالقرب منهم، فاقترب منهم و سأل بكل تهذيب "طلبات الهوانم ماذا اليوم؟"

اجابته سمية "انا اريد طبق من مشاوي الكباب العراقية و صديقتي تريد السيتك مع الخضار،"

قال النادل "تحت امرك ست سمية، هل تريدين عصير البرتقال مثل كل مرة؟"

اجابت سمية "هذه المرة لا، شكرا،"

علقت الهام بنبرة مصدومة "ست سمية؟ مثل كل مرة؟ ما هذا، انتِ معروفة هنا، و هذا المطعم غالي،"

"خمسه بعينيك، انا اعمل بجد و نشاط و عصام بيه يكافئني،" 

فجأة انتبهت إلهام الى امر ما، العطر الذي كان يعبق بسمية اليوم، نظرت الى القميص الأبيض التي كانت ترتديه، كانت ترتدي بنطال اسود انيق و كعب عالي اسود اللون، فجأة تذكرت ما حدث بمكتب مديرها عصام بالأمس حينما طلب منها ان تصعد فوق الكرسي و تلتقط له الكاتالوجات من فوق الخزانه، كان عطر سمية نفس العطر الذى عبق بمكتب عصام حينها، و كان لباس سمية اليوم هو نفسه الذي رأته بمكتب عصام بالأمس، عصفت الحقائق بذهنها فكان ما يحصل اكثر من الصدفة، هل كانت سمية على علاقة بعصام قنديل؟

سألت سمية الهام "قولي لي، الصحف كلها تتكلم عن ماذا حدث بالأمس في السيدة زينب، هجوم على محلات الافلام و تمزيق لبوسترات الأفلام و جلد لممثلة؟"

حاولت الهام اخفاء صدمتها بصديقتها و رسمت على شفاهها ابتسامة كاذبة خفيفة و اجابت "ما سمعتيه حصل فعلا، انها حركات شبابية متحمسة للدين تتكاثر بالمناطق الشعبية، هم يريدون حكم اسلامي بمصر،"

"هل ستسكت الدولة عنهم؟ نحن نعيش حريات راقية جدا بمصر، الكل يلبس ما يشاء و يعيش كيفما يشاء، هنالك حريات بمصر بعصرنا غير مسبوقة بتاريخها فالصحف تتكلم بحرية تامه عما تريد، ها نحن نتغدا و الدينا صيام حولنا فهذه هي الديمقراية بعينها، ان اعيش كيفما اشاء من دون حسيب يحاسبني او رقيب يفرض علي كيف اعيش حياتي،"

اجابت الهام "قطعا معكِ حق، و لكن هم يريدون امراً اخر في مصر، هم يريدن اعلاء شأن الدين..."

"بالفرض يا الهام؟ يريدون فرض الدين بالقوة،"

"يعني يا سمية نحن بلاد اسلامية بالنهاية و الدين ليس امر غريب علينا،"

"انا حرة كي التزم بديني او لا، انا حرة كي اعيش حياتي بالطريقة التي اريد، يعني هذه الممثلة المسيكنه التي جلدوها، هل هذا كلام؟ هي حرة لتأخذ الأدوار التي تريد، مصر كلها سينما و فنون فهل سنتنازل عن موروثنا الفني لأجل بعض رجال الدين يريدون فرض الدين من منظورهم بالقوة؟"

"ما تتكلمين به هو الصواب، و لكنها حروب سياسية بالنهاية، الم تسمعي خطاب النائب محمد فوده بالامس في مجلس الشعب حينما طالب باغلاق المطاعم اثناء رمضان في مصر، انها العاب سياسية بالنهاية؟"

"اغلاق المطاعم؟ يا اخي انا حرة كمواطنة، ان اصوم او أأكل، هل تريد فرض علي الصيام، انا حرة يا اختي، هذه حريات شخصية و حقوق مواطنة يجب ان تحترم،"

تظرت الهام الى سمية نظرة فاحصة، فجأة شعرت بالرغبة لتسألها، كانت تعلم بقرارة نفسها ان سمية حرة في حياتها العاطفية، و لكن نظرات عصام لها بالمكتب بالأمس لم تغب عن ناظريها، فجأة تملكتها الشجاعة و سألت "سمية، هل هنالك علاقة بينك و بين عصام بيه؟"

نظرت سمية اليها بإستغراب، فكانت هذه اول مرة تسألها زميلتها سؤال شخصي، ترددت بالإجابة كثيرا، فكانت تعلم ان سمعت مديرهم النسائية على كل لسان بالمحل، انتظرت الهام اجابة زميلتها بصبر فكانت تعلم ان رواتبهم متقاربة فمن اين لزميلتها القدرة لتتناول الوجبات بهذا المطعم الفاخر،

قالت سمية بعد برهة من الزمن"نعم، نحن نتقابل من حين لآخر، و لكن ارجوكِ ان لا تخبري احدا، فيكفي الشائعات التي تطارد عصام بيه،"

"الا تخافي من زوجاته، الا تخافي على سمعتكِ يا سمية،"

اجابت سمية بقليل من العصبية "سُمْعَةْ ماذا و المرتبات تكاد لا تكفي لشيئ، سمعة ماذا و انا اصرف على اشقائي الأثنين الذين هم بالمدرسة و على والداي، سمعة ماذا و انا لا اتنعم بهذه الحياة بشيئ، انا اعمل بكد و نشاط أُوْصِلْ الليل بالنهار و في نهاية الشهر لا يتبقى لي ثمن شطيرة آكلها، و ها رجل ثري عرض علي المساكنة و العلاقة، و يشتري لي ما اريد من ثياب و عطور و اكسسوارات، و يضع بجيبي ضعف مرتبي..."

"خافي ربك يا سمية فانت تعيشي بالحرام..."

"حرام ماذا، الا تري اوضاع البلاد؟ منذ سنة حينما عمت المظاهرات كانت بلادنا ستدخل بمشاكل كارثية، الحياة اصبحت صعبة و كل شيئ يرتفع سعره بالأسواق و لا احد يشعر معنا،" نظرت الى الهام نظرة حادة و قالت "و ماذا اعطتك الدولة لإستشهاد زوجك، وسام؟ هل اذا بعتيه بالسوق سيشتري لك وجبه؟ ها انتِ تهلكين لتطعمي اولادك يا الهام، استفيقي من الحلال و الحرام الذي انتي به،"

"سمية انا اعلم ان الدين آخر ما تفكري به، و لكن لا تغضبي مني، انا اطعم اولادي بالحلال،"

"انت واهمة يا الهام، ثم ان عصام منذ اسبوع سألني عنكِ أسألة كثيره، كان مهتم بكِ كثيرا، فكري بعقلك و ليس بالمثاليات،"

اجابت معاتبة "انا يا سمية؟ انا؟ افكر بالمثاليات؟"

"و لما لا؟"

"انا عملت خادمة بمنزله لخمسة سنين بعد استشهاد زوجي بفترة، كنت اشعر بنظراته لي من حين آخر، كان حينها متزوج من إمراة واحدة، كنت اعمل بأحدا الفلل الذي يمتلكها و حيث تقيم الهانم زوجته الأولى،"

 سألت بإستغراب "لم اكن اعلم انكما تعرفان بعض،"

قالت بقليل من الخوف و الرهبة "كنت في بعض الأحيان ارفع ثوبي و اكشف عن ساقاي و انا اشطف و امسح بلاط فلته، رأيته اكثر من مرة ينظر الي برغبة شديدة، كنت اخاف منه كثيرا، و في ذات يوم سمعته يقول لزوجته ان مصنعه اصبح جاهزا و انه يؤسس لمعارض للأثاث، فاقتربت منه، و كانت هذه اول مرة اكلمه مباشرة فكانت علاقتي مع زوجته بصورة مطلقة، و طلبت منه ان يجربني كبياعه بمعرضه، قَبِلَ و عرض علي راتب كان اكبر مما اخذه بالبيت عنده، و لكن طيلة فترة عملي بالمعرض لم تفارقني نظراته،"

"يا غبية، وَضَعَكِ في دماغه، سيبقى يدور حولك الى ان يأخذ مراده منك، أسأليني فاوقعني و ها انا اقيم علاقة معه، عرض علي مغريات كثيرة، ثم ماذا ستخسرين؟ انت كنت متزوجه و اذا تسليت معه قليلا ماذا سيجري؟ انت لست بتول كي تخافي من شيئ، ثم ستأخذين اجرا مجزي،"

نظرت اليها الهام بِحِدًةٍ و قالت "هل تعلمين انك ملحدة وقحة يا سمية، لو تُرِكَ أمْرُكْ بيدي لوضعت قدميك بالفلقة و ضربتك بالحزام لعلك تتأدبي،"

حضر النادل بصينية عليها طلباتهم، فوضع صحن من الخبز باناقة على الطاولة بينهن، ثم وضع طبق من المخلل و السلطة الخضراء، ثم وضع المشاوي امام سمية بينما وضع الستيك امام الهام، انتشرت روائح الطعام الشهية على الطاولة،

قالت سمية و هي تمسك بعض من الخبز بيدها "هيا تفضلي، رائحته شهية،"

غرفت الهام بِمِلْعَقَتِها بعض من السلطة و وضعتها على طرف طبق طعامها، ابتدأت بتناول الطعام و لكن شعرت بشيئا اختلف فجأة بداخلها، احست ان اللقمة اصبحت بلا طعم بخلاف رائحة الأكل الشهي التي انتشرت و النادل يضع الأطعمة امامهم، احست بأن قِطَعْ الخيار و الطماطم كانت كالحجارة في فمها، فلم تستلذ بالأكل مثل ما كانت تأمل، كانت تعلم في قرارة نفسها ان افطارها اليوم لم يكن السبب، فقطعت صيامها لأسباب قهرية تتعلق بسلامتها و صحتها، و لكن تيقنت فجأة انها تأكل طعام من نقود حرام...من عرق عاهرة كانت تعتقد في يوم من الايام انها زميلة طيبة معها بالمعرض، ابتسمت لسمية فلم تُرِدْ ان تشعرها انها تغيرت من ناحيتها من الداخل، فهما يكن كانت زميلتها و تراها في كل يوم في عملها.. يتبع.

الاكثر قراءة