تحقيق : هدى إسماعيل
لم أكن أتخيل مدى الحزن الذى تعانيه صديقة عمرى حتى خذلها شريك حياتها لتصرخ فى وجهى منهارة «عقد زوجى قرانه على أخرى »، ومع بكائها اهتز وجدانى وتزلزل كياني، أبهذه السهولة يبيع الرجل العشرة، والعجيب أنه يشكو دوماً من عثراته المادية، فهو لا ينتمى لفئة الأغنياء ولا حتى الفقراء واللذين يكثر بن طبقتيهما هذا الزواج، لكنه من الفئة الوسطى أو من كان يطلق عليهم رمانة الميزان، وتساءلت كيف لرجل يكمل مصاريف شهره بالكاد أن يفتح بيتن؟ وما الأسباب والدوافع لزواجه من ثانية؟ والأهم ماذا طرأ من تغيرات على طبقة اجتماعية كانت تتميز بالتماسك الأسرى؟ جمعت أسئلتى تلك وطرحتها على مجموعة مرت بتجربة الزواج الثانى فكان هذا التحقيق.
فى البداية يقول "م .ع"، موظف في أول العقد الخامس: رغم ارتباطى بزوجتى عن حب إلا أن حياتي انقلبت رأساً على عقب بمجرد إنجابها للأولاد لأصبح معها مواطن من الدرجة الثانية، فزوجتي لا ترى إلا الأولاد، حتى علاقاتنا الحميمة تؤديها كواجب ليس أكثر، على هذا المنوال استمرت حياتنا لمدة 20 عاما حتى حدث ما لم أتوقعه قابلت زميلة مطلقة أحببتها، وارتبطت بها دون أن تحملني أي عبء مادي، ومن يومها وأنا أعيش أحلى أيام عمرى، وعلى من سبق وتجاهلت احتياجاتي تحمل تبعات إهمالها.
أما "ن. م"، ربة منزل 55 سنة فتقول: يشهد زوجي أنني لم أقصر في حقه، وعندما أنجبت 4 بنات ضغط عليه أهله كي يتزوج وينجب الولد خاصة أن أصولهم صعيدية، وبالفعل تزوج ورزق بالولد بينما قبلت الوضع من أجل مصلحة بناتي، فهل سعد بولي العهد؟ للأسف أصابه المرض جراء دلع ابنه والذي لا يعرف ماهية المسئولية.
"كان الحل في الزواج الثاني" هكذا بدأت "س. ع" حديثها قائلة: زوجي دائم الترحال من بلد لآخر بسبب طبيعة عمله وبالطبع لا أرافقه لرعاية الأولاد، ولأنى أخاف عليه من الوقوع فى الحرام كان الحل أن تكون هناك زوجة ثانية بشرط كبر سنها وعدم إنجابها، الأمر ليس باليسير على قلبي ولكن لا بديل لذلك.
دور الإعلام
هذا عن أسباب إقدام البعض على زوجة ثانية، لكن هل كان للأعمال الدرامية دور في تقبل الزوجة الثانية؟ وكيف تناول الإعلام المرئي والمقروء هذه القضية؟
تقول د. ماجدة باجنيد، أستاذة الإعلام: لا شك أن الدراما لعبت دورا أساسيا في نشر المفاهيم المغلوطة عن الزواج الثاني، فمنها من دعا إليه كمسلسل "عائلة الحاج متولي"، لكن من وجهة نظري أن تأثير برامج "التوك شو" أخطر نظراً لتواجدها بشكل يومي أمام المشاهد وبطريقة لا إرادية نردد ما نسمعه دون أن نفكر، للأسف بعض مقدمي هذه البرامج غير مؤهلين لمخاطبة المشاهد, فأذكر أن مذيعا تحدث في أحد برامج الفضائيات عن مميزات الزواج الثاني، المثقف يعلم أنها سخرية بينما أخذه الأقل ثقافة على محمل جد واقتنع بفوائده.
تحولات مختلفة
وعن أسباب انتشار حالات الزواج الثاني بين طبقات مختلفة من المجتمع يقول د. جمال حماد، أستاذ علم الاجتماع جامعة المنوفية: لاشك أن المجتمع المصري تعرض لعدة تحولات اقتصادية واجتماعية خلال العشر سنوات الأخيرة ما ترك أثرا على جميع اختياراتنا، فضلا عن دخول ثقافات أخرى عليه نتيجة ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي، كذلك تأثرت بعض الفئات الاجتماعية بمفاهيم الخليج جراء عملهم لسنوات بالبلدان العربية، ومن المعروف أن فكرة الزوجة الثانية مقبولة في منطقة الخليج ما انعكس على المقيمين بها ومن ثم عادوا بثقافتهم الجديدة ونقلوها لأبناء طبقتهم .
حول تبعات الزواج الثانى النفسية على الأسرة يقول د. فتحي سعيد، استشاري الصحة النفسية: الرجل بطبيعته تعددي يميل لأكثر من ارتباط على عكس المرأة التي تتسم بالأحادية ويصعب أن تفكر في رجل آخر ما يفسر إقدام الرجل على الزواج الثاني وتمسك المرأة به رغم ذلك، لكن من يدفع الثمن عادة هم الأبناء، فوالدهم هو القدوة الذي يجب أن يحتذوا به فنجدهم يقلدون نفس ما قام به الأب وهو التعدد رغم عدم حاجتهم إليه, لكنهم ترعرعوا في بيئة كانت سببا في ذلك، بالإضافة إلى علاقة أولاد الأولى بالثانية, فكل طرف ينظر للآخر بأنه عدوه اللدود, ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى الانتقام, لأن الألم النفسي رهيب لا ينسى على مر السنين، إضافة إلى التفكك وضياع المودة، وفقدان الثقة بين الأبناء نحو والدهم الذي اعتبروه دائما مظلة الأمان إلى جانب والدتهم، عوضا عن فقدانهم رمز الرجولة والعطاء والأمان.
جائز بشروط
لكن ماذا عن رأى الشرع فى التعدد وهل هو جائز بالمطلق أم أن له ضوابط؟ يقول الشيخ خالد أبو زيد، عضو هيئة علماء الجمعية الشرعية: وضع الإسام عدة شروط لتعدد الزواج كان فى مقدمتها العدل لقوله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَ لَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً »، فمن رأى أو عرف من نفسه أنه لن يعدل بن زوجاته حرم عليه التعدد، والمقصود بالعدل هنا العدل الظاهري، وهو متعلق بأربعة أمور: القَسْم أى قسمة المبيت عند كل زوجة، والنفقة، والكسوة، والسكن، فإن عرف أنه لن يستطيع العدل فى واحدة منهم فالتعدد حرام شرعا، والشرط الثانى القدرة على الإنفاق على أكثر من زوجة.
يذكر أن من الصور المحرمة أو المكروهة فى الزواج الثانى إذا عرف الرجل غضب والديه أو أولاده ومقاطعتهم له حال تزوجه بأخرى هنا يكون صلة الرحم وبر الوالدين ورعاية أولاده مقدمة على زواجه الثانى.