تناول برنامج "قلوب عامرة" الذي تقدمه الدكتورة نادية عمارة على قناة "ON" بالتفسير لآية "فقد كذبت قبلهم قوم نوح".
وقالت نادية عمارة إن دعوة سيدنا نوح استمرّت طيلة قرن من الزمان؛ ولاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد؛ فما آمن به إلا القليل من قومه. واتهموه بالجنون، وزجروه عن دعوى النبوة، بالسب تارة وبالتخويف تارة أخرى، وحزن سيدنا نوح حزنا شديدا على قومه فأوحى الله تعالى إليه: ((وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)هود.
تابعت: فما بقى أمام سيدنا نوح -عليه السلام-؛ إلا أن يدعو ربه بأن يُهلك الكافرين؛ ((وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27))نوح، وتضرع نوح إلى ربه أن لا يترك من المشركين أحد يتحرك ويدور على الأرض...فدعاهه أن يُهلكهم. (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)) القمر.
أضافت: "أمر الله تعالى سيدنا نوح أن يصنع سفينة عظيمة من ألواح الخشب وألياف الشجر، وكانت صناعة السفينة وفق تعليم الله لسيدنا نوح عليه السلام، وأوحى الله لسيدنا نوح بأن لا يشفع في قومه الكافرين، لأن الله مهلكهم على محالة ، غرقا بالطوفان، وبدأ سيدنا نوح يصنع السفينة بأمر من الله تعالى، وكان بيجهزها في مكان مرتفع على الأرض؛ وكان البحر بعيدا جدًا، وليس هناك أنهار يمكن أن تجري السفن فيها، وحين علم الكافرون من قوم نوح إنه بيبني سفينة، طبعا سخروا منه، واستهزأوا به وبمن معه ويرد عليهم نبي الله نوح عليه السلام؛ قال الله تعالى في سورة هود: ((وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ38))هود.
أردفت: "يعني حيجي يوم زي ما بتسخروا منا سنسخر منكم؛ فهو يعني في المستقبل عندما يغرقون، فقوم نوح لآخر دقيقة في تكذيب وعناد وإصرار على الكفر والذي انتهى بتهديد نوح ومن معه وسبهم وشتمهم وأخيرًا بالسخرية من نوح ومن معه من المؤمنين؛ لكن نوح لم يبالي بسخرية قومه؛ فأتمّ صُنع السفينة كما أمره الله تعالى وبقي ينتظر أمر الله سبحانه.
لفتت "عمارة" إلى أن المعنى فيه رمزية رائقة إنه على كل مصلح ومعمّر في الكون أنه مهما قابلته عقبات وشدائد وسخر منه أهل التفاهة والهدم أن يمضي في طريقه الذي أمره الله تعالى به، دونما التفات، وأن يبغي بعمله رضا الله تعالى و ليس الثناء من أحد، وإنما تعمير الكون وفق ما أرشد رب العباد...من بناء الإنسان وبناء الأكوان، بعدما أتم نوح بناء السفينة؛ بدأ يترقب أمر الله سبحانه في الطوفان.
وكان الله قد أخبره أنّ علامة بداية الطوفان هي ثورة التنور الذي يُخبز فيه؛ لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، كما ذكر الإمام الطبري.
استكملت: "وفعلا فار الماء من التنور، وربنا جعلها علامة لسيدنا نوح وموعدا لهلاك الكافرين من قومه؛ فأصبحت الأرض بعدها عبارة عن عيون تفور بالماء، وهطلت الأمطاربغزارة من السماء، وكلما أمطرت تزداد غيوما وأمطارا وبرقا كما قال الله تعالى: ((فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11))القمر. يعني ماء منصب بقوة وغزارة لا يتوقف ((وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)) القمر، فالتقى بذلك ماء الأرض وماء السماء على حال قدرها العليم الحكيم في الأزل وقضاها بإهلاك المكذبين غرقًا.
قالت: "حمل سيدنا نوح في السفينة كل ما كان يعيش في أرض قومه من حيوانات شتى، زوجين اثنين من كل نوع ذكر وأنثى، من الطيور والدواب والبهائم كلها، وأمره الله تعالى أن يحمل في السفينة أهلَه كلَّهم وأولادَه ونساءَه؛ إلا منْ حكم الله بهلاكه. ومنهم ولد لسيدنا نوح وزوجة سيدنا نوح. وقال نوح: ((ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ41))هود، وحمل معه في السفينة المؤمنين الذين آمنوا معه، وكان عدد المؤمنين قليلا جدا...رغم دعوته الطويلة لهم مئات السنين.
تابعت نادية عمارة: وراح الطوفان يكتسح ديار الكافرين، وتتعالى أمواجه العاتية المخفية، والسفينة تمضي بأمر الله وحفظه وسط هذه الأهوال على وجه الماء(( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ..))؛ لقد كان هذا درسا بليغا لقوم نوح ولكل الأجيال ..فما من سفينة غير سفينة نوح كانت تستطيع الصمود في وجه هذه الأمواج العاتية التي كانت كالجبال في ضخامتها وصلابتها، هي سفينة مصنوعة من ألواح الخشب والحبال كيف لها بهذا العدد فوقها أن تنجو من هذا الموج العاتي كالجبال؟! إنها معجزة الله لسيدنا نوح عليه السلام، وفيها من المعاني ما فيها أنه لا نجاة لإنسان في الدنيا بعيد عن سفينة الله تعالى في بحر الحياة الدنيا العاتي بالفتن والشهوات والشبهات وشياطين الجن والإنس، لقد أشارت سورة الحج إشارة سريعة إلى الأقوام الذين أهلكوا بعد تكذيبهم أنبيائهم، وتفصيل مشاهد إهلاكهم موضح في سور القرآن الكريم بالتفصيل، كما هو الحال في شأن قوم سيدنا نوح عليه السلام.
شددت على أن مشهد إهلاك قوم نوح بالغرق وهذه الصورة المفجعة التي تعرضوا لها رسمت مشاهدها سور قرآنية كريمة أخرى وبيّنت ما أجملت ذكره في قوله تعالى: (( فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44))الحج؛ وذلك لأن المقام هنا في العرض الموضوعي معنى بموضوع تكذيب الرسل قبل البعثة المحمدية وتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، لذا لم يُفصّل السياق واكتفى بالإشارة البليغة، فيما لاقته هذه الأقوام المكذبة من ألوان العذاب، وصدق الله العظيم: ((فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)) الحج.