حققت حرب أكتوبر 1973 عنصر المفاجئة والمباغتة للعدو، فنجحت في إرباك صفوفه بخطة للخداع الاستراتيجي نفذتها الدولة على عدة محاور، حتى اختيار لحظة الحسم وبدء المعركة في وضح النهار في السادس من أكتوبر 1973، ليتحقق الانتصار المجيد الذي تحتفل مصر اليوم بذكراه الخمسين.
خطة الخداع الاستراتيجي
ويوضح اللواء محمد الغباري، مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق، إن وثائق لجنة أجرانات الإسرائيلية التي أقيمت لمحاكمة قادة الإسرائيليين بعد حرب أكتوبر 1973، وفيها حقق رئيس المحكمة العليا في إسرائيل مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينها جولدا مائير، ووزير الدفاع موشي ديان، وقادة الجيش عام 1974 لعدم اتخاذهم أية إجراءات للتعبئة.
وأكد في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أنه جرت المحاكمة على ثلاثة مستويات، الأول مجلس الوزراء المصغر برئاسة جولدا مائير، ووزارة الدفاع تحت قيادة موشيه ديان، ومحاكمة رئيس الأركان، مضيفا أنه خطة الخداع الاستراتيجي يمكن التعرف عليها من أقوال العدو نفسه، فكانت الإجابات هي ما فعلته مصر بخطة الخداع، فعندما سئلت جودا مائير عن سبب عدم القيام التعبئة العامة، قالت إنها سألت مدير المخابرات عن السبب فقال إن مصر لم تشتري أي سلاح هجومي إذا فليس هناك حرب.
وأشار إلى أن السلاح الهجومي، كان دائما ما يقول عنه الرئيس الراحل أنور السادات أنه لن يلجأ للحرب إلا بعد توفير السلاح الهجومي، وهو سلاح يماثل نفس الأسلحة لدى العدو أو أعلى منه، فكان العدو متقدم في إمكانيات الطائرات والدبابات والمدرعات قادرة على الوصول لعمق أكبر من الدبابات المصرية، فمصر لم تشتري السلاح الهجومي لذلك لم ترفع إسرائيل الاستعدادات.
وأضاف إن رفع درجة الاستعداد تعني تعبئة وتجهيز الجيش كامل قوته، فالجيش لدى العدو كان 25% و75% احتياطي، واتبعت مصر خطة الخداع حتى لا تكون تعبئة جيش بكامل قوته، وذلك من خلال عدة خطوات وإجراءات خدعت العدو، من خلال إجراءات تؤهل القوات المسلحة المصرية لدخول الحرب دون أن يدرك العدو ذلك.
المشروع الاستراتيجي التعبوي
ويوضح أن المشروع الاستراتيجي التعبوي كان أحد هذه الإجراءات، فخلال هذا المشروع تتحرك مصر كلها بما فيها القوات التي تتحرك تجاه القناة، وخلال عشرة أيام يتم التنفيذ وفي اليوم العاشر تعود القوات، مضيفا أن ديان عام 1972 قال إن الرئيس الراحل أنور السادات يضحك على شعبه بهذا المشروع فلماذا نرفع درجة الاستعداد مع إجرائه في كل مرة ونخسر مبالغ مالية كبيرة.
وأشار إلى أن مصر حققت المفاجئة من خلال آخر مشروع الذي كان سينتهي يوم أربعة أكتوبر 1973، وتحركت القوات كلها ووصلت إلى القناة، وكان المفترض أن تعود القوات كلها لكن من عاد هو دفعة رديف خرجت يوم 4 أكتوبر لكن بقية القوات كانت على القناة، مضيفا أن التعبئة الإسرائيلية كانت تستلزم إمار 24 ساعة لتحقيق التعبئة الجزئية أو 48 ساعة للتعبئة الكاملة، فقواته لن تكتمل إلا بعد 48 ساعة من الهجوم وبالتالي نجحت مصر في العبور بدون الخسائر التي كانت مقررة.
المضخات المائية جزء من الخطة
وأشار إلى أن المضخات المائية أيضا كانت فكرة غير تقليدية وجزءا من خطة الخداع الاستراتيجي، فاستخدمت المضخات لتدمير الساتر الترابي والكشف عن الساتر الخرساني والحديدي على الجانب الآخر من قناة السويس لبدء فرد الكباري وعمل ثغرة تعبر منها المعدات في العبور ، وكانت أفضل فكرة هي استخدام خراطيم المياه لتدمير الساتر وإنزاله في مياه القناة.
وأكد أن الدولة وقتها جعلت شركات القطاع الخاص تشتري خراطيم المياه لعمل زراعة في الوادي الجديد ومناطق أخرى ومضخات بقدرات ومقاسات مختلفة، حتى لا يتضح الهدف منها وكانت توزع على الفلاحين والإصلاح الزراعي ويعاد جمعها مرة أخرى حتى لا يتضح أنها جزء من الاستعداد للحرب.
إخلاء المستشفيات
وقال إن أحد الإجراءات أيضا ضمن خطة الخداع كانت فكرة إخلاء المستشفيات، فعند الحرب يجب إخلاء المستشفيات لتتمكن من استقبال الجرحى والمصابين، ولتحقيق ذلك قبل الحرب بثلاثة أشهر تم تعيين طبيب في أحد المستشفيات وأخبر أن الجيش يقوم بتطهير المستشفيات بسبب فيروس التيتانوس، وتم إقرار إخلاء المستشفيات خلال الفترة من 25 سبتمبر وحتى 10 أكتوبر لتطهيرها، لكن الحقيقة أن الهدف هو الاستعداد للحرب.
وعن سر اختيار التوقيت، أكد الغباري أنه تم بدراسات علمية لتحديد وقت أعلى جزر وأقل جزر وسرعة التيار أثناء وضع اللانشات وعمل الكباري حتى لا يكون التيار في اتجاه عكسي، مضيفا أنه تمت دراسة سرعة التيار لتحديد كيفية التحرك للنقطة القوية حتى تكون جهود الحرب في مكانها وبعد دراسة عدة توقيتات مناسبة استقرت القيادة على بدء الهجوم في ساعة الصغر الثانية ظهر السادس من أكتوبر 1973.