الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

حرب أكتوبر.. إنهم خير أجناد الأرض


  • 9-10-2023 | 10:56

صالح الطراونة

طباعة
  • صالح الطراونة

حين تكتب عن حرب أكتوبر المجيدة بالتاريخ المصري وتقف على عتبات "المحروسة" التي كتبت أول نص درامي على طول تاريخ الإنسان على هذه الأرض في القرن 32 قبل الميلاد حيث جاء النص بحوار فلسفي بين آلة مصر القديمة التي تتحدث عن عملية تكوين العالم والنظام الكوني للأشياء والمخلوقات، لذلك إنها مصر أهم مركز للأدب في العالم , إنها مصر التي تلتقط لون الحياة من بين مفردات الوجود على الأرض لتنثر ياسمين الريحاني ونجيب محفوظ وتعلن كتابة أول المسرحيات التي نطقت بالعربيه عام 1870على وجه هذه البسيطة.
حرب السادس من اكتوبر عام 1973 لم تكن حرباً عادية أو تجتز جزء دون جزء بل كانت حرباً تستعيد الأرض والكبرياء العربي على حدود تضاريس الأمة العربية من مشرقها إلى مغربها, ولأننا نتحدث عن إحدى جولات الصراع العربي الإسرائيلي حيث خططت القيادتان  "المصرية والسورية" وبدعم من منظومة القيادات العربية في أكثر من مكان  وذلك  لمهاجمة إسرائيل على جبهتين في وقت واحد بهدف استعادة  "شبه جزيرة سيناء والجولان"  التي سبق أن احتلتهما إسرائيل في حرب عام 1967 ففي 29 من آب عام 1967 اجتمع قادة دولة جامعة الدول العربية في مؤتمر الخرطوم بالعاصمة السودانية ونشروا بياناً تضمن ما عرف "باللاءات الثلاث" عدم الاعتراف بإسرائيل , عدم التفاوض معها , ورفض العلاقات السلمية معها , حتى جاءت الساعة الثانية ظهراً عبروا خط القناة لتبدأ موجات من الجيش المصري تعبر تدريجياً من خلال منظومة عمل تم إعدادها بشكل متقن للغاية حيث فاجأت الجميع في حينها إذ نفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربات جوية على الأهداف الإسرائيلية بالضفة الشرقية للقناة وقد شملت تلك الضربات المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية وتلك النقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة , وبعدها بدأت المدفعية المصرية بعد عبور الطائرات فقط بخمس دقائق تقصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكل مكثف تحضيراً لعبور المشاة "خير أجناد الأرض" فيما تسللت عناصر من سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي لإغلاق الأنانبيب التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة , وفي الساعة الثانية والثلث تقريباً توقفت المدفعية ذات خط المرور العالي عن قصف النسق الأمامي لخط بارليف ونقلت نيرانها إلى العمق حيث مواقع النسق الثاني وبدأت بالضرب المباشر على مواقع خط بارليف لتأمين عبور المشاة من نيرانها  ليّعبر القناة نحو   2000 ضابط و 30 ألف جندي من فرق المشاة , واستمر سلاح المهندسين في فتح الثغرات في الساتر الترابي لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية , لقد كانت حرب أكتوبر "العاشر من رمضان" حدثاً فريداً بل إنها نقطة تحول في مسار الصراع العربي الإسرائيلي ولعل من أبرز سمات حرب أكتوبر هو ظهور كفاءة المقاتل العربي ومدى ارتفاع مستوى نوعيته وقدرته على استيعاب واستخدام الأسلحة الحديثة والمعقدة بما فيها الأسلحة الإلكترونيه , فمن ينسى معركة المنصورة التي لقنت العدو أعظم الدروس وبرهنت على مدى الجاهزية والكفاءة العالية لنسور الجو الذين رسموا آنذاك براعة وجسارة تلك الهجمة الشرسة التى جعلت العدو الإسرائيلي يدرك حجم ومقدرة الجيش المصري بسلاح الجو.
فقد منحت حرب أكتوبر 1973 المصريين دروسًا لا تنتهي من الإصرار والعزيمة والرغبة في النجاح بما  تحويه من أحداث مثيرة، فلم تنكسر أحلام المصريين المشروعة على صخرة هزيمة يونيو 1967 ولم يعجز المصريين أمام ضعف العتاد العسكري حيث فقدت مصر أكثر من 85 % من سلاحها آنذاك وإنما كان التفكير دائمًا نحو البناء من جديد والذي كان حلم  استغرق تحقيقه أيام وسنين من حياة المصريين امتلأت بالقصص والعبرات التي يحكيها لنا التاريخ عن شعب أصر على النجاح وحققه، فلم تكن مجرد حرب انتصرت  فيها مصر على إسرائيل  وإنما هى منهاج حياة  يتذكره المصريين كلما حل بهم أي تحد جديد.
ولعل الدور العربي الذي شارك بحرب أكتوبر لا يمكن تجاهله لما أحدث من تغير على خريطة المعركة وحولها إلى نفور عربي قابل لأن يكون في قلب المعركة التي حدثت، فقد شاركت القوات الأردنية في الحرب على الجبهه السورية حينما قامت بإرسال اللواء المدرع 40 واللواء المدرع 90 حيث قامت بخداع المخابرات الإسرائيلية من حيث رفع استعداد القوات الأردنية إلى الحالة القصوى في السادس من أكتوبر عام 1973 مما أثار قلق إسرائيل ودفعها إلى إبقاء جزء كبير من جيشها في إسرائيل للتصدي لأي هجوم محتمل على تل أبيب بجانب إرسال العراق إلى مصر سربان من طائرات هوكر هنتر في نهاية مارس عام 1973 حيث بلغ مجموع الطائرات التي وصلت مصر 20 طائرة استقرت في مطار قويسنا بمحافظة المنوفية لتقف على أهبة الاستعداد , كما قامت السعودية بإنشاء جسر جوي لإرسال 20 ألف جندي إلى الجبهة السورية فور نشوب الحرب وقادت إلى حظر عربي على تصدير النفط يستهدف بلدان العالم بشكل عام وأمريكا وهولندا بشكل خاص لدعمهم لإسرائيل , وها هي الجزائر وبطلب من الرئيس الجزائري هواري بومدين  تطلب من الاتحاد السوفييتي شراء أسلحة وطائرات لإرسالها إلى مصر بعد علمها بنية إسرائيل في الهجوم عليها، فكان رد الروس أن تلك الأسلحة ستتكلف مبالغ ضخمة فما كان من "بومدين" إلا أن قام بإرسال شيك لهم قائلًا: أكتبوا المبلغ الذي تريدونه" فيما "  قرر الشيخ زايد آل نهيان في دولة الإمارات العربية المتحدة قطع النفط عن إسرائيل والدول التي تساندها قائلًا: "النفط ليس أغلي من الدم العربي" فيما ليبيا منحت مصر مليار دولار مساعدات لشراء أسلحة عاجلة خلال حرب 1973 أما المملكة المغربية فقد أرسلت  لواء مشاة في الجمهورية العربية إلى الجبهة السورية وسميت بـ"التجريدة المغربية"، وتم وضع اللواء المغربي في الجولان، كما أرسل المغرب قوات إضافية للقتال رفقة الجيش العربي السوري مدعومة بـ52 طائرة حربية بالإضافة إلى  ٣٠ دبابة   فيما كان  السودان من أوائل الدول التي أعلنت دعمها الكامل لمصر حيث نظمت مؤتمر الخرطوم والذي تم الإعلان من خلاله عن ثلاثية "لا" وهي لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، وأرسلت السودان فرقة مشاة على الجبهة المصرية كما لم تتردد في نقل الكليات العسكرية المصرية إلى أراضيها أما الكويت فقد قامت  بإرسال 5 طائرات "هوكر هنتر" إلى مصر بالرغم من إمتلاكها 8 طائرات فقط، كما بعثت طائرتي من طراز سي 130 هيركوليز لحمل الذخيرة , وكذلك تونس أرسلت إلى مصر كتيبة مشاة قبل الحرب كما أعطتها 5 طائرات "هوكر هنتر "  أما اليمن فقد قام بإغلاق مضيق باب المندب على إسرائيل فيما  فلسطين قامت قوات المقاومة الفلسطينية بنصب الكمائن وزرع الألغام وتنفيذ الغارات على تجمعات العدو الإسرائيلي مما أشغل العدو عن المخابرات المصرية. 
   انتهت الحرب رسميًا بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 مايو 1974 حيث وافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.

عاشت مصر حرة أبية , وعاش جنودها  " خير أجناد الأرض "  بكل فخر وعز وكبرياء وشموخ .

أخبار الساعة

الاكثر قراءة