الثلاثاء 25 يونيو 2024

العلم الذي عاد يرفرف


أحمد عبد المعطي حجازي

مقالات9-10-2023 | 11:43

أحمد عبد المعطي حجازي

كل رايتنا قطع من قماش 
وأنت العلم 
مصر أنجبت الناس زوجين زوجين
 والحب أنجب أبناءهم 
واصطفى المجد أجملهم
واهبا لك أرواحهم يا علم
كلما نقلوا في الطريق إليك قدم
نسجوا فيك خيطا
ومن كل قطرة دم
رسموا فيك لونا
فهم أنت
ما برحوا ينقصون وتزداد 
ينحدرون وتعلو
لقد قسموا فيك أنفسهم
جسدا ضاريا جذره في الرمال
وروحا مرفرفة في القمم 
قل لنا يا علم 
افتدوني 
نحبك نعم!
نحبك نعم!
ونحبك نعم!

إلى اللقاء يا نخيل السويس
كان قناة السويس عليها من الصفو روح الإله 
وأصداه شدو بعيد وذكرى وداع 
كأن لم تكن أمس فيها الدماء
رياحا تفجر أعتى القلاع 
فكيف طلعت کغيم  شفيف على زرقة الماء...
كان اللقاء احتضان شعاعين بانا
وحيدين بعد رحيل الشراع 
وعودة سر العطاء إلى ترعة حفرتها الأظافر..
روت صداها الضلوع 
وجاءت من التيه أفعى لتنفث ريح الصديد على شاطئيها.. 
وتسقى أحياءها الراقصات
على الموج صمت الصحارى 
ولكن معزوفة الحب والموت حانت 
ليعتدل العالم المستخف بصوت النبيين ... 
والمستهام  برجع خطا الأقوياء
                                    ***
على الجسر يا أخت كان اللقاء
دعاه يشق المواصف .. برقا .. صلاة
وتكبيرة لم تزل للجنود
ومحرابنا تحت شمس الضحى كل هذا الفضاء 
وهذي الغلاة
يموج بها الصمت .. تسكنها كائنات 
مجنحة منشدات حرار التراتيل ..
تعزف لحن الخلاص
وترنو إلى مهج في الرمال ظلماء إلى نفحة البرتقال
سجينا بغزة .. تحلم بالقدس والشهداء
على وقع أمطارنا قادمين وقصف الرصاص
 ورؤيا الفدائي بين عزيف الرياح آذان بلال 
وهذي السماء 
تحدر كالطل فوق أديم السويس
تراءى على الموج .. تودعه السر .. تسري
عليه شفاها.. عيونا منورة لا نراها 
وينسدل الجسر من تحتنا والقناة مرايا 
تطل علينا عيونا مسددة لم ترعنا 
وهذي الرمال شظايا رماد ومهوى خطايا ..
وذوب حنايا 
كأنها تعانق طفلين فوق حطام اللهيب
وقد ولدت خضرة في الصخور وجفت دموع صبابا
كانا لقاء أسيرين فرا من الليل 
يرتشفان رحيق الزهور الندية ...
وموكب عرس يعود إلى شارع ... 
كان ينساب هيمان في وجده بالقتال 
وأمسى بجلله العشب في غابة من ظلال
کانا ملاحم عصر قديم 
توارى صليل السيوف ومازال فرع الطبول 
وصوت المغنيين جيلا على أثر جيل
وآهات عشق .. ومسرى شموع
وكأنك بلا جسد تعبرين
وكأنك عطر لريحانة خلف هذي التلال خفية
ولكن همسك يحمل نبرة شجو دفين
ورعشة أشرعة النيل عند المساء
وأطفالنا في القرى في ليالي الشتاء 
وكأنك عذيت بلا أخت.. كانت 
بقايا السكاكين مفروشة بين نهديك 
والشوك كلل رأسك هذا الوديع 
لأنك أقسمت إلا الدموع
تلوث أرض ضحاياك.. إلا رجوع 
هبطت إلينا بلا جسد تعبرين 
وكنت نخيل السويس الذي أحرقوه 
وشرفتها غاب عنها القمر
وضوح زهر البنفسج والياسمين
وما قتلوك وما قتلوه  
فمازلت في السحب لا تنحنين 
ولا يعرف الحزن عينيك .. لا تطرفين
وما زال وجهك أحلى جبين 
ومسراك في أمسيات الخليج وفجر الحنين
ووهج الظهيرة .. تسترقين طلعة ضوء جديد 
تعانین میلاد نبع جديد .. وتبتسمين 
وكنت مآذن أحبابها ما تهاوت
وكنت كنيستها تحلمين بعودة حراسها الغائبين 
وعودة أجراسها صادحات بقهر يهوذا
ومطلع فرسانك الغالبين 
تعاليت من بين أيدى الدمار
وأطفأت بالنار عار السنين
وجرح الربابنة الغاربين
وما زالت الشمس أنت
ومهما تلاها قمير حزين 
على البرج .. في ساحة الأربعين

فما زال هذا التراب

يلم شعاعاته الخضر .. يلقي بها ..
حزمة حزمة في المياه 
لأقدام سمارها العابرين القناة 
                            ***
تعودين للعائدين إلى الروح ..
لوحة حب بقير إطار
ونبعا من النور يسرى بغير قرار 
روحا بلا جسد تعبرين
لأنك عانيت عذبت يا أخت ...
مما جناه شرور النهار 
وما صرع الحلم 
خلف صرير القيود وصمت الجدار
وأدركت أن الظلام وأن اللهيب انتصار 
عشقت الليالي سهداً وناراً على العاشقين 
ولكنها جنة للذين اشتروا...
...أغنيات السنابل والناي بالدم
وبالعشق للجسد المخملي المنعم
ونهرك كان شعبًا بشجو الحمائم
وطرق السنابك فوق مهاد البراعم 
وأضنتك صرخة صيادنا غادر البحر ...
.... والتقفته شباك المدينة
وصيحة عمالنا في الموانئ -أين تولوا ؟
وقد غاص في الأفق مسرى سفينة 
وأطفالنا في الشواطئ -هل تسمعين صداهم 
لقد هجرت كل عصفورة عشها في الخريف 
وغيب ليل الحصار الأليف 
فجئت على شفتي طائر عاد بعد الصبور 
يقاسمنا عيده ... والعبير يضم شتات الزهور
نقاسمه ذكريات غرام قصير
ولكنه حبنا كان أقوى من الموت...
من زمن ضاع منا ...ولكننا ما فقدنا
سوى قمر حالم لا يثور 
يموت الزمان الكئيب ويبقى المكان الحبيب 
تضيئ أساريره ذكريات العذاب 
وروح التحدي ...ويخضر غصن الشباب 
***
هنا فأسمي الصمت آي الكتاب 
تدفق من صدر فلاحنا – مما تزال-
يشق أريم السماوات ...يصرخ بالفلك: سيرى
إلى كوكب صاخب بانتصار الحقيقة ....
... دام بمصرع كل الطغاة
وينفخ في الصور من روحه كي نحب الحياء 
ونفتح أبوابها بالدماء إذا أغلقتها الغزاة
ويلهم ركب العصافير فوق التراب المحرر لحين 
لأحبابه الورعين الذين أداروا الخدود 
سلاما ولم يكفروا ...لم تكن أمه بالبغي
وما كان يعرف نعمى سوى كسرة من يديها
ينازعها ملكها .... ما اجتثته
-فتات العشى وحلم الغزاة- لصوص الشعوب
فكيف يهاب اقتحام الأساطير والموت
...بالحب والمقت ... والدم عطر الصول 
وسحر السواقي وورد الخمائل 
وكيف يخون الوجوه القديمة ...
...فوق أريم الحقول 
وبين النخيل وهمس الجداول
هيا فانظري ذكريات الذين اقاموا الصواريخ...
غابا من الموت حول ربيع المدائن 
وساروا على الدم والنار ثم تراموا
أفي جنة من صهير الحديد ولفح المداخن 
هنا ذكريات الصبا قاتل الليل ثم استراح 
قريرا وراء حروف الكتاب
هنا ذكريات الآلى لم يعودوا
فسرى من دمهم في السويس بحار سرور جديدة 
وبقيت من لحمهم قمح سيناء كرم العريش
وتصدح أحلى الأغاريد من شرفات بعيدة
هنا فانظري ذكريات جنود المقوقس عادوا
نصرا لفرسان عمرو على الروم يقتحمون الثغور السليبة 
رياحا تمزق أعتى الجسور وتنثر أحنى البذور
على كل أرضِ حرام خصيبة
هنا لا يرعك الدمار ...بقايا شراك الروى...
بثها الأدنياء على كل درب
فدارت عليهم وحاقت بهم
وهذي الهياكل سودا تصفر فيها رياح المنون
وينقب أحشاءها السائحون
خذي الآن تذكار لقيا شتيتين ...رؤيا خلاص
ترامت كصيدٍ طريح تمددي الشاطئين
ومن قدم كان قتل التماسيح في النيل ...
رزق النسور وعيد الصاص 
ولا تزعي.. كهذي النعوش 
صبغت بالدماء وجوه اللواتي 
كشفت على غير لُقيا ...نساء العريش
وها هي في الطين منصوبة ......
...مثل صُلبان طاغية والضحية أحمد ...
مازال يصرخ بين تلاميذٌ بحر البقر
كأن مزامير داود تحتقر الأبجدية
وتطعن سر الطفولة والأبدية
كان الكتاب المقدس رجس الشياطين...
...طير أبابيل تحصب هام البشر 
وسيف تسلطه فوق أعناقنا نقمة وثنية 
كان مياه السويس عليها من الصفو روح الإله
وأنتِ بلا جسد في وحي تعبرين القناة 
وداعاً إلى الملتقى يا نخيل السويس
يموت الزمان الكئيب
ويبقى المكان الحبيب
وداعاً على موعد تحت شمس الخليج
ومنزلنا كل هذي المروج
ومحرابنا كل هذا الفضاء 
وداعاً .... إلى الملتقى يا سماء …

نشر في عدد مجلة الهلال - أكتوبر 2023

الاكثر قراءة