الأحد 5 مايو 2024

قصة شهيد.. إبراهيم الرفاعي الأسطورة والواقع


جمال الغيطاني

مقالات9-10-2023 | 11:38

جمال الغيطاني

-كان رجال الرفاعى يثقون به، وكما عبر أحدهم قائلا عندما تعرضوا لموقف خطر في البحر «كنا نثق أنه يقودنا ويعود بنا»
-اشترك مع الفدائيين الفلسطينيين في عدة عمليات مسلحة ضد العدو، ولاحقه أيضا على الجبهة السورية كان يقاتل كفنان
- جاء إبراهيم  الرفاعي إلى العالم ليقاتل وليقاتل بالتحديد من أجل مصر إنه الوفاء حد النخاع
- كان الهدف من دخول قوات الصاعقة إلى  بورسعید هو حصر القوات المهاجمة  وإیجاد أماکن لتشوين الذخيرة والسلاح
- كان إبراهيم  الرفاعي يعشق قراءة تاريخ مصر خاصة تاريخها العربي، كان مثقفا، يحب الأدب ويقرأ الشعر، ويخشع إذ يصغى إلى  قطعة من الموسيقى الكلاسيك.
- تقرر ضرب منطقة بلاعيم، تنفيذا لقرار الرئيس أنور السادات بحرمان العدو من بترول سيناء
- کان إبراهيم الرفاعى  لا يهدا، إما أنه يفكر في عملية جديدة، أو يخطط لعملية، أو يقوم بتنفيذ عملية
- الدنيا بتمطر صواريخ بالمشقلب، يعني الصواريخ تجيء من الأرض إلى السماء بالعكس
- ترجع بساطة البيت إلى  ظروف زواج إبراهيم  الرفاعي بعد لمسة حب عفيفة أسس بعدها هذا البيت، كما ترجع إلى  شخصيته البسيطة
- كان صدره لا يتسع للأوسمة التى حصل عليها  إذا ارتداها كاملة
- الشهيد كان مثلا للشجاعة والبسالة في میدان القتال، وأن اسم الشهيد الذي سبقنا بشرف الشهادة سيظل خالدا في قائمة المجد، وسجل الشرف
- عندما يشعر أن هناك أحدا يمكن أن يموت، لا يقبل أن يقال فيما بعد أنه دفع أحد رجاله إلى الموت 
اليوم جمعة، قبيل منتصف النهار تقدم العميد أرکان حرب إبراهيم  الرفاعي جنوده وضباطه مقاتلي المجموعة 29 قتال، في المنطقة الواقعة جنوب الإسماعيلية ، كانوا يستقلون سياراتهم المجهزة تجهيزا خاصا، والتي تحمل كل منها شعار المجموعة، دائرة بداخلها رأس البير المفترس، عند نقطة معينة ترجل الرجال، وتقدموا إلى    مواقع معينة في الصحراء المكشوفة. في الجو غموض وخطر، وغيوم خفيفة في السماء لكنها تخفى العديد من الاحتمالات، وبرغم كل الظروف الوعرة مضى إبراهيم  الرفاعي على رأس رجاله يقتحمون الخطر كعادتهم دائما في جميع العمليات التي قاموا بها، وكعادته أيضا الدفع في مقدمة الرجال.
تقدم معه المقاتل على، مساعده في قيادة المجموعة، رجاء ألا يتقدم كثيرا، أن يحل مكانه، فالموقف غامض ولابد من استطلاع المكان جيدا.
ولأول مرة - خلال العمليات القتالية العديدة التي اشتركا فيها معا - يتعامل معه العميد إبراهيم  الرفاعي بصيغة الأمر.. 
-الزم موقعك يا علي أنت والرجال.
يا علي هذا أمر. 
امتثل المقاتل علي، وبدأت انفجارات القذائف حولهم، الشظايا تصطدم بحواف الصخور الحارة، تغوص في الرمال، رائحة البارود، الفراغ مزروع بالخطر، تمركز العميد إبراهيم  الرفاعي قبل التبة الرملية رقم ((62)) . ثم رصد دبابات إسرائيلية منتشرة في المنطقة كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ظهرا، يوم الجمعة 19 أكتوبر.
وكانت السطور الأخيرة من حياة أحد أعظم مقاتلي مصر على مر العصور، تدنو من نهايتها.
إبراهيم  الرفاعى، النموذج الفذ للمقاتل المصري، الشعلة المضيئة في سماء العسكرية المصرية إلى    الأبد، كان حسه الوطني رفيعا، أحب الحياة، أحب عائلته، وابنه وابنته ومع ذلك اندفع ليواجه الموت بجرأة نادرة، وشجاعة أسطورية، وصف بأنه (وشي موت) وأنه «متهور». أثناء خروجه إلى عملية في قلب مواقع العدو، إذا طرأ خطر يقع لنفسه في الموقع الذي يتجسد فيه هذا الخطر كله، يفضل أن يتعرض هو إليه، كان رجاله يثقون به، وكما عبر أحدهم قائلا عندما تعرضوا لموقف خطر في البحر، «كنا نثق أنه يقودنا ويعود بنا». إبراهيم  الرفاعي لاحق العدو في كل مكان اعتبارا من 1967، في ظل ظلام الهزيمة، ومع قرار أكتوبر العظيم انطلق متوهجاً کأنه روح مصر التي لا تغبو، في بلاعيم، الشعد، الطور، رأس محمد، عندما دخلت مقر قيادته لأول مرة لاحظت خريطة فخمة لجبهة القتال تغطي الجدار، وكانت هناك دبابيس حمراء مفروشة على امتداد الخريطة، في كل المواقع الممتدة من بالوظة شمالا حتى رأس محمد جنوبا، لاحق العدو على الجبهة الأردنية عندما اشترك مع الفدائيين الفلسطينيين في عدة عمليات مسلحة ضد العدو، ولاحقه أيضا على الجبهة السورية كان يقاتل كفنان، فهو يسعى دائما إلى    السمو والكمال، والدقة البالغة، لا ينصرف من موقع القارة إلا إذا رأى بنفسه ما أحدثه من خسائر، إذا نصب صواريخ موقوتة، أو زرع ألغاما، يتوارى بالقرب من الموقع ليشهد بنفسه تفجير العملية، لم ترجمه أي ظروف من الوصول إلى    هدفه، كثيرا ما اكتشفه العدو أثناء ماضيه إلى    هداف كما حدث في عملية شرم الشيخ (1973)، ولسان التمساح «1969» لم يحل شيء بينه وبين هدفه قط، كان كتوما جدا، كثيرا ما سأل ضابط استطلاع المجموعة من السفينة الإسرائيلية لبيت شيفع»  على فترات متقطعة يسأل اين بيت شيفع الآن!
 ويقوم الضابط بتوفير المعلومات اللازمة، وبعد عام كامل من التتبع الدءوب للسفينة الإسرائيلية كان إبراهيم  الرفاعى قد وضع الخطة دقيقة لإغراقها أو القضاء عليها، و بيت شيفع الناقلة للجنود طورها العدو إلى    حاملة، وكانت تقوم برحلات منتظمة بين الطور وأبو رديس، جرت عدة محاولات لنسفها من ضفادعنا البشرية، لكنها لم تسفر عن إغراقها، لم يخبر إبراهيم  الرفاعي ضابط استطلاع المجموعة بالغرض من أسئلته، ولكن عرف فيما بعد أنه وضع خطة لإغراقها بواسطة كمين تقوم به المجموعة في عرض البحر.
باستمرار كانت أدراج مكتبه تحتوي على ملفات تضم خططا جاهزة للتنفيذ، وبالرجال الذين عملوا معه، وحاربوا إلى    جانبه كانوا يستخدمون عبارات معينة مثل «إبراهيم  لم يكن يهدأ»، «كان أخا لكل منا»، «كان قلبه ميتا» هل حقا كان قلب إبراهيم  الرفاعي ميتا! أينطبق عليه ذلك التعبير الذي يعني الشجاعة المطلقة؟!
يقول أحد القادة الذين كانوا على صلة مستمرة بإبراهيم ، «لماذا كان يحمل إبراهيم  الرفاعي من فوق صدره أوسمة بلا عقد، وقعه الاجتماعي جيد، عائلته سعيدة تكونت بعد قصة حب عميقة.. يصمت قليلا ويجيب عن سؤاله بنفسه.. أعتقد أنها الوطنية»..
«الميلاد »
27 يوليو 1931 
يجيء إبراهيم  إلى    الدنيا، عائلة من أفرادها عسكريون، الجد كان ضابطا من رجال الجيش المصرى الوطنيين. الاميرالاي عبد الوهاب لبيب الذي انتهت خدمته عام 1914. 
إن صورته المعلقة في البيت، سترته العسكرية المثقلة بالأوسمة تشد انتباه الصغير، تثير خياله، لابد أنها حظيت بجانب كبير من تأملاته الأولى، كان خالاه أيضا ضابطين كبيرین، أما والده فخدم في وزارة الداخلية كمعاون إدارة سنة 1927 و 1948 يمضى الفتى إلى    محطة سكة حديد منيا القمح، حيث يعمل والده وقتئذ يرقب القطارات المحملة بالجنود الماضين إلى    فلسطين لمحاربة العدو، يشترى الصحف كلها لمتابعة أخبار الحرب، وبالذات الأعمال الفدائية، خاصة تلك التي قام بها الشهيد أحمد عبد العزيز، والمجاهد الفلسطيني عبد القادر الحسيني، واحتفظ في حجرته بصورتين لهما، ويسجل هذا بدخوله المدرسة الثانوية العسكرية. 
إن العين لا تخطئ نواحي تميزه على أقرانه. أنه رياضي، يمثل المدرسة في فريق كرة القدم، ينال بطولة العدو  س الثانوية، وعندما دخل الكلية الحربية كان من اقوى لاعبي كرة القدم بفريق الكلية وفيما بعد قل أحد أفراد فريق كرة القدم لسلاح المشاة حتى بنوطه رتبة العقيد. كانت لياقته البدنية عالية جدا، حتى أنه كان يستطيع إتمام مباراة كاملة (90 دقيقة)  حتى بلوغه سن الـ 42 سنة، عمره الذى قضاه في هذا العالم. كان الأول على المدرسة الثانوية العسكرية في الرماية، ثم الأول على الكلية الحربية، وباستمرار تصدر قائمة الفائرين فى مباريات الرماية، كان يهوى الصيد أيضا، وكثيرا ما كان يمضي إلى    مقر قيادة المجموعة (26)، في أيام إجازاته وأوقات راحته يلتفت إلى    أحد جنوده قائلا:
-تعال لنضرب ناراً.. أشعر بضيق قليل.. بل كان يصطحب معه ابنه سامح الصغير ويضمه لإطلاق النار، كان أحد ملامح حياته الأساسية يبدو واضحا، هوايته التصدي للأعمال الصعبة، أن يقع اختياره على أصعب المهام ويقوم بها، وعندما يقوم بتنفيذ المهمة الصعبة يسلك أشق الطرق لإتمام المهمة، الطريق الصعب، غير المتوقع من جانب العدو، كان يقهر الظروف، لهذا العمل بتشكيلات الصاعقة عند بداية التمائها، أصبح من جيل المعلمين الأوائل بالصاعقة، كان يقوم بأشق أنواع الدوريات، ويختار أصعب المناطق في مصر لممارسة تدريبه بها.
وعندما بدأ القيام بعملياته ضد العدو الإسرائيلي وقع اختياره على أعقد العمليات وأصعبها، عندما يقرر عبور خليج السويس الذي كان «لعبته» طبقا لتعبير رجاله ويختار الليالي التي يشتد فيها الموج ويعلو في مثل هذه الظروف لا يتوقع العدو أية هجمات، كان الرفاعي ورجاله يأتون إلى الصدر من خلال العواصف، والأنواء، والمواقع الطبيعية والصناعية، وحواجز الأسلاك الشائكة، وجدران الخرسانة، وكل ما هو مستحيل، لا عجب فقد جاء إبراهيم  الرفاعي إلى العالم ليقاتل وليقاتل بالتحديد من أجل مصر.. 
((الصاعقة ))
1955، تعقد أول فرقة للصاعقة بمصر فى أبر عجيلة، ويأتي ترتيبه الأول على الفرقة ثم يمتهن مدرسا بها، کانت أساليب الصاعقة القتالية تحقق جزءا من شخصيته، القيام بأشق وأصعب الأعمال كانت الصاعقة تعنى الاعمال الفدائية، البطولية، الخارقة للمادة، وهذا ما يبحث عنه، في عام 1956 بدأ العدوان الثلاثي على مصر. وكان إبراهيم  الرفاعي على رأس المتجهين إلى    المدينة، وهنا أفسح المجال لأحد زملائه الذين عرفوه خلال تلك الفترة المبكرة
«عرفت إبراهیم قبل ذهابنا إلى    بورسعيد مما، كان استاذی، درس في في مدرسة العائلة، كانت التدريبات قاسية «وعرة»، ومرة: لكنه كان يشجعنا باستمرار، كان مثلا في ميولنا، جسمه قليل لكن لياقته البدنية عالية بشكل خرافي، كانت لديه اخلاق الفروسية والمثالية الرفيعة، لا يطلب من إنسان شيئا لم يفعله، إذا طلب عملا صعبا منا يؤديه قبلنا، دفعنا هذا إلى  الاقتداء به، ومن هنا أعني فعلا أنه أستاذی، علمنى القتال، كان إذا دخل مباراة أو تدريبا لا يقبل الهزيمة مطلقا، في نفس الوقت كان متواضعا للغاية، صوته هادئ، وقد يطرق خجلا إذا كلمته عن نفسه أو قلت له: «أنت فعلت كذا وكذا»، لم أشعر فى أى يوم من الأيام أنه أصبح عقيدا وعندما استشهد خيل لى أنه نفس الملازم الذي عرفته عام 1950 . دائما على رأس القوة، يخطط، ينفذ، لم تكن الرتبة الكبيرة تعني بالنسبة له إلا المزيد من حمل المسئولية في القتال، في الميدان.
كان الهدف من دخول قوات الصاعقة إلى  بورسعید هو حصر القوات المهاجمة بين هجماتها الخاطئة، ووحدات الجيش المتقدمة، بـ أعمال الاستطلاع وتنظيم المقاومة، وإیجاد أماکن لتشوين الذخيرة والسلاح.  كان إبراهیم أول من دخل بورسعيد، وكان هو القائد المنفذ داخلها كان عمره وقتئذ ٢4 سنة.. بدأ في تنظيم أعمال الصاعقة، كان دقيقا جدا في عمله حتى أنه لم يستعمل ورقا أو قلما على الإطلاق، إنه يتمتع بذاكرة مدهشة، يعرف أن  فلانا هناك، وفلانا هنا، وأماكن مخازن الذخيرة والسلاح، وقبل الجلاء بأيام نفذ إبراهيم  الرفاعي أكبر عملية عسكرية في بورسعيد، كان يوجد للإنجليز تجمع للدبابات في مكان بين البيوت، بعد فترة منع التجول خرج على رأس مجموعات انتشرت حول مكان تمركز الدبابات، بحيث يتم قطع جميع الشوارع المؤدية إلى    المعسكر، وصل إبراهيم  على رأس أول مجموعة إلى    مسافة 50 مترا من الدبابات، اختفوا خلف براميل أسمنت، أطلقوا ثلاثة صواريخ، وانفجرت ثلاث دبابات، ارتجت المدينة، هرع الجنود البريطانيون من العمارات المحيطة، وأطلق عليهم إبراهيم  والرجال ألوان الرصاصات في نفس الوقت ثم تدمير ست دبابات أخرى، وانسحبت قواتنا، كان إبراهيم  آخر من غادر المكان، بعد أن اطمأن على ذهاب كل مواطن إلى    مكانه فى المدينة، كانت هذه العملية ذات أثر حاسم فى الإسراع بانسحاب القوات المعادية إلى    منطقة الجمرة، وبقى إبراهيم  داخل المدينة يشارك في المقاومة حتى دخول وحدات الجيش...
لنصغ إلى    صوت آخر يحدثنا عن إبراهيم  الرفاعي.
«أنا مدين له بحياتي، منذ خمسة عشر عاما اشتركت في دورية سير لاختراق منطقة وعرة من الصحراء الغريبة أمامنا بدأ اللون الأصفر لا نهائيا نمشي وخط السماء المنطبق على الأرض لا يتغير تجردنا من ثيابنا قطعة قطعة، بدا أننا فقدنا الطريق، تزيد بنا الظلمة حاولنا دفن رؤوسنا في الرمال لنحتمي من شمس أغسطس الصحراوية الملتهبة،  شربنا بولنا، كما قيل لنا فيما بعد أن إبراهيم  الرفاعي الذي اشترك في هيئة التحكيم أبدى قلقا، لم يقلق كما نقلق نحن، ثم تتماسك أصبعه ثم تنفرج ثم يقطع المكان ذهابا ومجيئا قالوا إن عينيه ثبتت في اتجاه واحد، فجاة طلب من رئيس الهيئة السماح له بالاتجاه إلى    عمق الصحراء اللا نهائي بحثا عن المفقودين، بسط الخرائط اختار أصعب الطرق الذي يتصاعد على خط الطابور، حمل عددا من زمزميات الماء وعددا من القنابل الصوتية، مشى سبع ساعات متصلة في درجة حرارة تقارب أربعة وأربعين، وكل مسافة معينة يفجر قنبلة حتى يلفت نظرنا إلى  أن هناك من يبحث عنا، سمعنا انفجار القنبلة، صحنا، قدم لنا جرعات ماء قليلة صبها فى غطاء الزمزميات، جرعات لا تكفي لبل جدران حلوقنا، حتى أننا لم نطلب المزيد، تصور حالتنا، الجوع، الظمأ، الإنهاك، مع هذا عدنا مع إبراهيم  الرفاعي مشيا على الأقدام قبل وصوله بدا مستحيلا أن تخطو مترا واحدا، مشينا سبع ساعات بين الحين والآخر يفد إلينا قليلا من الماء في غطاء الزمزميات، كان يبدو عالما بكل شبر في الصحراء، كان خلية بينه وبين الرمال، احتملنا المشي معه، كيف، لا أدري حتى الآن .. هذا هو إبراهيم  الرفاعي».
«1967»
عقب يونيو 1967، استقر جرح غائر فی أعماق إبراهيم  الرفاعي، وظل هذا محركا له فى الفترة الواقعة بين الهزيمة 1967 والانتصار في أكتوبر 1973، والذي استشهد بعد أن عاش أياما منه، برغم ما جرى في يونيو إلا أن إيمانه بالمقاتل المصرى لم يتزعزع، كان إبراهيم  الرفاعي يعشق قراءة تاريخ مصر خاصة تاريخها العربي، كان مثقفا، يحب الأدب ويقرأ الشعر، ويخشع إذ يصغى إلى    قطعة من الموسيقى الكلاسيك.
في الأيام الأولى التالية للهزيمة، تقرر دفع مجموعة للقيام بعمليات استطلاع على المـحور الشمالي الذي كان الموقف فيه غامضا. حيث ترددت شائعات بنية العدو في دفع طابور مدرع لمحاولة الاستيلاء على بورسعيد، عندما علم إبراهيم  الرفاعي بطبيعة المهمة طلب القيام بها، وفعلا قام باستطلاع المنطقة وكان هذا المحرر خاليا من أى قوات للجيش المصرى في ذلك الوقت بعد نجاح هذه العملية اقترح إبراهيم  الرفاعي القيام بعمليات ذاتية، وبدا يستعد للقيام بهذه العمليات، قام بعمليات استطلاع مدروسة على الواقع، ثم توفير المعدات الفنية اللازمة، والأهم هو تكوين مجموعة تضم خلاصة مقاتلى مصر، مجموعة من الرجال المنتمين إلى    مختلف الأسلحة والتشكيلات يلاحقون العدو في كل مكان من سيناء، توجه إليه أوجع الضربات. وفيما بعد كانت الضربات الموجعة سمة مميزة وأساسية لجميع العمليات التي قام بها إبراهيم  الرفاعي، في كل عملية حرص على أن يترك أثرا موجعا وداميا في العدو يثبت به جوهر المقاتل المصرى وجسارته، كانت العمليات المحدودة التي قام بها فى أعتاب سنة 1967 تمثل بداية الرد المصرى على العدوان وتعيد الثقة إلى    نفوس الرجال في وقت ينزف بالجراح، ومن أبرز هذه العمليات التي تمت وقتئذ تفجير مئات الأطنان من الذخيرة التي تركتها الوحدات المصرية عقب الانسحاب، اندفع إبراهيم  إلى    سيناء في هذه الأيام التالية للنكسة مباشرة، واندلعت ألسنة اللهــب والانفجارات المخيفة إلى    السماء ومع بداية حرب الاستنزاف عام 1968، بدأت هجمات إبراهيم  الرفاعي ورجاله، رجال المجموعة "39". لم يكن الرجال قد فكروا في اسم لمجموعتهم عندما بدأوا العمل ضد العدو، وعندما تقرر إطلاق اسم عليها كانت المجموعة قد أتمت 39 عملية ضد العدو. من هنا عرفت باسم المجموعة ( 39 ) قتال.
وجه الرجال ضرباتهم إلى    العدو من رمانة شمالا حتى رأس محمد فى اقصى الجنوب من سپناء، کان قائد تشکیل مصری مرابط على امتداد خط المواجهة، يقول .. «إبراهيم  كان عندى وعبر من هنا»..
«صواريخ جديدة» 
في منتصف عام 1968، رصدت قواتنا ظهور أنواع جديدة من الصواريخ في جبهة القتال، كانت الصواريخ مثبتة على قواعد، ترتبط بأسلاك معدنية، عبر إبراهيم  الرفاعي القناة ومعه أربعة رجال من المجموعة، ارتدوا الملابس الخاصة بالضفادع، تسللوا إلى    موقع العد في الشط، كانوا لا يحملون الا خناجرهم وفصالات سكك، استطاعوا قطع اسلاك الصواريخ والعودة بمئات من هذه الصواريخ، والطريف أن الصواريخ استولوا عليها من مكان لا يبعد أكثر من عشر خطوات من دشم الموقع وكانوا يسمعون شخير أفراد العدو النائمين، وحركة أفراده الليلية الذين يتولون نوبات الحراسة، بعد أيام كان الرجال يستقلون قوارب الزوارك، ويتحركون من منطقة بورسعيد لينزلوا خلف موقع شرق بور فؤاد، وذلك لتلغيم الطريق الساحلى، كانت المنطقة التي قرروا النزول إليها ذات مياه ضحلة، يصعب تماما الاقتراب منها لهذا لم يتوقع العدو مجيء أی مقاتلين إليها لكن الأمر بالنسبة لإبراهيم  الرفاعي كان مختلفا، قرر أن يتسلل من هذه المنطقة ولم یکن القرار عشوائيا، إنما استند إلى    دراسة علمية دقيقة استعان فيها بضباط بحريين انضموا إلى    المجموعة «39» ، وذلك حول حركة الأمواج ، والمد والجزر، في هذه المنطقة، كان معه رجال يعتبرون بحق فنانين في رص الألغام في ثوان وينسحبون، كانوا يختارون مواقفهم بعناية على الطريق، يبدأون حفر أماكن الألغام في أثار المجالات فوق الأرض، ثم يضمون الألغام بعناية، ويسوون مكان الحفر، ثم يخرج كل منهم قطعة من كاوتشوك السيارات ليحدث بها أثارا تشبه أثار المجلات التي سبق مرورها لئلا يلحظ أی إنسان أثارا غير عادية في المكان.
كما قال أحد المقاتلين «كانوا يؤدون عملهم بمزاج»، ولكن هذا المزاج يؤدی بإبراهيم  الرفاعي ورجاله إلى    قضاء وقت أطول من المقرر، ويثير هذا قلق الرجال في مراكز المتابعة للضفة الغربية، ولا ينتهي القلق إلا بعودة إبراهيم  الرفاعي.
هل كان هذا يعنى أنه مجازف، أو مغامر، أو يريد الانتحار، لم يكن مجازفا لأنه يدرس كل شيء، كل خطوة بعناية، ولم يكن مغامرا لأنه كان يحارب من أجل هدف، من أجل مصر، ولم يكن يريد الانتحار لأنه كان محبا للحياة، مؤمنا بالنظام، كان عاقلا من طراز فريد، ومثالي.

«لسان التمساح»
قامت المجموعة «39» بقيادة إبراهيم  الرفاعي بعملية ناجحة هاجمت خلالها موقع لسان التمساح شرق الإسماعيلية . بلغ من عنف الغارة ان الموقع الإسرائيلي لمرة «9» رفض تقديم المساعدة إلى    لسان التمساح وعندما أصدر قائد القطاع أوامره إلى    نمرة 9 بمساعدة زملائه امتنع بعد أن رأى عنف الهجوم، لكي ينجد الموقع كان عليه أن يتقدم في الأرض الفاصلة بينهما، خاف من الكمائن المصرية، ونهى هذا الموقف تماما لمفارقته بموقف معاكس سيتم في نفس المنطقة من رجال المجموعة 39 قتال، وقائدهم إبراهيم  الرفاعي بعد الخسارة الأولى قام العدو بتكثيف الدبابات من الموقع ، زاد من ضيق المسافات بين الأسلاك ضاعف حقول الألغام، وفي جانب قواتنا قرر أن تقوم بالهجوم مرة ثانية على الموقع، بل تقرر في هذه المرة اقتحامه تماما، وكان ذلك بعد شهر واحد من الهجوم الأول في الفجر كانت السيارات التي تحمل أفراد المجموعة (39) قتال تدخل إلى    مدينة الإسماعيلية  ويبدو أن أحد عملاء العدو قد رصد مجيء السيارات التي تحمل شعار المجموعة، وأبلغ العدو  ، هذا ما استنتجته أجهزة التنصت على العدو. قام إبراهيم  مع بعض المقاتلين باستطلاع أخير للموقع الذى تقرر الهجوم عليه. يبدو أن إبراهيم  الرفاعی تأكد من اكتساب العدو   لاستعدادات الهجوم ، لكنه لم يتراجع.
ثمة مواقف كثيرة مشابهة جرت وستجرى فيما بعد، حدث من قبل أثناء عبور خليج السويس بواسطة القوارب أن تعطل قارب من ثلاثة، انتقل الأفراد الذين كانوا في القاربين الآخرين لم يتردد إبراهيم  الرفاعي إنما استكمل طريقه لإتمام العملية وفى عملية أخرى استقل مع أفراد المجموعة ثلاث طائرات هليوكبتر، وأثناء تحرك الطائرات فوق الخليج متجهة إلى    سيناء ظهرت طائرات العدو   المقاتلة في سماء المنطقة، بدأت في القاء المشاعل، طلب من إبراهيم  الرفاعي العودة، لكنه اكمل طريقه، لم يمنعه شيء عن التوجه إلى    هدفه مهما كانت الظروف.
هكذا عبر القناة مع رجاله في عدة قوارب، تقدم قارب الاستطلاع، ووزع الأفراد على مجموعات، أربع للاقتحام، واثنتان لستر الانسحاب، ومجموعة قيادة من إبراهيم  الرفاعي وضابطين ومساعد اسمه أبو الحسن، بدأ موقع رقم 9 يضرب طلقات كاشفة، انطلقت قذائف العدو، تقدمت دبابات العدو من الخلف، صدرت الأوامر من الضفة الغربية والعودة، لكن الرجال واصلوا هجومهم، ثم اقتحام الموقع، وجرى اشتباك بالسلاح الأبيض وارتفعت أصوات الخناجر إذ تغوص في أجساد العدو، تم تطهير الموقع برغم اكتشاف العدو المبكر للعملية، لكن وقعت خسائر كبيرة في المجموعة بعد العودة إلى    الضفة الغربية اكتشف إبراهيم  اختفاء عدد جنوده فی المجموعة ويقرر العودة للبحث عنهم، نزل إلى    قارب مع عدد من رجاله، عبروا إلى    الضفة الغربية وتحت قذائف المدفعية والدبابات صاروا يصيحون بمكبر للصوت على الجنود المتخلفين، كان هذا يمثل قمة التحدي. أثناء العودة حاول العدو قطع الطريق عليهم، قررر الرجال الاندفاع إلى    داخل سيناء صادفوا قاعدة الصواريخ المهوله، دمروها، ارتفعت ألسنة اللهب، ثار العدو، وسمع ارتباك فظيع بين رجاله، استغله إبراهيم  الرفاعي للعودة برجاله.
كلمات من طيار مكتوبة على نموذج طائرة ميج 21 النموذج موجود الآن في صالة بيت الشهيد أخى وعزيزي المقدم  أ.ح إبراهيم  الرفاعي أهديك هذا النموذج تقديرا للأعمال البطولية التي قمت بقيادتها، إن عملية اقتحام لسان بحيرة التمساح مساء 19-4-1969. من العمليات البطولية الفذة التي سيخلدها التاريخ.
أخوك رائد طيار "..." 26 -4-1969
أثناء الإغارة على عيون موسى بالصواريخ في «يونيو 1969»، لصبرا عدة صواريخ تنطلق طبقا لجهاز زمنى وبعد عودتهم رصدوا انطلاق عدد من الصواريخ وتعطل الآخر، وبرغم خطورة الموقف فإن إبراهيم  يصر على العودة ليصلح أجهزة الإطلاق، ويراه الرجال متقدما، فيصحبونه، وتنجح مهمتهم وتتطلق الصواريخ الأخرى. 
كان يقدم على أخطر العمليات، وقال عنه البعض أنه «محجب »، وتناقلت أخباره وحدات القوات المسلحة، لم يكن عبوره إلى العدو هو الخبر، إنما عودته، بعد كل إغارة به كانت أجهزة التقاطنا اللاسلكية تلتقط استغاثات العدو، كان أفراده في بعض المواقف يصرخون كالنساء وبعد عودته من إحدى الغارات، تقدم منه ضابط المخابرات المصري في المنطقة قال إن أحسن هدية يقدمها إليه، شريط تسجيل عليه استقالات العدو أثناء الغارة.. ولكن ما حدث فوق رصيف الكارنتينة، كان يمثل قمة التحدى، ليس للعدو فقط، إنما الخطر، والموت ، ولكل ما يهدد حياة الإنسان.
 «الكارنتينة»
هاجم إبراهيم  الرفاعي والرجال رصيف الكارنتينة الواقع على خليج السويس، تسللوا إلى السقالات الموجودة ولفوها من الجانبين، تراجع الرجال إلى خط الانسحاب رقم (1).
بدأ إبراهيم  يراقب الرصيف منتظرا انفجار الألغام، وفجأة دوى الانفجار، لكن اتضح أن الجانب الأيمن انفجر، أما الجانب الأيسر فلم ينفجر، وهنا يقرر إبراهيم  الصعود إلى    الجانب الأيسر الملغم والذى قد ينفجر في أية لحظة، اشعل فتيلا يؤدي إلى انفجار الألغام، في هذه اللحظة بدأت دبابات العدو تتقدم على البر وتطلق مدافعها في اتجاه الرجال، عادوا إلى القوارب بدأوا التحرك.
لم يكلف إبراهيم  شخصا آخر بالصعود إلى الجانب الملغم، إنما صمد هو، عندما يشعر أن هناك أحدا يمكن أن يموت، لا يقبل أن يقال فيما بعد أنه دفع أحد رجاله إلى الموت، كان أول تقارب يلمس الضفة الأخرى حيث العدو قارب إبراهيم، وكان آخر مقاتل ينسحب إبراهيم، كثير ممن عرفوه يقولون أنهم كانوا يشعرون أن ثمة قضاء مؤجل باستمرار بالنسبة له، كان إبراهيم  يخشى أن يموت في إحدى العمليات من نزيف القرحة، كان مصابا بقرحة في المعدة، وفى جميع العمليات كان أحد ضباطه المقاتلين معه يحمل حقنة معقمة ليغرسها فى ذراع إبراهيم إذا ما أتاه الألم، وهذا الضابط كان طبيبا بالقوات المسلحة، ثم تطوع للعمل مع إبراهيم  الرفاعي، وشارك فى جميع العمليات التي قام بها.
کان إبراهيم  لا يهدا، إما أنه يفكر في عملية جديدة، أو يخطط لعملية، أو يقوم بتنفيذ عملية. في كل مرة يمضى بالسيارة من مقر المجموعة إلى مقر القيادة يلتفت إلى    السائق عبد المؤمن، الذى صحبه أكثر من عشرين عاما «ربنا يسهل ويوافقوا على المهمة» کانت لديه أهداف مفضلة يحرص على اختيارها والتعامل معها. بالتأكيد لأن ذروة مشاعره تلك اللحظات التي قضاها في سيناء، حدث أثناء وجوده على الضفة الأخرى أن تأخر من الوقت المحدد للعودة، بدأ أحد القادة يناديه باللاسلكي «الوقت المحدد لك انتهى.. »
ویجيب إبراهيم  أن أمامه بعض الوقت لإلهاء مهمة معينة، ويضطر الضابط الكبير إلى أن يذکره بولدیه سامح ولیلی. هنا يغلق الجهاز، إنه يحب ولديه، ولكن لابد أن ينجز ما يقوم به.
«المرض» 
تتحدث كبيرة الممرضات التي أشرفت على علاجه عندما أصيب عام 1972 بالقرحة. كان زملاؤه من الضباط والجنود يزورونه، يناقشهم فيما قاموا به. تدخل عليه فإذا به يتحدث عن العدو، يقول كان من المفروض أن تدخل من هنا أو عندما جاء العدو من المنطقة الفلانية كان من المفروض أن تأتي إليه من هنا..
أثناء رقاده يبدو أنه علم بخروج الرجال إلى مهمة، كان في قمة ضيقه، كيف تخرج المجموعة بدونه لأول مرة.
لقول الممرضة: «وقبل نهاية علاجه فوجئنا به بغادر المستشفى، يقول أحد رجال المجموعة «39» مستعيدا تلك الأيام: جمعنا للإبحار من نقطة معينة على خليج السويس، كنا نخرج لأول مرة لملاقاة العدو بدون قائدنا إبراهيم  الرفاعی، قبل أن نركب الزوارق فوجئنا بسيارة جيب تقترب من موقعنا، توقفت، نزل منها العقيد إبراهيم  الرفاعي، كان قادما عبر مدق صحراوى وعر لمدة ست ساعات ليلحق بنا، لم يستطع البقاء بعيدا، لم يرغمه المغص على البقاء فى الفراش بينما رجاله يقومون بالعبور إلى الشرق.
« الخلاص »
6 أكتوبر 1973، يوم الخلاص بالنسبة لإبراهيم  الرفاعى، وكافة رجال المجموعة (39) قتال، دق جرس التليفون في مقر قيادة إبراهيم  الرفاعي أكثر من مرة، التقى بالعديد من الرجال، كانت العبارة المتبادلة على شفاه الجميع:
«مبروك.. الحرب قامت»
كلفت المجموعة بتنفيذ عدة عمليات قتالية ضد أهداف معينة تقع على خليج السويس، كان لدى الرجال خبرة عالية ودقيقة بكل شبر فيه، من أحد المطارات تحركت ثلاث طائرات هليوكبتر، مدافع الجريدون مثبتة بالزوايا بجوار أبواب الطائرة، تم زوايا المدافع، ركب كل اتنين في ذاكرة.
لقد تقرر ضرب منطقة بلاعيم، تنفيذا لقرار الرئيس أنور السادات بحرمان العدو من بترول سيناء.
قال إبراهيم  قبل ركوب الطائرة، أنه إذا لم نجد مقاومة فسننزل  للغيم الثكنات، لكن إذا وجهنا بمقاومة أرضية على المرقع بالهليوكبتر، طارت الطائرات مسافة زمنية طويلة. الطيران على ارتفاع 10 - 15 مترا، الريح يعكس اتجاه الطائرات، لاحظ المقاتلون في الطائرات أن لون الأرض القاتم يخف قليلا، استنتجوا أنهم عبر الخليج ويقتربون من اليابسة، خبرتهم علمتهم أنهم إذا كانوا يطيرون فوق المياه في الظلام يكون اللون غامقاً ويخف تدريجيا كلما اقتربوا من اليابسة، قرر قائد الطائرة الأولى إبراهيم  الرفاعى أن يتجه إلى اليمين ثم يقوم بالالتفاف فيبدو كأنه قادم من سيناء المحتلة. لكن العدو على التبة فوجئ بالصواريخ المعادية، وكما يعبر أحد رجال المجموعة:
«لقيت الدنيا بتمطر صواريخ بالمشقلب، يعني الصواريخ تجيء من الأرض إلى السماء بالعكس»
 إذن، ألغى الاحتمال الأول، وبقى تنفيذ الاحتمال الثاني، ويتلخص في ضرب الصهاريج بالصواريخ، وضرب أفراد العدو بالرشاشات.
بدأ الرجال يضربون، فجأة برئت كتلة ضخمة من النيران أمام باب الطائرة، لقد انفجرت إحدى الطائرات الثلاث. في نفس الوقت اشتعلت مستودعات البترول ومنشآته بنيران عالية لدرجة أن الحرارة ارتفعت حول طائرة إبراهيم  الرفاعي، في طريق العودة لمحوا قافلة إسرائيلية في الخليج، داروا حولها، كانت الطائرات قد أغرقت صواريخها أثناء الهجوم، انقضت بالرشاشات على القافلة التي أطفأت أنوارها، غير أن نيران الرشاشات لا تؤثر كثيرا في سفينة كبيرة مثلها.
 «شرم الشيخ 7 أكتوبر»
اشترك في هذه العملية ضباط المجموعة (39) وأكفأ صف ضباطها، تقرر إبحار لنشات من الغردقة، ثم الرسو على رأس محمد، ثم نصب قواعد الصواريخ، وقرب منشآت الندر، إن المسافة من شرم الشيخ 110 كيلومترات، والبحر الأحمر عالى الموج، بلغ ارتفاع الموج ثمانية أمتار، كان قد تم التجهيز لهذه العملية قبل الحرب بسنة كاملة، في جو البحر العاصف استمر الإبحار لمدة ثمانى ساعات، انقلب أحد القوارب، أصبح إنقاذ القارب بحمولته معركة متكاملة، تقرر العودة إلى  جزيرة شدوان واتخاذها كنقطة انطلاق مع تلافي الأخطاء، ذهب إبراهيم  الرفاعي إلى الغردقة وعاد ببعض المعدات للرجال، تم اختبار أربعة قوارب، ثم تقليل الحمولة، بعد الإبحار اكتشفت الزوارق وبواسطة الطيران الإسرائيلي، استمر الرجال یكبرون تكبيرات صلاة العيد.. « الله أكبر أكبر »
ظهرت لنشات العدو.. أصدر إبراهيم  الرفاعى آخر إشارة في تلك الليلة.
«استعد للاشتباك» 
كان إبراهيم  يستقل القارب الأول أما القارب الثاني فيقوده ضابط شرف عمره 43 سنة، أب لعدد من الأبناء، مثابر، القارب الثالث يقوده المقاتل أبو الحسن، القارب الرابع يقوده المقاتل وسام.. أصبحت المسئولية  ملقاة على قادة القوارب بشكل كامل خاصة بعد صدور الإشارة اللاسلكية.. وبعد هذا مناورات متعددة قام بها كل زورق متفردا، أمکن تجنب لنشات العدو، وتفادی نیران مدفعيته التي أطلقها من البر، والعودة إلى القواعد التي تم الانطلاق منها، وعلى الرغم من أن المجموعة لم تهاجم هدفها وهو شرم الشيخ إلا أن ظهورهم في هذه المنطقة أحدث ارتباكا شديدا في صفوف القيادة الإسرائيلية، وكان موشى ديان يشرف بنفسه على عملية التصدى للزوارق.
وتتوالى عمليات إبراهيم الرفاعي على امتداد حرب أکتوبر، ضرب منطقة رأس محمد بالصواريخ في 10 أكتوبر.
14 أكتوبر إبراهيم  الرفاعي يقود رجاله لضرب منطقة البترول في بلاعيم بمدافع مضادة للدبابات، إن الهجوم في هذه العملية تم بطريقة ممهدة حيث أبحرت زوارق الرجال فوق منطقة مليئة بالشعاب المرجانية، وتمكنوا من الاقتراب من الشاطئ لخليج السويس، وإصابة أنابيب البترول إصابة مباشرة.

في يوم15 أغار الرجال على منطقة الطور تصدى لهم العدو بمقاومة عنيفة، في اليوم التالي قاموا بنفس المحاولة، قامت المجموعة بعبور الخليج في قوارب مطاط حتى تتفادى أجهزة رادار العدو، ويعد هذا تحديا لواحد من أعتى المناطق المالية في العالم. من الطريف أن أحد المقاتلين لمح عربة نصف جنزير فوق الشاطئ، قال إبراهيم  الرفاعي إنه لا يرى شيئا، أمر بالاقتحام، حتى لو جاءت عربة نصف جنزير، هل ستعطل أعمال المجموعة، أمر بالاقتحام، قبل لعب الصواريخ استطلع أحد الرجال هذه العربة، عاد مبتسما.
کانت شجرة من الشوك تبدو من بعيد وكأنها جسم عربة فعلا، في اليوم التالي تكرر الهجوم ثانية على نفس المنطقة إن هذا الأسلوب يذكرنا فيما قام به إبراهيم  الرفاعي عندما ذهب إلى الجبهة الأردنية في عام 1969، وشارك الفدائيين الفلسطينيين في هجماتهم ضد العدو، لاحظ أن الفدائيين ينصبون صواريخهم لم يطلقونها على المستعمرات مرة واحدة، لقد أضاف بعدا جديدا إلى هذه العمليات عندما وجه قصفة ناجحة إلى إحدى المستعمرات، بفارق مكانه ، وبعد ثلاثين دقيقة وجه من المكان قصفة ناجحة إلى إحدى نفس المستمرات ولم يفارق مكانه وبعد ثلاثين دقيقة وجه من نفس المكان قصفة أخرى إلى  نفس المستعمرة.
یوم 17 أکتوبر هاجم إبراهيم  والرجال مطار الطور بالصواريخ الثقيلة يوم الجمعة 19 أکتوبر يومان فقط . 
«البيت»
شقة صغيرة متواضعة في إحدى عمارات مصر الجديدة، الأثاث متواضع ولكنه يحوى ذوقا رفيعا، إن البيت يخلو من كل ما هو زائد عن الحاجة، ترجع بساطة البيت إلى    ظروف زواج إبراهيم  الرفاعي بعد لمسة حب عفيفة أسس بعدها هذا البيت . كما ترجع إلى  شخصيته البسيطة التي كانت تنفر من المظاهر، ولم يرتد هو وامرأته أو أطفاله أی ثياب مستوردة، وعلق على هذا يوما في حديثه إلى    أقاربه قائلا: إذا لم نرتد نحن مصنوعاتنا الوطنية فمن سيرتديها.
تقول الزوجة التي ترك بصماته الواضحة على شخصيتها : لم يكن يصرح لي بتفاصيل العمليات التي يقوم بها، لكنني بعد رفقة عمر بأكملها، أصبحت أشعر بالأوقات التي يعبر فيها لقتال العدو، كنت أعرف منه حبه الشديد لمواجهة الخطر، واقتحام الصعب، كانت كلمة مستحيل لا وجود لها فى لغته، لا تتصور مدى إحراجه وخجله من مواجهة نفسه لو تصور أنه عاد من عملية دون أن ينجزها، أن يقول لقادته، لم أتمكن لأن العدو قام بكذا وكذا، هذا مستحيل لا يقبله، كنت أسهر طول الليل أنتظر رجوعه في كل مرة أتوقع الخطر لنفسه، عندما يدق الباب غالبا فى اللحظات الأخيرة من الليل، أفتح له يدخل وعلى وجهه تعبير خفي، كأنه أنجب طفلا جديدا، أعد له الماء الساخن لم يكن إبراهیم زوجي فقط، إنما كان أستاذي وصديقي الذي لا يمرض.
إن خطاباته إليها موجزة المواقف مثبوتة فيها لأتبين لكنك تشعر بها تقرأها من بين السطور، إن العاطفة البارزة فيها حب مصر لا يخلو منه زوجته عن مصر قبل قيامه بعملية ضرب بلاعيم يوم 6 أكتوبر كتب إليها يقول: عندما يصل هذا الخطاب إليك أكون في طريقي لملاقاة العدو.. قولي لمن تقابلينه أن مصر فيها رجال قادرون على هزيمة العدو...
في البيت البسيط لوحة كبيرة علق عليها ما يقرب من مائة ميدالية حصل عليها في المبارايات الرياضية، فى صالة الاستقبال علقت على الجدار عشرات البراءات التي أعلن حصوله على الأنواط والأوسمة التالية :
• نوط الشجاعة العسكرية من الطبقة الأولى 9 مارس 1960
• ميدالية الترقية الاستثنائية 1 يونية 1965
•نوط الشجاعة العسكري من الطبقة الأولى 1 قبراير 1968
•وسام النجمة العسكرية أكتوبر 1968
•وسام النجمة العسكرية 1969
•وسام النجمة العسكرية 23 أكتوبر 1969
•نوط الواجب العسكري من الطبقة الأولى 17 ابريل 1971
•نجمة الشرف العسكرية 18 أغسطس 1971
•نجمة سيناء 1974
كان صدره لا يتسع لهذه الأوسمة إذا ارتداها كلها إن ابنه سامح الذي ينوي دخول الكلية الحربية، بعد أسابيع قليلة من استشهاد البطل زرت أسرة البطل وراح ابنه يعرض لي أوسمة والده وكانت زوجته متماسكة شجاعة وفرت علي قدرا كبيرا من الحرج إذ أوجه استفسارا حول حياة الشهيد وأطلب الإجابة من أقرب الناس إليه، كأني أغوص بمبضع جراح في جرح مازال طربا بعد عام من استشهاده قمت مع زوجتى بزيارة أسرة الشهيد، كان الحزن يترك اثرا لا تخطئه العين فى وجه زوجة الشهيد، ولاحظت أن الباب الرئيسي للمسكن له أضيف إليه ترباس نحاسی متين، يؤكد إغلاقه من الداخل.
«البطولة»
الخميس 18 اكتوبر، اتصل سمير الرفاعي بشقيقه إبراهيم، استفسر منه  هل سيحضر فى الميعاد الأسبوعى الذى يجتمع فيه الأبناء سامي المقاتل بالقوات المسلحة، وسمير، عند الوالد والوالدة بالعباسية، قال إبراهيم  إنه لا يضمن الظروف.
في ليلة الخميس شوهد إبراهيم  الرفاعي في غرفة عمليات القوات المسلحة. كان قد صدر أمر إلى  المجموعة بتدمير المعبر الوحيد الذي أقامته القوات الإسرائيلية فوق القناة ظهر الجمعة ذهبت الزوجة مع سامح وليلى إلى البيت الكبير، كان المفروض أن يتناولوا طعام الإفطار فى غروب ذلك اليوم كلهم معا.
ظهر الجمعة أيضا، في الجبهة، كانت مهمة المجموعة تتغير من  تدمير معبر العدو الوحيد إلى التقدم جنوب الإسماعيلية  للتصدي لمدرعات العدو. 
عند الظهر تماماً، تنفد شظية حادة إلى ظهر المقاتل العظيم إبراهيم  الرفاعي، يقاتل الرجال للعودة بجثمان قائدهم كان هادئ الوجه يعض شفتيه بأسنانه يحمله المقاتل أبو الحسن الذي رافقه في معظم العمليات التي قام بها، ثمة دماء قليلة تنزف من يرى الشهيد يخيل إليه أنه فى اغفاءة بسيطة، يلتمس بعض الراحة بعد هذا القتال الطويل.
«وثيقة شرف»
البطل الشهيد العميد أ.ح إبراهيم  الرفاعي.. استشهد في ميدان التضحية والشرف، في معارك التحرير عام 1973، وأن القائد العام للقوات المسلحة الذى يبلغكم التعزية الصادقة للسيد رئيس الجمهورية والقائد الأعلى. وعزاءه الشخصي، ليسجل بكل فخر واعتزاز أن الشهيد كان مثلا للشجاعة والبسالة في میدان القتال، وأن اسم الشهيد الذي سبقنا بشرف الشهادة سيظل خالدا في قائمة المجد، وسجل الشرف.

لحظة الدفن، امتلات صدور الحاضرين برهبة كان الشهيد مبتسم الوجه برضا، عليه ملامح قائد عظيم، كان هادئا، وبدا تلخيصا حيا لروح مصر.
يقول أحد القادة الذين عرفوه جيدا، الآن وبعد ثلاث سنوات من استشهاد إبراهيم  الرفاعي: لا أعتبر أن إبراهيم  قد مات، كأن السكينة سارقاني، لكثرة ما تعودت قدرته على اختراق الصعاب، ومواجهته للموت وعودته سليما، يخيل لي أن إبراهيم  في مأمورية طويلة، وأن بابي سیدق يوما، أفتحه فأجده باسم الوجه، يقول كعادته معلنا أداء مهمته.. 
- تمام يا فندم.. نفذت العملية

نشر في عدد الهلال - أكتوبر 2023