الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

حادثة عمود السواري ومحاولة إلباس الباطل ثوب الحق!

  • 10-10-2023 | 13:42
طباعة

حادث اعتداء أحد أفراد الأمن علي بعض السياح العُزل بمزار عامود السواري السياحي بمحافظة الإسكندرية لهو حادث فردي، ولا يعبر عن توجه دولة، ولا توجه جهة بعينها تجاه السياح الوافدين الي بلادنا ومقاصدها السياحية، وما قام به هذا الشخص هو فعل اجرامي نستنكره ونرفضه تجاه أي سائح أو أي شخص اعزل لم يبادرنا أو يبادر بلادنا أو قواتنا بالعداء، وسيختلف معي البعض فيما أقول بنعت منفذ العملية بوصف (مجرم) وهو توصيف صحيح وسليم من الناحيتين القانونية والأخلاقية أيضًا ، لأن ما فقام به هذا الشخص هو (خيانة للعهد) الذي بيننا كدولة مستضيفة للسائحين، وبين هؤلاء الضيوف (ودونما نظر الي جنس او لون او جنسية او شخص او معتقد ديني او السياسي لهذا الضيف او حتي أيدولوجياته السياسية) فهو فعل فردي من شخص قرر في لحظة طيش وهوي ملكت عليه نفسه تنفيذ عملية لا طائل منها ولا نفع مرجو من ورائها ، اللهم إلا أضرار ستلحق بنا و بالإقتصاد الوطني الذي يعتمد في  جزء كبير منه علي السياحة الوافدة، نسأل الله أن يقوينا علي التعافي من أثار هذا الفعل الغير مسئول ، وما قام به هذا المجرم وفي إطار قرار (فردي) لا يعبر عن سياسة بلد او حتي عن مزاج شعبي موجه ضد ضيوف هذا البلد الذي قال عنه المولي عز وجل (ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)، وهو عهد ووعد من فوق سبع سموات لكل وافد الي هذه الآراض المباركة أنها بلد الأمن والأمان لساكنيها وضيوفها أيضًا ، وفي هذا المقام لا أجد ابلغ من ما جاء في رد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية علي خلفية هذه الواقعة المؤسفة والذي جاء به ما يلي : ( لم يبح الإسلام التعرض بأي أذى للإنسان الذي تمنحه الدولة تأشيرة الدخول لأراضيها ، فهو بموجب هذه التأشيرة أصبح له حق الأمن والأمان ويتكفل له المجتمع بالأمان والتعاون على حمايته وصيانة دمه سواءٌ أكان مسلمًا أم غير مسلمٍ ، لقوله سبحانه لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ) ،  وأن الآية الكريمة تُشدد على منع الاعتداء على المستأمن ، وهذا ما يسمى في الشريعة بـ ( المستأمن أو المعاهد ) ، وهو الإنسان الذي يأتي إلى بلدٍ في إطار القانون المنظّم لشئونها ، ويدخل في ذلك (الطلاب الأجانب ، والسفراء ، والتجار ، والسياح ) وغير ذلك.

أضيف الي هذا البيان البالغ الأهمية أن السائح الوافد الي بلادنا ليس عـدو لنا ، ولا هو في مواجهة معنا علي جبهة القتال ، ومن ثم تأمينه وحمايته وحماية نفسه وماله هو مسئولية تضطلع بها الدولة بكافة أجهزتها ، وكذا ساكنيها بالتضامن بينهم ، فهو أمن علي ارض مصر طالما اننا وافقنا علي زيارته لبلادنا والتمتع بأجوائها ومعالمها السياحية والترفيهية الرائعة.

وسائني عقب تلك الواقعة ما قام به أحد الزملاء من كتابة علي صفحته علي موقع X (تويتر سابقًا) من تطوعه للدفاع عن فرد الأمن منفذ عملية الإسكندرية ، وهو مبادرة متوقعة بأن يتصدى أي زميل محامٍ لمهمة الدفاع عن أي شخص ارتكب واقعة جنائية تستوجب محاكمته وعرضه علي جهات التحقيق والتقاضي ، فهذا حق للمتهم وفقًا للدستور والقانون وبخاصة المادة 96 من الدستور المصري المعدل في يناير 2014م ، والاستعانة بمحام من أبرز ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة و كفالة حق الدفاع ، وهي ضمانة ثابتة بموجب الاتفاقيات الدولية والتشريعات المصرية ، وكذا كل ما يتفرع عن هذا الحق من حقوق كحق المتهم في اختيار محاميه ، ووجوب دعـوة هذا المحامي في الأحوال المقررة قانونًا ، حيث كفل الدستور المصري حق الاستعانة بمدافع ، كما تضمن قانون الإجراءات الجنائية وقانون المحاماة أحكامًا تنظم ذلك الحق وتكفل للمتهم حق الاستعانة بمدافع.
ولكن ما سائني في هذا إعلان التطوع للدفاع عن هذا الشخص هو ما جاء في سياق تصريحات الزميل في مداخلة متلفزة مع الإعلامي / عمرو أديب ، ببرنامجه مساء يوم الواقعة ، ومحاولته تبرير هذا الفعل الإجرامي ، بأن المتهم قام بهذا الفعل من باب تعاطفه مع إخواننا بالأراضي المحتلة ، ومن منطلق تفاعله مع الأحداث الدائرة بالداخل الفلسطيني ، وما تم من مواجهة جديدة بين بعض الفصائل الفلسطينية المسلحة وبين جيش الاحتلال الصهيوني في عملية عرفت باسم (طوفان الأقصى) ، وأن فعل هذا الشخص الذي اسقط برصاص سلاحه 2 من السائحين وكذا مرشد سياحي مصري مصاحب لهم هو فعل يشابه فعل البطل / سليمان خاطر ، المجند المصري الذي  أطلق النار على مجموعة من السياح الإسرائيليين عند نقطة حراسته التي تقع بالقرب من منتجع رأس برقة بمنطقة نويبع بمحافظة جنوب سيناء في 5 أكتوبر 1985 ، فقتل منهم سبعة من بينهم أربعة أطفال ، كما قتل ضابط مصري وجرح أربعة فيما عرف بحادث رأس برقة ، ثم سلم نفسه وتعرض لاحقًا لمحاكمة عسكرية والتي حكمت عليه بالأشغال المؤبدة ، وفي يناير 1986 عُثر عليه مشنوقًا في زنزانته في ظروف غامضة.
وهو قياس خاطئ بالتأكيد ، ويكشف عن حالة من استغلال مقيت لهذه الحادثة المسيئة للبلد وأجهزتها ، ولها ما لها من انعكاساتها الخطيرة علي حركة السياحة الوافدة لمصر ، وفي وقت نحن احوج ما نكون الي استقرار أوضاع السياحة الوافدة كأحد مصادر الدخل القومي المصري ، فخاطر كان مجند علي خط المواجهة مع العدو الذي مارس افراده أفعال استفزازية مع البطل خاطر فما كان منه إلا اطلاق رصاصات سلاحه على هؤلاء الأشخاص ، والذين اصروا علي تدنيس ومحاولة اختراق نطاق حراسته ، وعدم انصياعهم لتحذيراته التي اطلقها تجاههم اكثر من مرة لكنهم اصروا علي استفزازهم فكان ما كان .
وأضاف الزميل في احد التصريحات لموقع القاهرة 24 (نحن لا ندافع عن الفعل ولا ندعو الآخرين لممارسة هذا الفعل، ولكننا ندرك أن هناك ضغوط تمت على هذا المتهم فاقت تحمله فارتكب الواقعة) ، وهنا أتسائل أي استفزازات تعرض لها فرد الأمن في حالة عدد من الزوار او السائحين الذين عاهدنهم علي الأمن في أراضينا ، فجاء هذا الشخص ونقض منفردًا هذا العهد ، أي استفزازات كانت في زيارة اشخاص عُزل لمزار أثري بالإسكندرية الجميلة وبين شعبها المثقف الراقي المشهور عنه حسن الضيافة والكرم ، أي استفزاز في وجود سياح فوق أراضينا الطيبة (أيًا ما كانت جنسيتهم) ، إن محاولة قلب الحقائق والباس الحق ثوب الباطل وإظهار الجاني علي انه بطل شعبي وقومي ، ودعمة واستحسان فعلته الشنعاء لهو ناقوس خطر يدق بصوت عالي ، ولربما تكون تلك الحالة من استحسان فعلته ومحاولة تبريرها لهو دعوه غير مباشرة لتكرار تلك الوقائع الإجرامية والإرهابية تجاه السياح وضيوف مصر (والذين عاهدناهم علي الأمن والسلامة فوق اراضينا طوال فترة إقامتهم ببلدنا ) ، وهو ما يمكن ان يكون له تداعيات خطيرة علي اقتصاد البلاد ، وليس فقط الاقتصاد وتداعياته الخطيرة ، ولكن ايضًا علي سمعه مصر بلد الأمن والأمان ، وبما لا يتعارض او ينتقص من تعاطفنا وتضامنا شعب وحكومة مع حقوق الشعب الفلسطيني الصامد في الحصول علي أراضية المغتصبة من العدو الصهيوني ، نسئل الله عز وجل أن يلطف خواننا في فلسطين ويرفع عنهم ما هم فيه من ويلات تلك الأحداث الصعبة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة