الإثنين 29 ابريل 2024

الموقف على خطوط التماس في أوكرانيا

مقالات10-10-2023 | 13:51

الانقسامات فى أوروبا والولايات المتحدة تصب فى صالح روسيا

بدأت خلافات تظهر فى أوكرانيا مما ينذر بخطر الإنقسام مما قد يفرز قوى تتفاوض مع روسيا

تحول النزاع إلى حرب مواقع بحيث لا يستطيع أى طرف تحقيق تقدم

وزير الخارجية الروسى العملية تسير وفق الخطة ما يعيقها هو تدخل الناتو

قد يطلب الغرب من الرئيس الأوكرانى التخلى عن الدونباس والقرم لروسيا لحل للنزاع

سأبدأ هذا المقال بطلب تقدم به نائب البرلمان الأوكرانى أليكسى جونتشارينكو تقدم به للرئيس الأوكرانى بسبب ما وصفه النائب بالحالة الحرجة على خطوط القتال أو فى الجبهة وفى القوات المسلحة الأوكرانية بصفة عامة كما قال النائب، الذى أضاف إن الحالة فى الجبهة حرجة ويجب الخروج إلى الشعب وإخباره بكل شئ بصدق. السيد جونتشارينكو تحدث كذلك عن أن الأوضاع على الجبهة سيئة للغاية بالنسبة لأوكرانيا، لكن السلطات الأوكرانية لا تريد الاعتراف بذلك. وأشار النائب فى معرض حديثه عن تفاؤل القيادة الأوكرانية أنها بدلاً من أن تقول الحقيقة للشعب، تتحدث عن حفلات الشواء التى ستقيمها فى يالطا بالقرم بعد استعادتها من روسيا العام القادم. من ناحية أخرى امتدح المستشار السابق لدى الديوان الرئاسى الأوكرانى اليكسى أرييستوفيتش الشعب الروسى فى لقاء مع معارضين روس "روسيا الحرة"، وتحدث عن أن الغرب قد يطلب من الرئيس الأوكرانى التخلى عن الدونباس والقرم، وفى هذه الحالة لن يكون أمام الرئيس زيلينسكى سوى الخضوع، من الممكن الحديث عن الخلافات داخل المعسكر الأوكرانى كما نشاء، لكن على أى حال هذا يعكس انقسام داخل القيادة الأوكرانية، وبصفة عامة الجميع مرهق.

وإذا تحدثنا عن أوروبا نجد أن عديد من الدول الأوروبية، بل والولايات المتحدة نفسها بدأت تمل من مسألة المساعدات بلا حدود، وما قرار الكونجرس والخلافات فيه بشأن المساعدات المالية الأمريكية لأوكرانيا سوى نموذج، وإن كان مسئولون أوكران يتحدثون عن مساعدات بحوالى 5 مليار دولار ومساعدات أخرى مستقبلية قدرها حوالى 26 مليار دولار، وفى أوروبا نجد فوز أنصار عدم تقديم المساعدات لأوكرانيا مثل ما حدث فى سلوفاكيا، التى بدأ شعبها يتبرم من التواجد الأوكرانى الكثيف، مما قلص من فرص العمل أمام المواطنين السلوفاك. وهناك خلاف الحبوب مع بولندا عشية الانتخابات الرئاسية التى ستجرى فيها فيها مما قد ينعكس بلا شك على نتيجة هذه الانتخابات. يأتى هذا على الرغم من أن بعض الدول مازالت تقدم المساعدات العسكرية لأوكرانيا مثل ألمانيا والسويد وفنلندا وأسبانيا، وفى حين تتحدث بعض الدول عن فض هذه الحرب، يرى الآخر وعلى رأسها الولايات المتحدة أهمية استمرارها لما فى ذلك من استنزاف لروسيا، باختصار على الساحة الدولية حالياً لعبة عض أصابع، فى انتظار من سيصرخ أولاً، ويراهن الرئيس بوتين على الملل الذى سيصيب الأوروبيين وقد قام بزرع شبكات تجسس الهدف منها دعم التيارات والقوى السياسية التى تعارض استمرار الحرب وتقديم مساعدات لأوكرانيا، وما فوز التيار المعارض لدعم أوكرانيا فى براتسلافا إلا مثال على ذلك، ولتأكيد الدور الذى قامت به روسيا استدعت السلطات هناك باستدعاء السفير الروسى لإبلاغه احتجاج سلوفاكيا على ما وصفته بتدخل روسيا فى الانتخابات ونفس الشئ غير مستبعد حدوثه فى بولندا بعد أقل من أسبوعين .

يبدو لى أن العمليات العسكرية تحولت إلى معارك مواقع بين القوات الأوكرانية المدعومة من الولايات المتحدة وحلفاءها والقوات الروسية التى تخوض عملية عسكرية من 24 فبراير من العام الماضى، كان هدف القوات الروسية هو تحقيق انتصار سريع ثم القيام بتغيير النظام الذى تصفه بالفاشى فى أوكرانيا وتنصيب رئيس موال لروسيا محل يانوكوفيتش الذى أطاح به القوميون الأوكران عام 2014، لكن على ما يبدو لم تحقق العملية العسكرية الهدف المنشود منها، واستطاعت القوات الروسية السيطرة على مدينة خيرسون وخاركيف وتشيرنيجيف وزابوروجيا جزئياً أى الجزء الجنوبى منها حيث توجد أكبر محطة نووية فى أوروبا.

لكن فيما بعد انسحبت روسيا من الضفة اليمنى من نهر الدنيبر فى خيرسون ومن جزء كبير من خاركيف، وفشلت فى السيطرة على كامل دنيتسك ولوجانسك فى حدودهما الإدارية سيطرة كاملة، واستمرت المعارك حول مدينة باخموت عديمة القيمة الاستراتيجية ما يقرب من العام، ومازالت المعارك مستمرة دون نهاية لها تلوح فى الأفق، لكن الأهم الآن يكمن فى أن القوات الأوكرانية تحاول إحداث اختراق فى الجنوب فى اتجاه زابوروجيا، حيث الطريق أو الممر البرى الذى يصل شبه جزيرة القرم بمنطقة الدونباس ومنها لروسيا، لكن حتى الآن لم تحقق نجاح مهم، فهى قد استولت على قرية رابوتينا لكنها توقفت عند ذلك، وهدفها التالى هو مدينة ميليتوبول وهى مدينة كبيرة نسبياً كان القوات الروسية قد سيطرت على فى بداية عمليتها العسكرية، كما أن الجانب الأوكرانى يريد الوصول إلى بحر الآزوف فى الجنوب لحرمان روسيا من الاستفادة منه.

كما قلت من قبل من مصلحة أوكرانيا فى الوقت الراهن إحداث أى نوع من الاختراق فى الهجوم المضاد الذى تقوم به حالياً والذى دأبت أوكرانيا ودول أوروبا والولايات المتحدة على الدعاية له باعتبار هو الذى سيحسم الحرب، لكنه للأسف يسير ببطئ شديد ولم يحقق الوعود التى تحدثت عنها أوكرانيا رغم الدعم الغربى المكثف وربما هذا ما دفع دول الناتو لأن تحد بدرجة كبيرة من تقديم المساعدات، بينما روسيا تحاول أن تظهر أوكرانيا بالدولة التى تضحى بشعبها دون عائد يذكر، فى حين تسعى أوكرانيا إلى إطالة أمد الحرب برغبة أمريكية، بحيث عندما تنتهى الحرب ومع استمرار العقوبات تصبح روسيا ضعيفة، وهو الأمر الذى تتحسب له روسيا جيدا فهى لن تتوقف عن العملية العسكرية ما لم يحدث إلغاء للعقوبات أو على الأقل تخفيفها.

روسيا من مصلحتها تجميد النزاع، فهى تسيطر على مساحة تقترب من 15% من مساحة أوكرانيا، وأصبحت هى من تسيطر على بحر الآزوف بعد أن كان مشتركاً مع أوكرانيا، ناهيك عن القرم، كمنطقة جذب سياحى، بالإضافة لكونها منطقة تمركز لأهم أسطول روسي أسطول البحر الأسود، وما فى ذلك من إطلالة على المياه الدافئة، والشريك التجارى فى تركيا والوصول لقواتها الموجودة فى سوريا، واحتمال نشر قوات أخرى فى افريقيا فى المستقبل. كلنا يذكر أن روسيا حينما جمدت النزاع عام 2014، عقب استعادة القرم كاد الأمر أن يمر وبعض الدول الأوروبية بدأت تتناسى وكان تشترى النفط والغاز الروسيين بمليارات الدولارات، خاصة وأن عملية القرم تمت دون حرب أو إراقة دماء، لكن الآن اختلف الوضع بالنسبة للأوروبيين الذين بدأوا يشعرون بالتهديد من جانب روسيا، وكان التعامل مع أوروبا سلس رغم استعادة روسيا للقرم، وإثارة متاعب لأوكرانيا فى الدونباس. فهل تتمكن روسيا من تجميد النزاع بخطوط التماس الحالية، لا اتصور فأوكرانيا تعلمت من عام 2014، وهى لا ترغب فى هذا، روسيا فى نفس الوقت من خلال استمرار العمليات العسكرية تراهن انقسام أوروبى ـ أوروبى وأوروبى ـ أمريكى حول الحرب وكل هذا سيؤثر على معنويات الجانب الأوكراني الذى ينتظر طوال الوقت إغلاق السماء الأوكرانية أمام الصواريخ والمسيرات الروسية أو على الأقل الحصول على طائرات إف ـ 16، وفى أسوأ الأحوال الحصول على صواريخ متوسطة وطويلة المدى لمهاجمة البنية التحتية الروسية، لكن الغرب حتى الآن لا يريد استفزاز الجانب الروسى أكثر من اللازم، خوفاً من استخدام موسكو لأسلحة نووية تكتيكية سواء فى أوروبا أو أوكرانيا، رغم أن روسيا بخطوات استخدام النووى يجعل الأمر صعب للغاية ناهيك عن أنه سيكون له تأثير على روسيا نفسها، إنه حكم الجغرافيا وتداخل الدول سواء الأوروبية أو أوكرانيا نفسها مع روسيا.

أما أوكرانيا فهى تسعى لتحقيق نصر نوعى من الممكن أن يؤثر على سير الأحداث، على سبيل المثال وعلى الأقل السيطرة على مدينة كبيرة نسبياً، لتكن ميليتوبول ثم التفاوض، لأن الغرب يرفض حتى الآن تسليح أوكرانيا بأسلحة نوعية يمكنها من قلب الموازين على الجبهة، بالإضافة إلى أن روسيا بمرور الوقت تحصنت قواتها بشكل جيد مما خلق نوع من الصعوبات الشديدة أمام القوات الأوكرانية، التى على ما يبدو ستجعل الناتو يتدخل بشكل مباشر، ورغم أنى أتوقع ذلك فى مرحلة لاحقة، إلا أن حديث بريطانيا عن إرسال خبراء ومدربين إلى أوكرانيا لتدريب القوات الأوكرانية ورد الفعل الروسى على لسان نائب رئيس مجلس الأمن القومى الروسى دميترى ميدفيديف والتى قال فيها إن هؤلاؤ الخبراء سيكونون هدفاً للقوات الروسية، وحديثه عن أن بريطانيا تدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة بقوة، على أى حال مسألة الخبراء من الناتو المتواجدين فى أوكرانيا ليست جديدة، سبق أنا تحدثت روسيا عن أن الهجوم على مركز قيادة أسطول البحر الأسود قامت به أوكرانيا بمساعدة أمريكية وبريطانية، وكما نرى الناتو ينزلق بالتدريج نحو العمليات العسكرية فى أوكرانيا.

حتى الآن الموقف فى صالح روسيا فهى التى سيطرت على أراض أوكرانية، ولا ترغب فى التخلى عنها، وإذا تجمد النزاع عند هذا فهذا يعنى بلا شك انتصار لروسيا وهو مل لن تقبل به أوكرانيا أو الغرب، خاصة وأن روسيا عند انهيار الاتحاد السوفيتى تحدثت عن حقوق لها فى أراض جنوب ـ شرق أوكرانيا حتى أوديسا، وكما قلت من قبل هذا النزاع لا يقبل القسمة على اثنين فالغرب يريد انجاز مهمته بتفكيك روسيا كما فعل مع الاتحاد السوفيتى، وروسيا لا تريد التقوقع داخل حدودها التى رسمها لها الغرب بعد انهيار الإمبراطورية السوفيتية، ولذلك وكما تحدثت من قبل تدخل الناتو أمر حتمى بصرف النظر عن حجم هذا التدخل الآن.

أوكرانيا انزلقت إلى أرضية الناتو، والضربات الروسية جعلت المواطنين الأوكران لا يقبلون بروسيا كحليف أو كصديق، بل أن السلاح السوفيتى لدى أوكرانيا أو لدى دول حلف وارسو السابقة قد استهلك تقريباً تماماً وتحولت أوكرانيا ودول حلف وارسو إلى المعسكر المعادى لروسيا تماماً، لكن ماذا سيكون رد فعل روسيا فى حال تدخل الناتو بشكل مباشر فى الحرب ولمن ستكون الغلبة، البعض يتحدث عن أنه لا شئ جديد، فقط حذرت روسيا من ضرب المناطق التى سيطرت عليها من أوكرانيا باعتبارها أراض روسية وتحدثت عن أن هذا خط أحمر ومع ذلك حدثت ضربات ليس فقط فى الأراضى الأوكرانية سابقاً بل فى أراض روسية فى العمق وحتى موسكو، ومع ذلك كان رد الفعل تقليدى بالمسيرات وبعض الصواريخ.

لكن هل يستعد الناتو بالفعل للانخراط فى النزاع الأوكرانى ـ الروسى، وفق تقدير المراقبين هذا الأمر واضح جداً، فحلف الناتو الذى هرب من أفغانستان بطريقة مهينة ليس أمامه سوى الانتصار فى النزاع الحالى وروسيا لن تتنازل عن أحقيتها فى أراض أوكرانية ومن ثم العودة إلى الساحة الدولية كقطب مهم له دور كبير يتناسب مع إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية على الأقل، يقول الكاتب الروسى الكسندر خورلينكو، إن الاتحاد الأوروبى تحول إلى فرع للبنتاجون، وبولندا بدعم من واشنطن تستعد لنزاع ساخن على الأراضى الأوكرانية، بينما تستعد ألمانيا لإنشاء أقوى جيش فى أوروبا، فى الوقت الذى تقوم بريطانيا وإستونيا بمناقشة إنشاء فرقة للناتو بالقرب من مدينة سان بطرسبورج ثانى أكبر المدن الروسية، ويتحدث الكاتب عن أن تزويد كييف بمعدات ثقيلة سيكون له تأثير على تصعيد كبير فى النزاع وبلا شك سوف يجتذب الناتو للتدخل المباشر.

أما وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف فقد صرح بأن العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا تسير وفق الخطة الموضوعة وتحقق ما تستطيع تحقيقه، لكن تدخل الناتو يعيق هذه الخطط من خلال توريد ذخيرة ومعدات عسكرية للجيش الأوكرانى، وفى نفس الوقت دون تفكير أو حكمة يستعدون للدخول فى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، التى تمتلك معدات عالية التقنية ودولة نووية. ووفق المطبوعة الأمريكية "امريكان ثينكير" أن نجاح تدخل حلف الناتو مباشرة عسكرياً فى أوكرانيا غير ممكن، بل توصلت الصحيفة لنتيجة مفادها أنه على العكس من الممكن أن يكون التدخل تعجيل بهزيمة الغرب.

السفير الروسى فى الولايات المتحدة صرح بأن بلاده سوف ترد فى حال تزويد الولايات المتحدة أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، كما أن النزاع سيتصاعد وقد يشمل دولاً أوروبية، وأضاف السفير هذه رسالة للغرب، وأضاف إن كميات الأسلحة لدى الغرب لن تساعده، فروسيا لديها أسلحة عالية التقنية وهى التى ستنتصر فى النهاية. وتورد إحدى الصحف الروسية رأى العقيد والمستشار السابق فى البنتاجون دوجلاس ماكجريجور الذى قال فى حالة تعرض أوكرانيا لهزيمة فإن الولايات المتحدة والناتو يمكنهم التدخل فى أوكرانيا وأضاف إن المزاج العام فى واشنطن يميل ناحية دعم أوكرانيا حتى النهاية، لكنه قال إنه يخشى أن تقوم القوات الجوية الأمريكية والبرية من قوات الناتو بالتدخل فى غرب أوكرانيا فى أخر لحظة لكى تقوم بمحاولة إنقاذ النظام فى أوكرانيا من الإنهيار التام. أما المحلل السياسى سيرجى ماركوف المقرب من الكرملين فيرى أن حديث نائب رئيس الوزراء البولندى ياروسلاف كامينسكى أن بلاد ستتقدم باقتراح فى أقرب قمة قادمة للناتو بإرسال قوات حفظ سلام من الحلف لأوكرانيا، واعتبر السيد ماركوف إن هذا من الممكن أن يكون مقدمة لمواجهة مباشرة بين روسيا والحلف.

على أى حال الجميع فى الانتظار ولا يدرى أحد سير المعارك على وجه الدقة ولا من المنتصر ومن المهزوم، وبالتالى مسألة تدخل الناتو من السابق لأوانها الآن وهى من الممكن أن تحدث فقط فى حالة تدهور الأوضاع فى صفوف القوات الروسية، ولا يجب أن ينسى الحلف أن مدن أوروبية بل وأمريكية كثيرة قد تكون رهائن وتحت رحمة الصواريخ الروسية، ومن وجهة نظرى لن يقدم الناتو على خطوة التدخل المباشر إلا فى حال إغلاق سمواته أمام أى وسائل هجوم روسية أو التأكد من أن روسيا لم يعد لديها القدرة على إحداث أضرار كبيرة بالمدن فى الغرب، لكن على الأرجح يراهن الغرب حالياً وكما تراهن روسيا على تفكك التحالف الغربى، فهو يراهن على تفكك فى القيادة الروسية وسوء الأوضاع الاقتصادية مما يحدث توتر فى المجتمع الروسى.

Dr.Randa
Dr.Radwa