تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.
والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة. والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.
خلال أيام شهر رمضان المبارك، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.
واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول "القشة التي قصمت ظهر البعير"
يضرب هذا المثل على الشخص الذي يتعرض لضغوط وأعباء متتالية وثقيلة حتى يصل إلى نقطة الانفجار، حيث لا يتمكن من تحمل المزيد.
في الأزمنة القديمة، كانت وسائل النقل الرئيسية تعتمد على البعير من النوق والجمال والحمير لنقل البضائع والتجارة، ويُروى أن أحد التجار الذي اشتهرت تجارته في تلك الفترة، قرر القيام برحلة تجارية كبيرة، تُعد الأكبر في حياته، وخلال هذه الرحلة، اشترى كميات هائلة من البضائع، ولكن المشكلة كانت في عدم امتلاكه ما يكفي من البعير لتحمل هذه الحمولة الزائدة.
اقترح عليه رفاقه من التجار أن يشتري بعيرًا إضافيًا ليتمكن من تحميل تلك الحمولة أو أن يخفض من الكمية التي يحملها، غير أن التاجر، الذي كان قد نفد ماله، تكبر ورفض أن يخبرهم بذلك، زاعمًا أنه يستطيع تدبير الأمر دون الحاجة إلى شراء بعير إضافي.
في صباح اليوم التالي، بدأ التاجر بتحميل البعير الذي لديه بشكل زائد، الناس من حوله كانوا ينظرون ويتعجبون من تصرفه، لكنه أصر على فعلته، استمر في زيادة الحمولة، وكان البعير متماسكًا رغم الإرهاق الواضح عليه، وعندما انتهى من تحميل البضائع، أضاف فوقها ربطة صغيرة من القش، ولم يتحمل البعير هذه الإضافة، فسقط على الأرض مع الحمولات التي كان يحملها.
تعجب الناس أن تلك الربطة الصغيرة من القش كانت السبب في سقوط البعير، وبدأوا يرددون المثل: "القشة التي قصمت ظهر البعير"، لكنهم كانوا يدركون أن السبب الحقيقي وراء ذلك ليس القشة بحد ذاتها، وإنما عناد التاجر وعدم تقديره لحدود قدرة البعير.