الإثنين 29 ابريل 2024

قرار الرئيس وكرامة مصر

مقالات15-10-2023 | 17:13

لقد أدمت قلوبنا مشاهد الموت والدمار التي تلاحق أشقاءنا الفلسطينيين جراء فجر الآلة العسكرية الإسرائيلية وما تلقاه من دعم دولي ليس اقل فجرا منها حيث انتفض العالم كما تنتفض العصابة لنصرة أحد أفرادها لتمد إسرائيل بشرعية لا تدرك لها معنى وأخلاقا للم يكن لها يوما نصيب منها لتمارس عربدة اعتادت عليها وسط عدالة دولية غابت عن الدنيا.

لكن الشيء الإيجابي أن المصريين تجاوزوا الانجرار وراء عاطفة غير مسئولة لطالما أوقعتهم في دوائر مفرغة ولم ترسو بهم يوما على شاطئ التحرك الفعال فبمراقبة ردود الفعل الشعبية خلال الحدث الأخير لمست ما كنت أصبو إليه منذ أن خبرت السياسة وانشغلت بالعمل العام وما ينتجه من عواقب فقد وجدت حالة من الاتساق والتماهي بين الموقف الرسمي والشعبي لم نكن ندركها وساعتها تساءلت من أين تولدت هذه الحالة وكيف أكسبت مصر قوة إضافية وثقلا في اتخاذ القرار وفق أجندة وطنية وعربية خالصة للتعامل مع أحداث غزة وتلك الحرب الدائرة ..

وسريعا قفزت الإجابة إلى عقلي وهي أن مصر 30 يونيو قد تحررت من كل قيود العمل كصف واحد حيث غاب عن مشهد اتخاذها القرار مجموعة من المحاذير التي كانت تعوق مصر في وقت ما أن تتصدى بقوة لكل مخططات تستهدفها في المقام الأول وإن كانت بطريقة غير مباشرة.

فمصر قبل 2011 ليست هي مصر بعد 30 يونيو حيث تخلصنا من مسار الدول الفاشلة الذي حيك لدول المنطقة لتبقى هياكل مفرغة يسها استخدامها أو تحطيمها كما نرى ذلك في عدد من دول المنطقة ما زالت تعاني من فقدان قدرتها على فرض السيطرة على جميع المناطق الجغرافية الداخلة ضمن سيادتها.

كما تخلصت مصر من ظاهرة نظام مواز للدولة في الداخل بمحو نفوذ تيارات إرهابية كانت تستخدم المال الحرام والآتي من الخارج للعب دور المنقذ والمكمل لأدوار كان من المفترض أن تكون حكرا على النظام والذي كان عاجزا عن ممارسته في عقود مضت.

 كما تخلصت مصر من تأثير تنظيمات إرهابية كانت تعبث في الداخل وتهدد بشكل كبير الاستقلال الوطني على الأرض وعلى مستوى اتخاذ القرار الذي كان يحتاط لقوتها وتحركها المضاد والمدعوم بأجندة خارجية.

 من هنا وبعد أن طهرت مصر ساحتها واستوعب المصريين الدروس من الماضي وعر السبب وبطل العجب لدى الكثيرين استطاعت مصر أن تتخذ قرارها بأريحية وتعلنه بقوة بل وتفرضه على من كانوا يأملون في سقوطها قديما فعلى سبيل المثال فإن تركيا التي كانت تدعم أطرافا أخرى غير الأنظمة كما فعلت في سوريا والعراق تسعى اليوم إلى علاقات أفضل بعد أن طوى المصريين صفحة الوهم بالسيطرة على القرار في مصر بالوكالة عن طريق تنظيم الإخوان الإرهابي.

لذلك استقبل المصريون قرار الرئيس السيسي برفض مصر خروج الأجانب عبر معبر رفح برأس مرفوع واشتياق لريادة كانت محل شك مع استمرار العوامل السابقة فمصر اليوم ترفض أن تمارس دور الشرطي لأحد وتأبى أن تكون حلقة من حلقات توجه شرقي أو غربي فقد ودعنا عهد تلقي الأوامر أو تمرير المواءمات أو غض الطرف إلى إشعار آخر ودفعنا الغالي والنفيس من أجل هذا .. مصر اليوم موحدة وقوية مالكة لقرارها  ومتخذة كل ما يمكن من أسباب القوة وكل ما يلزم لقول كلمة لا والمستندة إلى موضوعية غابت عن تحرك العالم وتفاعله مع أحداث فلسسطين الجارية.

إن العالم اليوم مهيأ لسماع كلمة مصر وهو صاغر أو على الأقل عاجز عن فرض الشروط وصياغة الإملاءات بعد أن جردته وحدة المصريين مع قيادتهم وصمودهم أمام التحديات وعزمهم على تجاوزها مهما بهظت تكلفته وعظمت مشقته وفي حين كان يخطط العدو إلى أن تنفجر الأزمة في وجه مصر وأن ترتبك وسط حدود ملتهبة ومشتعلة شرقا وغربا وجنوبا باتت اليوم هي التي تحرك الخيوط وتمتلك مساراته ولم تغير يوما موقفها المعلن من القضية القائم على الحفاظ على مقدرات الدولة الفلسطينية وسلامة شعبها، وحماية المدنيين، وتحقيق مبادئ الشرعية الدولية، وكذلك حل الدولتين القائم على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والالتزام باتفاقية جنيف.

كما أن العالم اليوم أمام اختبار لإنسانيته التي يتاجر بها بين الأمم فقدرات مدارس وكالة الأونروا الاستيعابية لا تزيد على 150 ألفا، وقد توجه حتى الآن ما يقرب من نحو 74 ألف نازح في 66 مدرسة في ظل الوضع المتردي في قطاع غزة وحصاره الدولي الذي دام 15 عامًا وقد سبقت مصر الجميع دون دعوة بإرسال باكورة دعمها للشعب الفلسطيني وهي قافلة شاملة تضم 106 قاطرات محملة بكميات ضخمة من المساعدات الإنسانية تتضمن 1000 طن من المواد الغذائية واللحوم و40 ألف بطانية و80 خيمة، بجانب ما يزيد على 46 ألف قطعة ملابس، وأكثر من 290 ألف علبة من الأدوية والمستلزمات الطبية..

ووسط كل هذا المشهد المؤلم فإن تذكر ما أنجزه المصريون بصبرهم وتحملهم واصطفافهم حول قيادتهم واجب على كل مصري ليستعين به في مواجهة التحديات الباقية لنجدد العزم على استكمال المسيرة حتى الوصول إلى الدولة المدنية الحديثة القادرة على صون نفسها بل ومد يد العون إلى أشقائها ودائما أبدا ستبق مصر حية أبية عصية على عدوها.

Dr.Randa
Dr.Radwa