بقلم: نجوان عبد اللطيف
لست من هواة لعبة كرة القدم،ولكنى أتابع بشغف نتائج مباريات الفريق القومى مثل الكثير من الجمهور غير الكروى الذى يهتم بهذه المسابقات الإقليمية أو الدولية طالما اسم مصر هوعنوانها، كنت فى الشارع أثناء مباراة مصر والكونغو ، لاحظت توتر السائق الذى كان يقود السيارة التى أقلها.. أدار المذياع على موجة إذاعة الشباب والرياضة ،ولكنه كان ملتزماً بآداب المرور ولاحظت أن غالبية قائدى السيارات رغم أنهم يتمادون فى السرعة إلا أنهم لا يوجهون السباب لمن يتجاوز القواعد أو يحاول السباق ، بل بعضهم يرفع يده اعتذاراً لمن تخطاه ، والذى يتقبله الآخر بصدر رحب ،ولا يحاول التضييق عليه كما هو المعتاد .كان السائق يجرى حوارا افتراضيا مع المعلق الرياضى فى الإذاعة ، يطالبه بالهدوء يقول له كفاية توتر ، وعندما استطاع الحضرى مرة تلو أخرى صد الكرة عن مرماه صرخ المعلق ، أغلق السائق الراديو وقال «بلاش تعب أعصاب مش بإيدينا غير إننا ندعى ربنا يفرحنا».. الفرحة هى مبتغى المصريين من هذه المباراة والوصول إلى الأولمبياد ..كم هى عزيزة تلك الفرحة على المصريين.
انشغلت كثيراً بفكرة الفرح الذى يبدل أحوال الناس، اليوم الذى سبق المباراة ويوم المباراة الناس فى حال غير الحال نظرات الحزن تحولت إلى نظرات ترقب، وفرح حذر، فى الشارع عند السوبر ماركت على المقاهى فى المكاتب فى الفضائيات لا شئ يشغل الناس غير المباراة، الكل ليس فى انتظار المباراة ولكنهم فى انتظار الفرح، كما قال شكسبير “الأمل بالفرح يوازى الفرح ذاته“.
انتهت المباراة وعلت صرخات الجماهير الذين انطلقوا فى الشوارع يهللون ويرقصون ويرفعون أعلام مصر.. مصر التى كانوا يشكون من أوجاعها، من شظف العيش وغلاء الأسعار والبطالة والمرور والزبالة و....إلخ، يحتضن بعضهم البعض دون سابق معرفة يفسحون الطريق لبعضهم البعض يتسمرون أمام السيارات المارة يرقصون ويغنون لدقائق ثم يفتحون الطريق للمرور دون أن يطالبهم أحد ودون أن يكون هناك مٌنظم، الآلاف نزلوا إلى ميدان التحرير حيث حلقت الطائرات وألقت بالأعلام على المحتفين هناك، حتى الشرطة لم تغضب من هرولة الجماهير إلى ميدان التحرير، لم تغلق الطرق المؤدية إليه إلا بعد ساعة من نهاية المباراة، بعد أن اكتظ بالآلاف.، لم نسمع عن حالات تحرش بالفتيات -التى أصبحت آفة التجمعات- لم نسمع لفظاً نابياً أوهتافاً خارجاً .
قال السائق “إحنا لما بنفرح بنحب بعض “هذا الإنسان البسيط وصف مشاعره ومشاعر الناس فى جملة واحدة.
الفرح يولد الحب، الكاتبة الكبيرة أحلام مستغانمى قالت “ الفرح ثرثار، أما الحزن فلا تستطيع أن تقيم معه حواراً، إنه منغلق على نفسه كمحار ..فى إمكانك إخافة الحزن بالفرح” نعم علينا أن نعالج أحزاننا وإحباطنا بالفرح.
علماء النفس يقولون إن الفرح يولد مشاعر إيجابية منها التفاؤل والتطلع لحياة أفضل، والشعور بالحيوية والنشاط والاستعداد للقيام بالعمل، والفرح يدفع للترابط الاجتماعى، فالإنسان السعيد لا ينطوى على نفسه، بل ينفتح على الجميع، يشعر بالرغبة فى مساعدة الآخرين، يحسن الظن بهم، وفسيولوجيا الفرح يعمل على تعزيز وتقوية جهاز المناعة لدى الإنسان، وهو العلاج الأكيد لمرض الاكتئاب والقلق والتوتر.
المصريون يستحقون الفرح، فمنغصات حياتهم كثيرة.وهم يحتاجون إليه لتعود البسمة الغائبة عن وجوههم، ولتزول نظرة الغضب الدائمة فى عيونهم، ولسيتعيدوا شهرتهم بخفة الدم كما قال صلاح جاهين فى أغنيته «المصريين أهما» الأسمر أبو ضحكة ترد الروح.
المشكلة أن مشاعر الفرح لا تستمر طويلاً وطبقاً لدراسة حديثة فى إحدى جامعات بلجيكا، فإن مشاعر الفرح تستمر ل٣٥ ساعة بينما مشاعر الحزن تستمر ل١٢٠ ساعة، فلا تستكثروا الفرح على هذا الشعب الذى يعانى من أجل الحياة، ساعدوه على الفرح حتى ولو بلعبة الكرة بمحمد صلاح، الذى يمثل الإنجاز والتفرد، فالإنجاز هو المصدر الأول للفرح قال الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت”تكمن السعادة فى الفرح الذى نشعر به عندما ننجز شيئا ما وفى الإثارة التى يبعثها فينا بذل الجهد الخلاق”.
المواطن البسيط يسعد بالقليل تصوروا إذا ما استيقظ يوماً ووجد تل النفايات الذى يراه كل يوم فى طريقه لعمله قد اختفى، إذا استطاع أن يصل إلى أى مكان يقصده بيسر وسلام دون زحام مرورى يستهلك وقته وأعصابه سيشعر بالراحة إذا ما وجد مكانأ لأبنائه للتوظف دون واسطة، سيزول الهم ويأتى الفرح، إذا وجد علاجاً مناسباً للمرضى من بين أسرته دون مصاريف لا يقوى عليها ستعود البسمة إلى وجهه، إذا وجد مدارس مجانية تقدم تعليما حقيقيا لأبنائه، ترفع عن كاهله عبء الدروس الخصوصية، الفرح يحمل الناس إلى مرتبة أرقى إنسانياً، يجعله يتحمل ظروف حياته الصعبة- ومعاناته اليومية ابحثوا عن حلول لبعض مشاكله تبعث فى قلبه الفرح
فلا تبخلوا على المصري البسيط بالفرح، ليعود كما كان “الأسمر أبو ضحكة ترد الروح”.