مي زيادة، نشأت في عائلة أدبية مثقفة، حيث كانت والدتها من متذوقي الأدب الذين يهتمون بحفظ الشعر، وكان والدها يعمل مدرسا، لذلك تميزت شخصيتها بالتنوع الثقافي والمعرفي.
بعد دراستها بدير المدينة، ثم ألتحقت بمدرسة راهبات عينطورة لتدرس في القسم الداخلي بين عامي "1900 - 1903م"، إلى جانب دراستها كانت مهتمةً بدراسة اللغة العربية، وتعلم اللغات الأجنبية، فتميزت مي ونشرت مقالات أدبية ونقدية واجتماعية، بالإضافة إلى جوانب أخرى تتعلق بالفن، والغناء والموسيقى، فتعلمت وأجادت العزف على آلة البيانو.
تابعت دراستها الثانوية في دير الراهبات في منطقة عينطورة، وتعرفت هناك عَلى الأدب الفرنسي والرومنسي الذي أخذ يروقها بشكل خاص، كما قرأت أيضا أشعار الصوفيين العرب، وأعجبت إعجاباً كبيرًا بابن الفارض، وعلى أيدي الراهبات أجادت اللغة الفرنسية، وحفظت الكثير من أشعار الفرنسيين أمثال "دي موسيه"، "ولامرتين".
وفي عام 1908 انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة. دخلت الجامعة المصرية عام 1916م، ودرست الفلسفة والآداب وأتقنت اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية ولكن معرفتها بالفرنسية كانت عميقة جداً، وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته، كما عكفت على إتقان اللغة العربية.
تفوقت مي زيادة في الدراسة والتحصيل العلمي، وأكسبها إطلاعها الواسع على التراث العربي، والأدب الأوروبي فصاحة وتعبيرا واضحا، مما أضفى الكثيرعلى حضورها والقاءها للكلمات وسط الشعراء و المثقفين.
فتح لها التعليم والصحافة أبواب الصداقة والتَعارف مع صحفيين ومفكرين وأدباء كثيرون في لبنان ومصر وبلاد المهجر ، كما تأثرت بأسلوب عدد من رائدات النهضة وروادها ومن بين هؤلاء أحمد لطفي السيد الذي سُمي «أستاذ الجيل» وكان أستاذًا للدكتور طه حسين، وتردد أحمد لطفي السيد والدكتور طه حسين إلى صالون مي الأسبوعي، وتأثرت مي أيضا بفارس الخوري وفخري البارودي وخليل مردم وخليل مطران ،مما أكسب شخصيتها نضج وإنفتاح وقوة.
تأثرت مي زيادة بكثرة الترحال والتنقل بين كسروان ويافا وحيفا وبيروت والناصرة والقاهرة، مما أكسبها ثقة عالية بنفسها، ومعرفة عميقة بمعاناة أهالي هذه البلدان، وحاجاتهم وأحوالهم.
رحلت مي زيادة عن عالمنا في مثل هذا اليوم 17 أكتوبر من عام 1941، بعد أن أسست أشهر صالون أدبي، والذي ضم نخبة من أفضل الكتاب في ذلك الوقت، بالإضافة إلى اهتمامها بنشر الوعي الإجتماعي ومناقشة قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها، وتركت هذه العقلية الثرية والشخصية القوية ميراثًا أدبيًا كبيرًا أثرى المكتبة العربية والعالمية.