الإثنين 29 ابريل 2024

نائب مفتي الأردن: العمل التكاملي بين المسلمين من مبادئ وجود أمة الإسلام

الشيخ أحمد الحسنات

أخبار18-10-2023 | 19:28

نعمات مدحت


قال  الشيخ أحمد الحسنات، نائب مفتي المملكة الأردنية الهاشمية: لا يخفى على أحد أن العالم اليوم أصبح وحدة واحدة في ظلِّ ما تشهده البشرية من تبادل للمعارف والخبرات في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والعلمية، فلم يعد الناس يعيشون في مجتمعات منفصلة، وجزر متباعدة في حضارتها وثقافتها وطريقة عيشها، ولم يعد ممكنًا ولا مجديًا في عالمنا اليوم أن يكون العمل انفراديًّا، أو مجزأً، بل لا بد من العمل الكلي على الصعيد العالمي والإنساني.


وأضاف خلال كلمته في فعاليات الجلسة العلمية الأولى من المؤتمر العالمي الثامن للإفتاء، أن ما شهده بعض دول العالم من كوارث طبيعية وحوادث راح ضحيتها الآلاف من البشر، استدعى استنفار المجتمع الدولي والتكاتف بين أبناء البشرية وتعاونها لتأمين الإغاثة للمنكوبين، إضافة إلى ما يشهده العالم من صراعات دامية، ومن تغير مناخي امتد تأثيره إلى جميع الدول وعلى الحياة الإنسانية، وكان حدوثه نتيجة حتمية للممارسات الخاطئة في التعامل مع عناصر البيئة؛ مما أدى إلى اختلالها وفقدها لتوازنها الذي خلقه الله عليها، فكان لزامًا علينا أن نجتمع في إطار التعاون والتكامل لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لضمان حياة كريمة وآمنة للأجيال من بعدنا. 


وأوضح أن التيسير في الشريعة لا يعني التفلت حيث إن الشريعة الإسلامية تميزت بأنها شريعة مرنة قادرة على استيعاب المستجدات وظروف العصر المختلفة، فالدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، وقد احتوت من الأصول والمبادئ العامة ما يمكنها من مراعاة مصالح الإنسان في أي وقت مهما اختلفت ظروفه واحتياجاته، ومن هذه المبادئ أنها اعتبرت العمل التكاملي بين المسلمين أولًا ثم بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم من مبادئ وجود أمة الإسلام. 

في السياق ذاته أشار نائب مفتي الأردن إلى أن مفهوم التكامل والتعاون بين الأمم في القضايا العامة حيث إنها مشتركة بين كافة الدول، أما القضايا الخاصة فتخص كل أمة أو دولة بعينها.


وأكد أن الإسلام يؤمن بالتنوع والتعدد، وأن الاختلاف آية من آيات الله العظيمة الدالة على كمال قدرته، وهذا الاختلاف لا يجوزُ أن يتخذ وسيلةً من أجلِ تمزيقِ الأسرةِ الإنسانية واضطهاد بعضها لبعض، وإنما يجبُ أن يكون وسيلة من وسائلِ التعاونِ البشري والتعارف والتآلف والتلاقي على البرِّ، والتقوى، وبذلك فإن الأصل أن تقوم العلاقة بين الأمم على أساس التعارف والوئام لا على أساس التنازع والخصام.
 
ولفت النظر إلى أن من أهم مبادئ التعاون والتكامل بين الأمم أن يسود الاحترام بين الأمم والشعوب، وأن تقام العلاقات بين الدول على أساس الاحترام المتبادل وكان هذا الاحترام حاضرًا في مخاطبات النبي صلى الله عليه وسلم لغيره من الملوك والقادة، حيث كان يظهر احترامًا لقدرهم ومكانتهم في مجتمعاتهم رغم الاختلاف في الدين والعقيدة، وهذا يدلنا على أن كرامة الإنسان لا بد أن تكون حاضرة في جميع التعاملات، فالتعاون لا يعني حتمية الانقياد والتبعية، والتكامل لا يعني تسلط القوي على الضعيف أو سلب حقه في الحياة، أو نهب ثرواته واحتلال بلاده وسرقة خيراته، فما نراه اليوم من اختلال في توزيع الثروات وتباين في مستويات الحياة، ونزاعات أهلكت الحرث والنسل، وظهور للفساد في البر والبحر، وتعطل عجلة التقدم على مستوى العالم، إنما يرجع سببه إلى سياسات الاستقواء على الضعيف ونهب ثرواته، وغياب مفهوم التعاون المبني على الاحترام المتبادل والتكامل بين الدول.


وَأضاف أن الله تعالى أمرنا بضرورة تبنِّي مبدأ الاحترام المتبادل بين الناس جميعًا، والتعاون فيما بينهم لما فيه الخير والصلاح ورقي المجتمع، وجلب المصالح لما فيه خير البشرية فقال سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).


مشيرًا إلى أن من أهم أسس التعاون والتكامل بين الناس، إرساء دعائم العدالة الاجتماعية باعتباره الأساس الأول لحفظ السلم العالمي والاجتماعي، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أن الحياة لا تستقيم، وأن الاستقرار لا يتم، وأن النهضة لا تكون إلا بتحقيق العدالة بين بني البشر، فقال سبحانه وتعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فهذا البيان الإلهي يحتِّم على البشرية أولًا إنشاء تعاون وتكامل فيما بينها لإقامة ميزان العدل فيما بينها ودفع الظلم عن الشعوب المظلومة التي تم احتلال بلادها ونهب خيراتها وثرواتها، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شَهِدْتُ حِلْفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ لَوْ دُعِيتُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ لَأَجَبْتُ، رَدُّ الْفُضُولِ إِلَى أَهْلِهَا، وَأَلَّا يُقِرَّ ظَالِمٌ مَظْلُومًا".


وفى ختام كلمته أكد أن هذه الأسوة الحسنة من المعلم الأول، أثمرت بعد سنوات قليلة أمةً قائدة رائدة، قادرةً على إدارة شؤونها، والتعاون فيما بينها، فلما أصاب المسلمون عام الرمادة، وحلّت بهم الأزمات والكوارث، ظهرت ثمار التعاون التي غرسها فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل عمر بن الخطاب بالرسائل إلى الولاة في الآفاق، وكان المدد الغوث حاضرًا، وتجلّى التعاون بين أبناء الأمة في أسمى وأبهى معانيه، وكان سببًا في إنقاذ أبناء الأمة الإسلامية.

Dr.Randa
Dr.Radwa