السبت 18 مايو 2024

«بيكار أوّل مَن قدّمني للصحافة.. ورحيل والدتي حرمني من حنان الأم» (1 ـ 2)

20-2-2017 | 12:54

جورج بهجوري 1/2 


هو حالة فنيّة متفرّدة بخصائصها، تشكّلت خلالها روحه التى اندمجت بين روح قريته بهجورة في صعيد مصر، وبين روح القاهرة بشوارعها ولياليها ومقاهيها، ليلتحق خصيصًا بكلية الفنون الجميلة، ليتعلم أفضل الطرق للتعبير عمّا بداخله، وبالفعل نجح فى مدة قصيرة أن يعمل رسّام كاريكاتير بأكبر مؤسسات صحفية وقتئذ، ولأنه متطلع دائمًا للمزيد، لم يكتفِ بما وصل إليه من مكانة مرموقة فى مصر، بل سافر إلى مدينة الفنون "باريس"، باحثًا عن المزيد من الدراسات، ومزيدًا من الحرية فى التعرف على الآخر إلى أن أصبح فنانًا عالميًا يشار له بالبنان، ومع كل ذلك من مجد صنعه خارج القُطر المصري، يستدعيه حنينه في النهاية إلى الوجوه المصرية، فيترك كل شىء ليعود مجدّدًا لأرضها، لينهى رحلته كما ابتدأها، إنه الرسّام المتميّز جورج بهجوري الذي يحب المرح فتح جعبته لـ"الهلال اليوم" ليرسم ملامح سنوات المجد في حوار دارت بدأناه عن الطفولة.

◘ ماذا عن طفولة الرّسام الكبير جورج بهجوري؟ 

ولدتُ في عام 1933 بقرية بهجورة بصعيد مصر، لكنى لم أتعرف على ملامح والدتي كغيري من الأطفال، لأنها توفيت وأنا فى عمري عامين، وعلى الرُّغم من ذلك أتذكر تلك السيدات اللتن أتين إلى المنزل وقتئذ، وهن يرتدين ملابس سوداء، وأتذكر جيدًا صوت البكاء والنحيب، ليقدّر لي أن أحيا محرومًا من حنان الأم. 

◘ ماذا عن بداياتك مع الريشة؟ 
منذ أن كنت صغيرًا وأنا أرسم أقاربي وجيراني بشكل ساخر، وعندما التحقت بالمدرسة، وازدادت جرأتي وشجاعتى في مواجهة الآخرين برسوماتي كلما تقدّمت فى العمر وأصبحت أكبر سنًا، وأتذكر جيدً أنني في عمر الثانية عشر كنت أقوم برسم زملائى الطلاب وأساتذتى بأقلام الطباشير على الصبورة، ودائمآ كان زملائى يضحكون على رسوماتى، ويتوقعون عقاب شديد سأتلقاه من أساتذتى نتيجة ذلك، لكن كان يحدث دائمً العكس بأن يسعد أساتذتى بالرسومات ويشجعوننى عليها.

◘ لماذا اختار جورج بهجوري دراسة الفنون الجميلة؟

قررت منذ نعومة أظافري أن يكن الرسم هو طريق دراستي وعملى وحياتي، لذلك كانت كلية الفنون الجميلة هى هدفي وغايتى والأقرب لجماليات ما أعشقه من فن، وجاء الاختيار منافي لأحلام والدى الذي كان يتمنى أن أصبح طبيبًا، لكننى شعرت بسعادة غامرة عندما حققت هدف الطفولة.

◘ وماذا عن ذكريات اليوم الأوّل في فنون جميلة ؟

فى اليوم الدراسي الأوّل لي بالكلية أجلسنى الفنان"كمال أمين" داخل قاعة كبيرة تمتلأ بالتماثيل، وكلّفنى برسم تمثال كبير للفيلسوف اليوناني سقراط، وكانت مشكلتى أننى لم أستخدم الفحم من قبل في الرسم، فأخذت تتفتت بيدي، لكننى بعد أن انتهيت من محاولة رسمه ، قمت برسم الفراش وعامل البوفية وبعض الطلاب، وهذا ما فاجأ كمال أمين حين عاد.

◘ كيف كانت دراستك بكلية الفنون الجميلة؟ 

التحقت بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة، واطلعت من خلال دراستى بها على جميع المدارس الفنية الكلاسيكية والمعاصرة، وأمضيت بها الكثير من الأيام والساعات، أرسم تماثيل الجبس، والطبيعة الصامتة، وعندما تشبّعت من رسم تلك الطبيعة الصامتة، وهذه الوجوه الساكنة، انطلقت إلى الشارع، لأقوم برسم الوجوه المختلفة التى تدب فيها الحياة بمختلف تعبيراتها، واتخذت من إحدى مقاهى وسط البلد مرسمًا لي، أجلس بداخلها وأقوم برسم مختلف الشخوص، وبهذا قضيت سنوات الدراسة أرسم خلف جدران الكلية أثناء النهار وبالقهوة أثناء الليل، ولا أتوقف عن الرسم إلا بهدف النوم.

◘ندّاهة الصحافة خطفت ريشتك لبلاطها.. كيف التحقت بالعمل في صاحبة الجلالة؟ 

بداية إلتحاقى بالعمل في الصحافة خلفها قصة طريفة، وهى أن دفعتى بقسم التصوير كانت تتكون من 15 طالبًا، وكنت دائمًا أقوم برسمهم على الورق، وذات يوم قررت أن أقوم برسم وجوههم مع أستاذي حسين بيكار على حائط المرسم، وكالعادة توقع زملائي عقاب شديد من أستاذى نتيجة مافعلت، وعندما دخل "بيكار" المرسم، توجّه إلى تلك الرسومات وراح يتأملها واحدًا تلو الآخر إلى أن أنتهى بصورته التى أطال الوقوف أمامها والتأمل فيها، وعكس توقعات الجميع، توجّه نحوي ليقول لي مشجعًا:"عظيم.. عظيم"، وبعد يومين فوجئت بأنه يصطحبنى إلى الفنان صاروخان، المسؤول عن رسم الكاريكاتير بجريدة أخبار اليوم وقتها، ليطلع بعينيه الفنية المتخصصة على كراسة رسوماتي، وكنت سعيدً عندما شاهدت نظرات إعجابه برسومات، وكان لحسين بيكار رأيًا في أن لا أعمل الآن بالصحافة، وأكثف جهدي في دراستي، لكننى عملت ببعض الصحف إلى أن تعرفت على الفنان عبد الغنى أبو العينين الذى قدّمني فيما بعد للسيدة فاطمة اليوسف صاحبة مجلة روزاليوسف وكذلك لرئيس التحرير إحسان عبد القدوس، ورسام الكاريكاتير عبد السميع عبد الله، ومن هنا بدأت الدخول لبلاط صاحبة الجلالة بتسجيل المواقف والأحداث الهامة من خلال رسوماتى الكاريكاتيرية.

    الاكثر قراءة