السبت 18 مايو 2024

ليرحل غير مأسوف عليه..

18-1-2017 | 13:44

بقلم -سناء السعيد

الأربعاء الماضى ألقى “أوباما” ــ المنتهية ولايته فى العشرين من يناير الجارى ــ خطابه الأخير من شيكاغو بعد ثماني سنوات من الرئاسة تعامل خلالها مع ملفات عديدة، بيد أنه عجز عن تحقيق وعوده الانتخابية ويتصدرها محاربته للإرهاب، وجاءت سياسته لتعكس الأسوأ على المنطقة رغم أنه بالغ فى منح الآمال والوعود ونسج الكثير من التوقعات الواعدة عندما انتخب ٢٠٠٨ حيث كانت رسالته الانتخابية زاخرة بالأمل والتغيير، ولكن على أرض الواقع كان الإخفاق هو المميز لفترته. وأبرزها فشله فى تحقيق الأهداف التى سطرها لسياسته الخارجية المرتبطة بالمنطقة العربية، وفشله فى محاربة داعش عبر التحالف الدولى الذى كان يقوده، وبالتالى لم يتم القضاء على التنظيم. وعلى العكس وسع داعش نطاق إرهابه فى كل من سوريا والعراق.

ورغم أن أوباما وعد بإنهاء الحروب فى المنطقة، إلا أنه لم يلبث أن أشعلها من خلال دعمه للفصائل الإرهابية التى اتخذها أداة لتنفيذ المخطط الأمريكى الذى يهدف إلى تفتيت الدول العربية وتجزئتها. ولهذا بادر فأعطى المخابرات الأمريكية الصلاحيات لتدريب وتمويل الفصائل المسلحة فى سوريا تحت ذريعة أنها معارضة معتدلة. ومن ثم فإنه يتحمل وزر ما وصل إليه العالم العربى من فوضى أدت إلى التداعيات الهدامة فى ليبيا والعراق وسوريا واليمن، وهو ما يصب بالإيجاب فى مصلحة الكيان الصهيونى. ولا غرابة، فلقد قالها “أوباما” ذات يوم: (سيكون سقوطا أخلاقيا بالنسبة لى كرئيس للولايات المتحدة إن لم أحمِ إسرائيل)، هذا فضلا عن أنه لم يحقق أى حلحلة بالنسبة للقضية الفلسطينية، ولم يتمكن من وقف توسيع الاستيطان وعجز عن تحريك ملف السلام فى الشرق الأوسط.

ظهر خداع” أوباما”واضحا فى خطابه أمام الأمم المتحدة ٢٠١٥، عندما حمل على الرئيس “بشار” ورفض أن يكون جزءا من الحل تحت دعاوى كاذبة ساقها تتحدث عن “بشار” كطاغية وقاتل للأطفال، ألا تبا لأوباما الدعى الأفاق الكاذب الذى توارت عنه الحقيقة، فلم يرَ صورته هو كطاغية . كانت كلماته أشبه ما تكون بقنبلة دخان نطق بها للتغطية على موقف إدارته الضعيف، ولا غرابة حيث إن أمريكا لم تملك استراتيجية متماسكة للتعامل مع سوريا. ومن ثم اتسمت مواقفها بالتردد والتضارب والتناقض، إنه أوباما الذى خلف صورا قميئة لأدائه فى المنطقة، وبالتالى ظهر ليلتصق به وزر المأزق الذى تعيشه دولها بعد أن فشل فى إلحاق الهزيمة بداعش أو حتى بتحجيمه، وكيف يقضى عليه وهو الذى صنعه باعتراف” هيلارى كلينتون” التى نطقت بالحقيقة المرة، التى تؤكد أن إدارة أوباما هى التى صنعت داعش ودعمته بالمال والسلاح كى تستغله كأداة بتر للدول العربية عبر إشعال حرائق الصراع بين الطوائف والمذاهب تنفيذا للمخطط الصهيوأمريكى.

أوباما المخادع سكنه وهم افتراضى كاذب، تصور معه أن ما يقرره بشأن سوريا سيكون نافذا بعد أن منح نفسه تفويضا استثنائيا يتيح له استباحة الشرق الأوسط، وكأن دول المنطقة قد تحولت أمامه إلى ولايات منزوعة الاختصاص. بيد أن القدر كان له بالمرصاد، فلقد تحولت أحلامه إلى سراب بعد أن تصدى له “فلاديمير بوتين” القيصر الذى لا يبارى، رجل روسيا القوى، والقائد الذى فرض احترامه على الجميع بعقلانيته وقوة شخصيته. ووضح ذلك فى رده الرصين على كل من “أوباما” ، “أولاند” عندما تطرق فى معرض تعقيبه على ما ذهب إليه كل منهما من ضرورة رحيل الرئيس “بشار” قائلا: (أكن كل الاحترام للرئيسين أوباما وأولاند، إلا أنهما ليسا مواطنين سوريين. لذلك عليهما ألا يتدخلا فى مصير مسئولى الدولة السورية، فهذا الأمر يقرره الشعب السورى وحده).

سيحل موعد مغادرة أوباما للبيت الأبيض بعد غد الجمعة وقد نشر الإخفاق ألويته فى الداخل والخارج معا، ففى الداخل شهدت أمريكا بطئا فى معدل النمو، وتراجعا فى متوسط دخل الأسرة، وزيادة فى الدين العام. وعوضا عن ذلك فإن “أوباما” يغادر بعد أن أصلح العلاقات مع كوبا، وبعد أن أبرم الاتفاق النووى مع إيران فى يوليو ٢٠١٥، ولكنه وفى المقابل يغادر بعد أن بات السلام الذى كان قد وعد به شبه معدوم فى الشرق الأوسط وفى عواصم أوربا، يغادر وقد تراجع فى كل المواجهات التى خاضها فى السياسة الخارجية، ولعل أبرز معالمها تراجعه عن طلب تجميد الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية أمام تصلب “نتنياهو”، ولا ننسى أن إسرائيل قد حصلت مع أوباما على مساعدات عسكرية ومالية كبيرة بوصفها الدولة التى تعتبر من ثوابت السياسة الأمريكية، بيد أن “أوباما” حاول أن يجمل وجهه قبل الرحيل عندما امتنع عن استخدام الفيتو ضد قرار مجلس الأمن رقم ٢٣٣٤ الصادر فى ٢٣ ديسمبر الماضى، والذى تضمن إدانة واضحة ومباشرة للاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية والقدس مما أدى إلى تمرير القرار.

ولكن ماذا عن أوباما اليوم بعد أن يخرج من البيت الأبيض؟ لابد أنه سيراهن على أن التاريخ لن ينساه وسيورد ذكره كرئيس لم يفعل شيئا ورحل غير مأسوف عليه.

 

    الاكثر قراءة