الإثنين 25 نوفمبر 2024

مقالات

شجب بكل لغات العالم

  • 22-10-2023 | 16:26
طباعة

يتوهم الغرب أنه يعرفنا جيدا، مثلما نتوهم نحن العرب أنه عادل، وأنه قطع شوطا مهما في درب تأسيس المدينة الفاضلة، نتناسى أن الفكر الغربي متشبع بالاستعمار، الذي احتل بلداننا، ونهب خيراتنا، وقتل من الآباء والأجداد ما قتل، هو الغرب الذي أسس دولة إسرائيل، ورعى نبتته حق الرعاية، وأبكانا ملايين المرات، وجعلنا نرث البكاء أبا عن جد، قبل أن يرمي لنا حلوى ودمى نتلقفها ونفرح بها لأننا في نظره مجرد أطفال نتلمس الطريق، وأن تحكمه في مسارنا سهل للغاية.

يتوهم الغرب أنه يفهمنا جيدا، وأنه آن الأوان لينام مطمئنا، أما ضميره فهو مستتر، يهجر النوم من يقررون لدى الغرب، فيجدون أنفسهم ملزمين بالكشف عن الوجه الحقيقي، الذي يختفي وراء الشعارات والقوانين كلما عادت لغة السلاح لتفرض نفسها على الساحة، وكان في الطرف الآخر إسرائيل.

بالنسبة للغرب، إذا لم نتبن أطروحته فكلنا طرف آخر، نستحق السحق، وإذا نجونا فإننا نستحق الموت ونحن نئن لقوة أثر الجراح في غياب الدواء، أو جوعا في غياب الطعام، أو في ظل ندرته، طالما أن مفاتيح المعابر في يد دولة هي في الوقت نفسه ولاية أمريكية أخرى، أو دولة خفية في الاتحاد الأوروبي أو هما معا.

حين اهتزت فرائص قادة إسرائيل بعد الاختراق، الذي لم تنكشف بعد كل حقائقه، والمهمة موكولة للزمن، طالبنا الغرب بالإدانة، لم يخيرنا بين أمرين، بل كان حكم التصنيف جاهزا.

كان قرار الحرب غير المتكافئة وغير البريئة جاهزا، وانتظروا مباركتنا لتبرير الأفعال. لسنا جميعا مع حماس، ولسنا مع حزب الله ويستحيل أن نكون مع إيران، مثلما ليسوا معنا، بل ضدنا على طول الخط، الفرق بيننا وبينهم أنهم لا يحسبون إلا اذا كان ذلك في مصلحتهم.

نحن مع سلامة الشعوب، ونؤمن أشد الإيمان أن الشعب الفلسطيني يستحق العيش في سلام، وأن تكون له دولة تمتلك كل المقومات، لا أن تستباح أراضيه "المحررة" كلما تعكر مزاج قادة الدولة الأمريكية الأوربية.

لسنا مع توجه الغرب ولا نقبل التصنيف، ولا يمكن أن نقبل قتل أهلنا في كل الأراضي، ولتذهب تصنيفات الغرب إلى الجحيم.

نحن نثبت لكم من جديد أنكم لا تعرفوننا، ولن تعرفوا شيئا طالما أن حكمك علينا بالغباء والخضوع جاهز. نحن نعلم أن الشرارة الأولى فيها من الخبث الإسرائيلي ما فيها، ونعلم أن المخطط جاهز، وأن توقيعنا لا يهم، لكن كان الهدف الإحراج والتفرقة.

تركناكم تتورطون دون أن تتلطخ أيدينا بدماء بعضنا البعض، وبالتالي تأكد أن الغرب على طريقه يكيل بمكيالين، لأنه يقف بجانب إسرائيل على طول الخط، ولا يهتم بما عدا ذلك.

إنهم يدغدغون العواطف بالحديث عن حقوق الإنسان لكنهم لا يأبهون بإنسان فلسطيني يضطهد على طول العام، ولا تهم ديانته سواء كان مسلما او مسيحيا.

صار لزاما على أن الغرب يحدد مفهوم الإنسان قبل الحديث عن حقوقه، لنعرف هل نحن من الإنسان في نظره؟

إذا كنا من الإنسان من حقنا التعبير عن مواقفنا أينما كنا، والدفاع عن المضطهدين في كل مكان، لا أن نكون مع توجهاتكم، وأن نقبل بالقرارات والإملاءات، لا يمكن أن تطالبوا بالحرية وتضغطوا بها على الدول وتطالبون القادة بقمعنا حين نختلف معكم ونرفض تحيزكم.

إن الشعوب العربية والإسلامية وهي تستنكر ما يحدث الآن أثبتت أنها أكثر تحررا، لأنها تدافع عن المدنيين وتطالب بحقن الدماء، بمعزل عن اللون والعرق والدين، وهذا ما يعجز الغرب عن استيعابه.

أصبحت الديمقراطية انتقائية، وصار للتعبير عن المواقف مقابله، فمن يخالف توجهات الغرب يصبح ضحية مواقفه، قد يكون مصيره القتل إذا كان قريبا من اليد التي تبطش، أو التغريم في بعض البلدان، إنها ديمقراطية الألفية الثالثة التي جعلتنا نكتشف الأكاذيب، ونخرج من عالم الأوهام.

قد تكون مخالفتنا وشجينا مجروحين، لأن القضية الفلسطينية هي قضيتنا وأن حرية الأراضي الفلسطينية غايتنا، لكن ما رأيكم في المتنورين من بني جلدتكم، الذين انحازوا للحرية وكرامة الإنسان وسلامة المدنيين وللقوانين الدولية التي كنتم وراء سنها؟

إن السلام مطلب عام، كما أن صوت الشجب لم يعد عربيا فالرفض أصبح يردد بكل لغات العالم، لكن الآذان بها صمم.

*صحافي مغربي

الاكثر قراءة