كتب ـ خليل زيدان
قد يتصور البعض أن مهنة التمثيل بسيطة، وهي مجرد وقوف الممثل أمام الكاميرات والأضواء ليُلقي جملتين وينتهي المشهد، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أنها مهنة شاقة تتطلب التركيز الشديد من الممثل، وعليه أن ينسى حياته كلها ليعيش فقط الشخصية التي يؤديها تحت ضغوط مخرج، وترقب منتج يريد النجاح للعمل.. وهناك ضغوط أخرى يتعرض لها الممثل وتحدث كلها في كواليس العمل الفني ولا يدري بها المشاهد.
توضح «الهلال اليوم» بعض الضغوط والاضطرابات التي واجهتها الفنانة المطربة صباح عند تعاقدها للعمل بأحد الأفلام، وذلك في مطلع الستينيات عندما خصت مجلة الكواكب بحديث منفرد عن الفيلم المتعب في مسيرتها الفنية، وروت صباح التفاصيل في السطور التالية:
لازلت أتذكر ذلك الفيلم المشئوم الذي كنت أقوم ببطولته، الفيلم الذي جعلني أكره الفن والسينما والأضواء، يكفي أن تعرفوا أنني اكتشفت ضعف القصة بعد مضي أسبوع على التصوير، واكتشفت إفلاس المنتج بعد هذا الأسبوع حين توقف التصوير ريثما يتمكن من تدبير المال اللازم لاستئناف العمل.
والغريب أن شعورًا مقبضًا كان يملأ صدري وأنا أذهب إلى الأستوديو وكأنني ذاهبة إلى سجن.. بل لقد تمنيت في ظل هذا الشعور المقبض لو أن معجزة وقعت وأعفتني من بطولة الفيلم ومن التمثيل ومن هذا الفيلم الذي يملؤني تشاؤمًا وانقباضًا.
وذات يوم حدثت المعجزة، ذهبت إلى الأستوديو، فطلب مني مساعد المخرج أن أرتدي فستانًا معينًا سبق أن ارتديته في أحد المناظر، وبحثت عن الخياطة التي تلازمني في الأستوديو فاكتشفت أنها اعتذرت عن الحضور بسبب وفاة أحد أقاربها، وقمت بنفسي أبحث عن الفستان في دولاب ملابسي بالأستوديو فلم أجده، وتذكرت أنني أعدته إلى البيت منذ يومين، ولما كان مفتاح حجرة ملابسي معي، فقد طلبت من المخرج أن أعود إلى البيت فورًا لإحضار الفستان، باختصار ركبت سيارتي إلى البيت، وفي الطريق انفجر إطار السيارة، ونزل السائق محاولاً استبداله، فاكتشف أن "الإستبن" قد أصيب أيضًا بعطب.
تركت السيارة مع السائق وركبت "تاكسي" إلى البيت، وفي البيت فوجئت بتوقف المصعد عن العمل بسبب بعض التلف، واضطررت أن أصعد السلم حتى الدور الخامس حيث أسكن، وضغطت على جرس الباب وأنا ألهث من التعب، فلم يرد أحد وتذكرت أن السفرجي في إجازة اليوم، ولكن الخادمة موجودة فأين هي؟ وعدت أدق الجرس مرة أخرى فلم يرد أحد، وبعد نصف ساعة من الدق والانتظار وجدت الخادمة آتية من الخارج، وطبعاً لم يكن لدي وقت لتعنيفها، فدخلت الشقة ثم غرفة الملابس فلم أجد الفستان، ولما سألت الخادمة عنه قالت أنها أعطته للمكوجي.. وصرخت فيها أن تذهب فورًا لإحضاره، وعادت الخادمة لتقول أن محل المكوجي مغلق لأن اليوم هو الإثنين عطلته الأسبوعية، فماذا أصنع؟
أتصلت على الفور بالأستوديو لأشرح للمخرج هذا المأزق، فأحالني إلى المنتج الذي أخذ يصرخ ويهددني برفع دعوى تعويض إن لم أحضر اليوم ومعي الفستان لاستئناف التصوير، أغلقت السماعة وطلبت من الخادمة أن تذهب إلى بيت المكوجي، فاستعانت الخادمة بالبواب الذي تطوع لإحضار المكوجي من بيته، وجاء المكوجي على عجل ولكنه لم يجد الفستان في المحل، فقد اكتشف أن الصبي الذي يعمل عنده قام بسرقة مجموعة من الفساتين والملابس من بينها فستاني.
وخلال ذلك كله وصلتني برقية من المنتج يحملني فيها مسئولية التأخير، فحولت البرقية إلى المحامي الذي يهتم بشئوني القانونية، وقد توقف العمل، وبعد الإشكال بيني وبين لمنتج أربعة أيام تم الصلح على أن أعد فستانًا آخر بنفس الشكل، وجاءت حائكة الملابس فدفعت لها ضعف الأجر لتصنع لي الفستان بأسرع ما يمكن، وبعد 24 ساعة كنت أرتدي الفستان الجديد، وقلت أتصل بالمنتج لأخبره أن كل شيء على ما يرام.
وحدثت المعجزة على لسان المنتج نفسه، حيث قال أنه سيُعيد تصوير الفيلم من أوله، فقد شب حريق في معمل التحميض وأتلف الجزء الذي تم تصويره، هل هناك معجزة أفضل من هذه تعفيني من هذا الفيلم المشئوم؟ وبسرعة اتصلت بالمحامي وطلبت منه أن يقوم بفسخ العقد لأنني غير مستعدة لإعادة التصوير، وهكذا أنقذني الحريق من الفيلم المشئوم.