الثلاثاء 7 مايو 2024

الأمن القومى المصرى الخطوط الحمراء المحظور الاقتراب منها

الأمن القومى المصرى خط أحمر

25-10-2023 | 07:49

تقرير: رانيا سالم - سناء الطاهر - أشرف التعلبى - أميرة صلاح

فى الأوقات الحاسمة تُظهر مصر ثوابتها، وترسم خطوطها الحمراء وفق ما تريد وبكل حسم، وتفرض على الجميع الالتزام بها، وهذا الأسبوع كان التأكيد المصرى الواضح، سواء عبر الرئيس عبدالفتاح السيسى أو خلال اجتماع مجلس الأمن القومى المصري، أن الأمن القومى المصرى خط أحمر، رسالة جاءت فى وقتها، فمصر لا تلجأ إلى لغة التصعيد إلا عندما يرتبط الأمر بأمنها القومى، وتعرضه لتهديد صريح، وقتها لا توازنات ولا حسابات إلا ما يحفظ أمن مصر وأرضها، ويردع كل منْ يفكر فى الإضرار بها، الكل يقف صفًا واحدًا، لهدف واحد هو مصر وحمايتها، وعندما تتزايد الأحاديث عن أفكار تمسّ بوضوح الأمن القومى المصري، فلا مجال إلا التأكيد أن هذا غير مسموح به، والخطوط الحمراء المصرية حاضرة وملزمة لا تحتمل اللبس، ورسالتها يجب أن تصل إلى كل الأطراف، لا تهاون ولا تفريط، وسوابق مصر فى فرض خطوطها الحمراء تؤكد أن الحديث فى هذا الأمر لا يحتمل التأويل، عندما تتحدث مصر عن الخطوط الحمراء، فكل كلمة فيه محسوبة، وكل خطوة مدروسة، الأمن القومى المصرى ليس خطوطًا وهمية، بل واضحة للجميع، حدود مصر وأرضها، وسيادتها ومصالح شعبها، وسلامتها واستقرارها، خطوط مرسومة بإرادة وطنية، ولا يجوز تخطيها أو الاقتراب منها أو المساس بها تحت أى مبرر أو مسمى.

لمصر جيش قادر على فرض هذه الخطوط على الجميع وحماية أمنها القومى، تاريخ الجيش المصرى زاخر بما يؤكد ذلك، وحاضره شاهد على قدرته وجاهزيته للدفاع عن الوطن والردع لكل منْ يفكر فى أن يقترب من أمن مصر وأرضها أو شعبها، مصر تعتبر فلسطين جزءاً لا يتجزأ من أمنها القومى، وقضيتها هى قضية مصر، لكن أرض سيناء فى قلب الأمن القومى المصري، رمالها مرويّة بدماء عشرات الآلاف من الشهداء على مدار التاريخ، وغير مقبول مجرد الحديث عن التفريط فيها أو السماح بالاقتراب منها تحت أى مسمى أو مخطط، فالحديث عن اقتطاع جزء من سيناء من أجل الأشقاء، فتنة يجب أن يفطن إليها الفلسطينيون أنفسهم، لأنها تهديد صريح بموت قضيتهم، وفى الوقت نفسه مساس مباشر بالأمن القومى لن تقبله مصر.

هذا ما أكد عليه بوضوح مجلس الأمن القومى برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى، موجهًا رسالة إنذار لكل منْ يفكر فى تهديد أو المساس بالأمن القومي، فمصر بجيشها وشعبها لن تتهاون فى حماية أمنها وسيادتها، مهما كلفها الأمر وفى أى ظروف كانت..

اللواء محمد إبراهيم الدويرى، نائب المدير العام للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، يصف الأمن القومى المصرى بأنه مبدأ أساسى وجوهرى، وغير مسموح لأى طرف تجاوزه، وهى عقيدة كل الشعب المصري، فالأمن القومى المصرى وسيادة الدولة المصرية على أرضها أمر محسوم ومؤكد، والقيادة السياسية متمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى أعلنته للعالم بشكل واضح وحددت خطوطه التى لا يقبل تجاوزها لأنها خطوط حمراء.

وهو الأمر ذاته الذى أكده الرئيس السيسى من قبل فى 2021، عندما أكد أن خط «سرت – الجفرة» فى ليبيا على الحدود الغربية للدولة المصرية يمثل خطًا أحمر للدولة المصرية، فالحفاظ على الأراضى المصرية وسيادتها على أراضيها أمر غير خاضع للنقاش، بل هو حق أصيل.

يضيف «الدويرى» أن حفاظ الدولة المصرية على أمنها القومى ووحدة وسلامة أراضيها لم يكن عائقًا أمام تعاملها مع الأزمة الحالية ومعاناة الفلسطينيين، بل على العكس تعاملت الدولة المصرية بشكل جاد منذ اليوم الأول لنشوب الحرب وتصاعد العمليات العسكرية بين إسرائيل وغزة، واتخذ التعامل مسارات عدة، كان على رأسها الحرص على إنقاذ سكان قطاع غزة، والعمل على إدخال المساعدات الإنسانية لهم، بالإضافة للتحركات الإقليمية والدولية مع مختلف الأطراف من أجل خفض التصعيد، ووقف استهداف المدنيين.

وقدم الرئيس السيسى مقترحًا شاملًا لإنهاء الحرب بين الطرفين، والتى امتدت لسبع حروب على مدار 15 عامًا، وهذا المقترح قائم على حل الدولتين مع رفض سياسة التهجير أو تصفية القضية على حساب دول الجوار، وهو ما يضمن عدم تكرار واندلاع حروب مستقبلية، من خلال عدم الرجوع لحلول مؤقتة هشة والانتقال إلى الحلول الدائمة.

يشير «إبراهيم» إلى إصرار القيادة المصرية على إنهاء الأزمة من جذورها وتقديم حل دائم، لتحقيق استقرار المنطقة، لأن استمرار الحرب حتما سيؤدى إلى الانفجار، وهو ما يهدد الأمن القومى لمصر ولدول المنطقة والرئيس السيسى حريص بكل قوة وجدية على اتخاذ كافة الإجراءات التى تحمى الأمن القومى، مهما كان حجم التهديدات والمخاطر.

اللواء د. سمير فرج، الخبير الاستراتيجى، يصف الأمن القومى المصرى بأنه مفهوم واسع يتضمن كافة أركان الدولة المصرية، والمخاطر التى تُهددها، سواء كانت موجودة بالفعل أو متوقعًا حدوثها فى المستقبل، حتى يتم العمل على تجنب هذه المخاطر، ومنع حدوثها كإجراء وقائى، أو التقليل منها وصولًا للتصدى لها من أجل الحفاظ على أمن الدولة، وإنهاء كافة هذه المخاطر والتهديدات.

فرج يؤكد أن: «ما يدور على الحدود المصرية الشرقية بالتأكيد له تأثير على الأمن القومى المصري، وتحديدًا محاولات تقديم اقتراحات مكررة تتلخص فى ترحيل الفلسطينيين إلى داخل سيناء المصرية، وهو طرح أعلنت مصر رفضه منذ 10 سنوات، شعبًا وقيادة، وإعادة تكرار المقترح مرة ثانية بعد الأحداث الأخيرة أمر مرفوض، فليس من المقبول أن تسمح أى دولة أن يُقتطع جزء من أراضيها ليسكنه مواطنون من دولة أخرى، فهو أمر يمثل اختراقًا لسيادة الدولة على أراضيها كما أنه يهدد بتصفية قضية فلسطين التى تعتبر أولوية مصرية».

ويشير فرج إلى أنه من حق الدولة الدولة المصرية الحفاط على أراضيها وأمنها القومى وسيادة أراضيها، دون أن تتخلى الدولة المصرية عن شقيقتها الفلسطينية، وكالعادة اختارت الدولة المصرية الوقوف فعلًا وقولًا بجانب وفى ظهر شقيقتها الفلسطينية، والعالم أجمع شهد كيف أدارت الدولة المصرية الأزمة سواء على المستوى السياسى أو الإنسانى من خلال تقديم المساعدات للأراضى الفلسطينية، وهو موقف مشرّف، لطالما اعتادت الدولة المصرية أن تقف إلى جوار أشقائها.

فرج يشيد بإدارة القيادة السياسية متمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى للأحداث الأخيرة ولملف السياسة الخارجية كله، حيث تمت الإدارة بذكاء واحترافية وتكتيك عالى المستوى، فكان موقف الدولة المصرية فى الأحداث الأخيرة معلنًا وصريحًا وواضحًا ومن منطق قوة، وكالعادة كان اختيار القائد عبدالفتاح السيسى القرار الصعب فى التوقيت والظروف الأصعب، وهو ما اعتدناه من الرئيس السيسى منذ ثورة 2013، فهو رجل اعتاد اتخاذ القرارات الصعبة، ويعى تمامًا المهام المكلف بها وهى حماية الدولة المصرية والحفاظ على أمن وسلامة أراضيها، هذه العقيدة الراسخة فى عقله وقلبه ظهرت بالتطبيق على أرض الواقع وشهد عليها العالم أجمع.

اللواء محمد الغبارى، مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، يعتبر البيان الصادر عن مجلس الأمن القومى بمثابة تأكيد على أهمية الموقف.

والدولة المصرية تؤكد أن أمنها القومى خط أحمر، وبديله استخدام القوة لتحقيق الأمن القومى أو ردع أى تهديد، كما فعلنا فى دولة ليبيا الشقيقة، عندما تم تحديد خط «سرت – الجفرة» كخط أحمر ممنوع تخطيه، وبالفعل لم يقترب أحد من هذا الخط الأحمر الذى حددته مصر، وهو ما يؤكد عدم التهاون فى حماية الأمن القومى المصري، مهما كلف الأمر.

يكشف الغبارى أن مجلس الأمن القومى هو المنوط به اتخاذه قرار الحرب، وبالتالى عندما يجتمع ويقر بأن الأمن القومى المصرى خط أحمر، فمعنى ذلك أنه مستعد أن يستخدم الحرب فى ردع أى مصدر لتهديد الأمن القومي، وهو إنذار لكل منْ يحاول المساس بهذا الخط.

لأن الأمن القومى هو الغاية الكبرى للدولة، والتخطيط الاستراتيجى يعنى استغلال كافة إمكانات الدولة لتحقيق التنمية الشاملة لضمان الأمن القومى للدولة، فإذا حدث تهديد فى منتصف هذه المعادلة لن يتحقق الأمن القومي، ونقوم بتقييم هذا الخطر وهل سيوقفنا ويهددنا فنقوم بردعه وضربه. ويوضح اللواء الغبارى أن خطوط الأمن القومى الحمراء لأى دولة تتمثل فى الاعتداء على الحدود، أو أن يتم استقطاع أرض، أو مهاجمة المواطنين بالقوة، أو أن تكون هناك محاولات لاغتصاب الأرض، أو أن يتم قطع المياه، وأيضًا من ضمن خطوط الأمن القومى قطع سلعة استراتيجية، ويكون الطرف المصدر لها هو مصدرها الوحيد، وبالتالى نقول إن هذه الخطوط هى كل ما يخص سيادة الدولة ويهدد حياة المواطنين.

وفيما يخص القضية الفلسطينية فإن ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء أمر مرفوض، ويهدد الأمن القومى المصري، والرئيس السيسى أكد ذلك من قبل، عندما قال نرفض حل أو تصفية القضية على حساب أطراف أخرى، وبالتالى فالحدود المصرية خط أحمر لا تهاون فى حمايتها.

اللواء د. نصر سالم، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية يؤكد أن هناك العديد من المخاطر التى تهدد الأمن القومى المصري، ولعل أهمها وأخطرها ألا تدنس الأراضى المصرية أى قدم معتدية، وبالتالى حدودها تظل مصونة بأيدى وأرواح رجالنا، فنحن لن نفرط فى شبر أو حتى ذرة رمل واحدة، ولا يمكن أن نسمح لعدو أو صديق أن يقترب من شبر واحد من أرضنا.

«سالم» أوضح أن تعرض الأشقاء فى دولة فلسطين لعمليات القتل الممنهج، يُشكل خطرًا يهدد الأمن القومى المصري، خاصة أن إسرائيل تسعى لتهجيرهم إلى أرض سيناء حتى إن كانت لا تعلن ذلك صراحة، وإنما كل المعطيات على أرض الواقع تدلّ على رغبتهم فى دفع الفلسطينيين للنزوح للأراضى المصرية.

لافتا إلى أن الشعب الفلسطينى يرفض ذلك رفضًا قاطعًا، ويفضل أن يُدفن فى أرضه أفضل من أن يعيش خارج حدوده، لذلك تسعى القيادة السياسية المصرية لاسترداد حقوقهم المشروعة، وتصرّ على أن يعيش الفلسطينيون على أرضهم حياة كريمة من خلال إقامة دولتهم، مؤكدا أن عمليات القتل المستمرة تعتبر تصفية للقضية الفلسطينية، وهو ما نرفضه تماما، داعيًا المجتمع الدولى لتحمل مسئولياته فى ضوء الموقف السلبى من دول العالم، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تسيير مهمة الكيان الصهيوني.

الخبير العسكري، أضاف أن أمريكا تساعد وتدعم إسرائيل، من خلال إرسال حاملتى طائرات فى البحر المتوسط، كذلك إعلان إنجلترا نشر تجهيزات عسكرية للمراقبة البحرية والجوية فى شرق البحر المتوسط لدعم إسرائيل، استعدادًا لاشتعال حرب فى المنطقة، وهذا هدفه تهديد كل أصحاب الحق الفلسطينى، ومحاولة إسكاتهم جميعا وحتى يترك إسرائيل تعمل آلة الحرب لتدمير هذه القدرات، سواء كانت «حماس»، أو كل الفصائل الفلسطينية، أو حزب الله، أو المقاومة الموجودة على الأراضى السورية، وكل هذا يستنفد من قدرات الأمة العربية ويؤثر على أمننا القومى العربي، بدلا من أن ننمى قدراتنا فى سبيل الخير والرخاء وننمى اقتصادنا وقدراتنا العربية.

لذلك يشدد «سالم» على ضرورة أن تكون هناك وقفة لوضع حدّ لهذا الصراع، ويجب أن يدرك العالم أجمع أن حل القضية يتوجب أن يتضمن منح الفلسطينيين حقوقهم، وأن يكون لهم الحق فى إقامة دولتهم على أرضهم وتكون عاصمتها القدس الشرقية، مشيرا إلى أن ذلك يعد الحل الأمثل فلن يستطيع أن يعيش الفلسطينيون أو الإسرائيليون حياة آمنة، مادام الفلسطينيون أرضهم مغتصبة، ولذلك قدمت مصر آليات لتحقيق الأمن القومى، ليس لمصر فقط وإنما للمنطقة بأكملها.

ودعوة مصر لعقد قمة إقليمية دولية، تدفع كل طرف أن يتحمل مسئولياته، سواء كان فى المحيط الإقليمى، أو المحيط الدولى من الدول المعنية والجهات ذات الشأن المحيطة بنا، ليتخذوا موقفًا يساهم فى الحفاظ على أمننا القومى، وإيجاد حل سريع وفورى للقضية الفلسطينية، وفى مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضى الفلسطينية، ولنحيى القرارات الدولية التى دُفنت، وتحاول إسرائيل وأمريكا أن تجعلها حبرًا على ورق، أو كأن لم تكن.

اللواء محمد قشقوش، الخبير الاستراتيجى والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، قال إن اجتماع مجلس الأمن القومى المصرى جاء فى توقيت مهم خلال مراحل الأزمة الفلسطينية – الإسرائيلية، وقراراته شملت عددًا من البنود الرئيسية التى تؤكد وقوف مصر إلى جانب القضية الفلسطينية بشكل واضح ورسمى.

فالقرارات التى صدرت عن اجتماع مجلس الأمن القومى المصرى هى تأكيد لما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال حفل تخرج الأكاديمية العسكرية، سواء على تقديم المعاونة والمساندة للشعب الفلسطينى بقطاع غزة من المدنيين أو الحفاظ على أمن مصر القومى، مع رفض الدعوات التى تحثّ الفلسطينيين على النزوح من قطاع غزة جنوبًا تجاه مصر، لما لها من أثر خطير على وجود القضية الفلسطينية من الأساس، مع التأكيد على رفض توطين الفلسطينيين فى أى أرض مصرية كموطن بديل نهائيًا.

وأوضح اللواء قشقوش أن الأمن القومى المصرى خط أحمر، ولم ولن يُسمح المساس به، وما تفعله إسرائيل من انتهاكات مرفوض، وهو ما أكده الرئيس السيسى فى كافة اتصالاته وتم إبلاغه للولايات المتحدة بشكل واضح، مشيرا إلى أن التحذير المصرى المتكرر من تداعيات إصرار إسرائيل على هذا النهج الذى يتنافى مع أبسط قواعد القانون الدولى والإنسانى، يرتبط بمجهود دبلوماسى مصرى واسع النطاق يشمل التواصل الرئاسى مع القوى الإقليمية والدولية الكبرى.

مضيفًا أن مصر تخوض معركة شرسة فى الحفاظ على أمنها القومى لم تخُضها طوال تاريخها، ويمكن أن نستدل على ذلك من خلال القرارات التى صدرت عبر مجلس الأمن القومى المصري، فضلًا عن الإجراءات التى تحاول أن تستغلها مصر لصالح توصيل المساعدات الإنسانية إلى الأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة، مقابل منح الضوء الأخضر لخروج حاملى الجنسيات الأوربية والأمريكية، عبر معبر رفح البرى إلى بلادهم.