الجمعة 10 مايو 2024

الضمير الغربى مات

الكاتب الصحفي عبد اللطيف حامد

25-10-2023 | 07:55

بقلم: عبداللطيف حامد

مات الضمير الغربى.. لا أجد توصيفا مناسبا ولا تعليقا ملائما يجسد الصمت الأوربى القاتل على جرائم الاحتلال الإسرائيلى غير المسبوقة خلال حصار قطاع غزة، ولم يتورط فيها أى محتل أو غازٍ على مر التاريخ، فلا يمكن تبرير قطع خدمات المياه والكهرباء عن أى تجمع مهما كانت الادعاءات، ولا يمكن قبول أى سبب لوقف المساعدات الغذائية عن أى شعب مهما كانت الحجج، ولا يمكن حظر وصول الأدوية والمستلزمات الطبية عن أى جماعة مهما كانت الذرائع، ولا يمكن الصمت على جرائم الإبادة مهما كانت الأسباب، ولا يمكن الموافقة على العقاب الجماعى لأى طائفة مهما كانت الحيل، ولا يمكن لاستجابة لمخطط التهجير القسرى لملايين المواطنين من وطنهم مهما كانت المسوغات، وللأسف كل هذه الفظائع والمآسى يرتكبها الإسرائيليون بدم بارد، وبلا خوف من قانون دولى أو تحرك أممى، والأكثر غرابة وبشاعة هو حالة الخنوع الدولى، والرضاء من غالبية العواصم الأوربية، لقد أصابهم عمى البصيرة وليس عمى البصر فقط.

 

ولم يتوقف موت الضمير الغربى فى مأساة غزة وما حولها من المدن والقرى الفلسطينية بعد عملية طوفان الأقصى على مجرد غض الطرف عن المجازر الإسرائيلية التى دفعت مؤشر أعداد الشهداء إلى الصعود لنحو 2500 شهيد منهم أكثر من 750 طفلا وأكثر من 500 سيدة، وارتفاع أعداد المصابين إلى نحو 10 آلاف منهم أكثر من 2500 طفل و1600 سيدة وفقا لتقديرات مبدئية، وبالطبع الأعداد فى تزايد، بل الأدهى والأمر هو التأييد للجانى وليس الضحية، وتسابق الدول الأوربية فى بيانات الدعم للاحتلال الإسرائيلى، وتسجيل المواقف المساندة لتل أبيب فى حربها الضروس على المدنيين العزل، وتدمير البنية التحتية بلا تمهل، وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، قلوب القادة الغربيين ماتت، وقست وأصبحت كالحجارة أو أشد قسوة، فلا يرون فظاعة ما يفعله جنود الاحتلال تحت قيادة نتنياهو عاشق الدمار، ومصاص الدماء، وقائد الحكومة الأكثر تطرفا فى تاريخ إسرائيل المشين، وكانت السبب الرئيسى فى خروج الأمور عن السيطرة، ودفع فصائل المقاومة الفلسطينية للقيام بعملية طوفان الأقصى للرد على الهجمات المتواصلة على المدنيين، وإسقاط الضحايا، وانتهاك حرمة المسجد الأقصى، والإصرار على نشر المستوطنات بلا هوادة.

 

ومن المعلوم بالضرورة أن الحديث عن السكتة القلبية للضمير الأمريكى تجاه ما يحدث من مجازر إسرائيلية ضد المدنيين فى مختلف المدن والمخيمات الفلسطينية لا جدوى منه ولا فائدة، ودعم واشنطن «عمال على بطال» لتل أبيب لم ولن يتغير، فالكيان الإسرائيلى الابن غير الشرعى لها، والحليف الاستراتيجى لتنفيذ أجندتها المسمومة فى الشرق الأوسط، ناهيك عن دور اللوبى الصهيونى الضارب فى مختلف دوائر صنع القرار، ومن هنا لا يسمع الأمريكان آهات الشعب الفلسطينى المقهور فى أرضه، ولن يحركوا ساكنا لاستغاثاته لإقامته دولته المشروعة، ولن يروا تضحياته بالروح والدم دفاعا عن الأرض والعرض، وبمرور السنوات، وتتابع العقود على مدى 75 عاما من النكبة الفلسطينية سنة 1948 وحتى الآن، طبع على قلوب ساكنى البيت الأبيض الولاء لإسرائيل مهما تبدلت الأنظمة ومهما تغيرت شخصيات الحكام، مع كراهية الحق الفلسطينى الظاهر للعيان، ولذلك مع كل جولة من الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية نجد أن المسئولين الأمريكيين ومن ورائهم الميديا بكل أشكالها ومختلف ألوانها يتصرفون كالموتى فقد أصم الله قلوبهم فأماتها، فلا يسمعون دعاء الحق والعدل بل يتولون وهم معرضين.

 

بل إن موت الضمير الأمريكى فى هذه الحرب بلغ مدى لا يمكن تصوره، فالدعم لإسرائيل وكأنها تحارب قوى عظمى وليس مجرد بعض فصائل المقاومة محدودة القدرات، وقليلة الإمكانيات، فها هو بايدن يسارع منذ بداية الأزمة باتخاذ قراره العاجل بمد إسرائيل بحزمة مساعدات أمنية بقيمة 8 مليارات دولار، ثم إرسال حاملة الطائرات «جيرالد فورد» مع تأييد واسع لكل جرائم تل أبيب ضد المدنيين من الفلسطينيين، وصولا إلى إرسال الولايات المتحدة لحاملة الطائرات الثانية «يو اس اس أيزنهاور»، وليس خافيا ما يتردد حول مشاركة القوات الأمريكية فى الهجوم البرى على غزة إذا أصر نتنياهو على تهديداته من أجل تحويلها إلى أرض محترقة، رغم الخسائر الفادحة المتوقعة من الطرفين، وأزيدكم من الشعر بيتا محزنا، كشفت صحيفة «هاينجتون بوست» الأمريكية أن هناك تعليمات صارمة من وزارة الخارجية للدبلوماسيين بالشرق الأوسط بأن ممنوع عليهم استخدام تعبيرات من نوعية «وقف التصعيد، وقف إطلاق النار، وإنهاء العنف، وسفك الدماء، واستعادة الهدوء»، والمريب أن هذه الرسائل تم إرسالها بالبريد الإلكترونى بعد ساعات من إبلاغ إسرائيل لأكثر من 1.1مليون من سكان شمال غزة بضرورة مغادرة منازلهم وملاجئهم قبل الاجتياح البرى المتوقع للقطاع، وبالطبع هذا إشارة واضحة إلى إحجام إدارة بايدن عن الضغط بأى طريقة على تل أبيب، ووفقا لكل الأدبيات الدبلوماسية هذا الأمر يتنافى مع مكانة أمريكا كقوة عظمى، والمفترض أنها تتدخل لإخماد الصراعات لا إشعالها، لكنه الفشل الأخلاقى وعمى الضمير وموت القلب.

 

فلتذهب أمريكا وتابعتها أوربا إلى الجحيم، ولابد من مواصلة التحركات والاتصالات السياسية حتى يستيقظ الضمير العالمى، خصوصا خارج القارة العجوز وبعيدا عن نطاق الولايات المتحدة الأمريكية أمام ما يجرى من غارات وحشية على المناطق الفلسطينية، وكما شخص الموقف على حسابه بموقع «إكس»، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بأن الحمى الجنونية التى تتصرف بها إسرائيل وحالة السعار لآلة القتل ماهى إلا تجسيد لقبح الاحتلال ووحشيته، والعدوان على قطاع غزة يعكس جرائم حرب متراكمة ومخالفات هائلة للقانون الدولى الإنسانى، لكن الموقف الدولى آخذ فى التغير والاستفاقة من هوس دعم إسرائيل إلى واقع أليم يدفع ثمنه أبرياء، وعلى نفس المنوال سارت الصين بتأكيدها أن ما تفعله إسرائيل يتجاوز حدود الدفاع عن النفس، ويجب التوقف عن العقاب الجماعى لسكان غزة.

 

بدون مجاملة وبلا أى مزايدة، الموقف المصرى هو الأفضل والأقوى بين كل الدول عربية أو أجنبية فى مساندة الأشقاء الفلسطينيين، فالقاهرة بقيادة الرئيس السيسى تحاول بكل السبل، وكافة الطرق لإيقاظ ضمير العالم كله وليس الغربى فقط منذ بداية الحصار الإسرائيلى على غزة، بداية من مواصلة الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين، وتكثيف الاتصالات مع المنظمات الدولية الإغاثية والإقليمية من أجل إيصال المساعدات المطلوبة، مع الاستعداد للقيام بأى جهد من أجل التهدئة وإطلاق واستئناف عملية حقيقية للسلام، وصولا إلى الدعوة لاستضافة قمة إقليمية دولية من أجل تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية، وربط خروج الأجانب عبر رفح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، وتدفقها على مطار العريش بشتى الأنواع ومختلف الكميات، وهذه الحزمة المتكاملة من التحركات والسيناريوهات كفيلة بفك الحصار عن غزة، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات اللازمة إليهم، وعلاج الجرحى، ثم الجلوس على مائدة المفاوضات بين الطرفين.

 

ليتنا نمتلك دواء لحالة التبلد فى مشاعر الرؤساء والقادة والزعماء الغربيين، الذين يسيرون وكأنهم نياما وراء الأكاذيب الإسرائيلية، والتهديدات الأمريكية، لدرجة أن بعض الدول مثل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أعلنت أنها ستدعم إسرائيل فى جهودها للدفاع عن نفسها، رغم تورطها بالصوت والصورة فى جرائم الإبادة الجماعية، واستهداف المنشآت الطبية، وقتل المدنيين، واغتيال الصحفيين.

 

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.