الثلاثاء 11 يونيو 2024

البرد كان السبب

20-2-2017 | 13:59

بقلم :  زهرة العلا

مفروض في الممثلة خاصة إذا اعتلت خشبة المسرح أن تواجه الجمهور في شجاعة، وأن تبعد عن نفسها أي مظهر من مظاهر الخجل وإلا كانت العواقب وخيمة تترك أثرا سيئاً في نفس الجمهور.. وقد ألفت دائماً أن أبعد الخجل - قاتله الله - عن نفسي بل كنت حريصة علي ألا أترك له أي سبيل ليتسرب إلي وأنا علي خشبة المسرح أمام الجمهور.

ولكن حدث مرة أن أحسست بخجل كبير جعل قطرات العرق تتصبب علي جبيني وتنحدر علي كل جسدي باردة كلسع الإبر في ليلة باردة من ليالي الشتاء في إحدي مدن الوجه البحري..

كنت أقوم بدور البطولة في إحدي المسرحيات التاريخية التي تقدمها الفرقة المصرية في هذه المدينة من مدن الوجه البحري.. وكنا كما أشرت في الشتاء، والجو قارس جداً حتي أنني لم أكن أستطيع أن أجلس في الكواليس بالملابس التاريخية التي أظهر بها في المسرحية وكانت عارية الكتفين والصدر... كنت أجلس وأنا ألف نفسي «بجاكتة» من الفرو السميك العصري أستمد منه الدفء، وعندما يحين دوري علي المسرح ألقيه عن كتفي وأدخل المشهد بملابسي التاريخية إياها.. وأظل أمثل دوري حتي أنتهي منه، وعندما أعود إلي الكواليس أسارع بارتداء الجاكيت الفرو من جديد!

وفي إحدي هذه الليالي كان البرد قارسا جداً، وجلست بين الكواليس أرتجف، ورحت أفري يدي ابتغاء للدفء ولا أدري كيف امتلأ ذهني في تلك اللحظة بصورة مدفأة ترعي فيها النيران ومقعد وثير يتأرجح أمامها، واستسلمت لهذا الخيال الذي طغي علي ذهني كله، ولم أفق إلا بمن يهتف باسمي منبها لي بأن أدخل المشهد... ونهضت من فوري، آسفة علي أنني سمحت لخيال عابر أن ينسيني لحظة دخولي إلي المسرح ودخلت مسرعة وانطلقت أؤدي دوري.

وعلي الرغم من أن دوري كان من النوع الدرامي الثقيل، فوجئت بالجمهور يضج بالضحك، ويستمر فيه حتي أصبحت صالة المسرح أشبه بحانة مليئة بالسكاري، ونظرت حولي أحاول أن أجد سببا لهذا الضحك المتواصل من الجمهور، وفطنت إلي أنني سبب هذا الهرج.. كنت قد نسيت أن أخلع «الجاكيت» الفرو العصري جداً عن ملابسي التاريخية، فبديت أشبه بدمية ألقيت فوقها الثياب بلا مراعاة لذوق أو لعصر.. وشعرت بالخجل يملأ نفسي وقطرات باردة من العرق تتناثر علي جبهتي ويتفصد بها جسدي كله.. قاتل الله الخجل.. لقد أحسست بالارتباك الشديد.. وحاولت أن أمضي في تمثيل دوري، حاولت أن أتغلب علي خجلي ولكن الكلمات تخرج من فمي منقطعة وأنا أكاد أموت خجلا... وأسدل الستار علي الفصل الأول، وعندما دخلت الكواليس ألقيت بالجاكيت الفرو من فوق كتفي وقررت ألا أستعمله بعدئذ حتي لو تجمدت من البرد!

الكواكب العدد 317 - 27 أغسطس 1957