رسالة سانت كاترين : باكينام قطامش
كان من المفترض أن أقوم بتغطية وقائع مؤتمر تنشيط السياحة الدينية «سيناء عاصمة للسياحة الدينية 2017» والذي أقيم بمدينة شرم الشيخ ولكن التغطية التقليدية ليست ذات موضوع وسط ما حدث من ملابسات أحاطت بهذا المؤتمر ولنبدأ القصة منذ البداية.
أعلنت محافظة جنوب سيناء متمثلة في شخص محافظها اللواء أركان حرب خالد فودة عن الرغبة الملحة في إقامة هذا المؤتمر الذي توجه مصر من خلاله رسالة إلي العالم أجمع بأنها بلد أمن وأمان وأن الأرض التي خطا علي ثراها أنبياء الله لا يمكن أن تكون هي نفس الأرض التي تفرز إرهاباً وعنفاً وتطرفا وتبلورت الفكرة لتحمل اسم مؤتمر السياحة الدينية «سيناء عاصمة للسياحة الدينية 2017» وحصل المحافظ علي رعاية رئاسة الجمهورية ممثلة في اسم الرئيس عبدالفتاح السيسي وتم إبلاغ وزارة الخارجية لتوجيه الدعوات للضيوف الأجانب المشاركين في المؤتمر علي أن يتوجه الجميع بعد انتهاء جلسات الحوار وروش العمل إلي مدينة سانت كاترين درة السياحة الدينية والتي تضم مزارات تمثل الأديان السماوية الثلاثة لزيارة هذه المزارات وعلي رأسها دير سانت كاترين ثم حضور الدورة الثالثة لملتقي الأديان «هنا نصلي معا» والذي أقيم علي مدار عامين سابقين وهذا الملتقي ليس مجرد حفل ترفيهي بل هو مشروع ثقافي إنساني فني حضاري تبناه الفنان المبدع د. إنتصار عبدالفتاح منذ أكثر من 30 عاماً وبذل جهوداً مضنية في وضع ملامحه بداية من إنشاء فرقة سماع للإنشاد الديني ثم فرقة رسالة سلام والتي ضمت أشكالا مختلفة من الإنشاد الديني الإسلامي والترانيم الكنسية وأسست حوار الثقافات المختلفة بين دول العالم ونجح كلا المشروعين نجاحاً جماهيرياً وفنياً كبيرا ولفتت رسالة سلام أنظار دول كثيرة وجهت لها الدعوة لتقديم عروضها في أهم دول العالم مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وانجلترا والبوسنة والصين ومنظمة اليونيسكو وكذلك أقدم كنيسة في العالم وهي الكنيسة الحجرية بالفاتيكان.
وتطور الحلم في قلب وعقل صاحبه ليصل إلي محطته المرتقبة بين أحضان جبال سانت كاترين التي لو جاز لها أن تتحدث لسطرت تاريخ الحب والسلام والقيم الدينية والروحية التي عاصرتها وكانت شاهدة عليها علي مدار سنوات طويلة.
وكانت الدورة الأولي لملتقي الأديان السماوية «هنا نصلي معاً» قد أقيمت بوادي الراحة في مدينة سانت كاترين العام قبل الماضي ليتعانق من خلالها حوار الثقافة والفن والحضارة مع القوي الروحية المحيطة بالمكان بمثابة تتويج لذلك الحلم الذي تصور البعض أنه بعيد ولكن مؤسس المشروع وواضع فكرته د. إنتصار عبدالفتاح وحده لم يفقد الأمل واختار لمشروعه الاسم الذي يحقق الهدف منه وهو الصلاة الجامعة لكل الثقافات والأديان علي أرض عاشت بكل ذرة فيها هبوط هذه الأديان.
وزارة السياحة.. من عنوان إلي عنوان
وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة أمرهما في شدة الغرابة ويثير الكثير من التساؤلات فالوزارة كانت إحدي الجهات الداعمة لملتقي الأديان في دورتيه الأولي والثانية وعندما عقد مؤتمر صحفي كبير بأحد الفنادق الكبري بالقاهرة للإعلان عن المؤتمر بشرم الشيخ والملتقي بسانت كاترين فوجئ الجميع بتغيير عنوان المؤتمر إلي نفس عنوان الملتقي وهو «ملتقي الأديان» «هنا نصلي معاً» بدون الرجوع إلي مؤسسه د. انتصار عبدالفتاح والذي سجله باسمه في الملكية الفكرية وكذلك تقدم به إلي منظمة اليونيسكو ليحصل علي رعايتها لهذا الحدث الهام وقد حصل عليها بالفعل في الدورة الثانية وداخل كواليس وأروقة المؤتمر الصحفي اكتشفنا أن هذا الاقتراح جاء من وزير السياحة الذي يعلم تمام العلم أن هذا العنوان ملك لصاحبه وليس من حق أي جهة أن تنسبه لنفسها وبالفعل تغير العنوان مما سبب حرجاً ومشكلة للإعلاميين الذين بدأوا النشر بالاسم القديم فمن خلال الأخبار علي المواقع والجرائد المختلفة نجد الاسمين مذكورين كما أن هذا التغيير بالتأكيد أثار نفس المشكلة لوزارة الخارجية التي كانت قد ارسلت الدعوات بالاسم الأول ثم تم إخطارها بتغييره بعد أن أبلغت الضيوف الأجانب بالفعل وأرسلت لهم دعوات الحضور.
وقد يظن البعض أن هذا الخلاف بسيط ولا يجب أن يكون محل اهتمام من أحد خاصة ونحن نتحدث عن مؤتمر يرعاه فخامة رئيس الجمهورية فالمهم هو نجاح المؤتمر وإبراز صورة مصر أمام العالم بالشكل الأمثل ولكن ما بني علي باطل فهو باطل فمهما بذلت الجهود ومهما كان حجم الحدث ومهما كانت درجة نجاحه يبقي عنوانه هو الراسخ في الأذهان والغريب أن وزير السياحة الذي أثار هذه المشكلة لم يحضر المؤتمر بشخصه لسفره إلي فرنسا لحضور بورصة السياحة - كما قيل لنا- فهل كان موعد هذه البورصة مفاجئا له؟! ولماذا اختار لمؤتمر يدعو للسياحة التي يرأسها موعدا يتعارض مع تواجده في مصر والحقيقة أن سياسة عمل وزارة السياحة محط تساؤلات كثيرة من الجميع نتمني أن نجد لها في النهاية إجابات شافية.
وزارة الأوقاف معجبة
عرض الأمر علي وزير الأوقاف فقال: الاسم الثاني أفضل وهو الذي سيكون عنواناً للمؤتمر ولم يلتفت هو أو غيره إلي البلبلة التي قد يثيرها تغيير العنوان في آخر لحظة وعندما اعترض د. انتصار عبدالفتاح علي هذا الاختيار قيل له من بعض المسئولين «نحن لم نأت إلي جوار الملتقي الذي أسسته فأنت من ستقوم بتقديم الحفل في سانت كاترين وأنت المايسترو للفرق التي ستشارك فيه» ومع احترامنا الكبير لمن ردد هذه الكلمات فانتصار عبدالفتاح ليس مجرد مايسترو لفرقة موسيقية أو غنائية بل هو مخرج مسرحي كبير ومؤسس للعديد من المشروعات الفنية والثقافية التي كانت وما زالت تجمع الجماهير حول فن راق يحارب الاشكال المستحدثة من الفن الردئ والتي أصبحت هي السائدة في السنوات الأخيرة وهو يستحق أن يلقب براعي الحب والسلام والتآخي وكل القيم التي يستطيع الفن أن يوصلها إلي العالم كله ببساطة وبدون ترجمة فعندما يتحدث الفن تصمت كل الأصوات التي تحاول إذكاء نار الفرقة والصراع بين الشعوب ولكن الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف أصر علي استخدام عنوان الملتقي عنوانا للمؤتمر.
وجدير بالذكر أنه لم يذكر في أي موقع من هو مؤسس هذا الملتقي كما لم تذكر وزارة الثقافة الراعي الأساسي لملتقي سانت كاترين فهي التي تستضيف الفرق الأجنبية من خلال العلاقات الثقافية الخارجية وهي أيضا التي تطبع علي نفقتها كل مطبوعات الملتقي وهذا أيضا أمر غريب ليس له تفسير منطقي ولابد أن نذكر أن د. إنتصار عبدالفتاح وحده هو الذي أعطي لوزارة الثقافة حقها من الشكر علي خشبة المسرح بسانت كاترين.
المؤتمر - اليوم الأول
أقيم المؤتمر تحت رعاية رئاسة الجمهورية ووزارات الأوقاف والسياحة والخارجية والآثار والشباب والرياضة والتعاون الدولي.
وقد وقف اللواء أركان حرب خالد فودة محافظ جنوب سيناء في استقبال ضيوف المؤتمر علي سلم الطائرة في مطارشرم الشيخ وهو أمر غير مسبوق من أي محافظ آخر ولكن خالد فودة يدرك أهمية هؤلاء الضيوف ولايتعالي علي استقبالهم بل إنه وقف في المطار ليقرأ بنفسه علي الضيوف أسماء الفنادق التي سيقيمون بها والبرنامج الذي سيسيرون عليه وفي اليوم التالي توجه الجميع إلي قاعة المؤتمرات بشرم الشيخ وهي بحق صرح كبير يجب أن نفتخر به جميعاً وبدأت وقائع الجلسة الافتتاحية بحضور المحافظ ووزير الاوقاف ووزير الآثار ووزير الدولة للشئون النيابية د. أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب اللواء محمد عبد الفضيل شوشة محافظ جنوب سيناء السابق وسفراء دول الفاتيكان اليونان - المجر بيلا روسيا أذربيجان اوكرانيا وممثلي الكنائس والطوائف الدينية المصرية .
وفي كلمته قال اللواء خالد فودة إن سيناء كانت علي مر العصور ملتقي جميع الأديان وهي تحتوي علي كنوز زاخرة من السياحة الدينية التي تعبر عن مختلف العصور والديانات وجميعها تحتاج إلي إلقاء الضوء عليها لتكون إضافة إلي المقومات السياحية التي تتمتع بها المحافظة .
ثم تحدث د. خالد العناني وزير الآثار نائباً عن رئيس مجلس الوزراء بكلمة جاء فيها أن مصر وتحديداً سيناء تعد الأولي عالمياً التي تتمثل فيها جميع العصور علي مر التاريخ رغم اختلاف أصولها وحضاراتها كما أنها تعبر عن حضارة أصيلة ضاربة في جذور التاريخ والحقيقة أن شبه جزيرة سيناء عامة ومحافظة جنوب سيناء خاصة تمتلك الكثير من هذا الإرث الذي تمتع به مصر.
وتتوالي الكلمات الافتتاحية من الوزراء والضيوف لتنتهي وقائع اليوم بافتتاح المركز الاسلامي في مسجد الصحابة بالسوق القديم وهو أحد الصروح الدينية الرائعة والمعبرة بحق عن سماحة الدين الاسلامي وفي نفس الوقت تم الإعلان من خلال المؤتمر عن إقامة الكنيسة الإنجيلية بشرم الشيخ.
اليوم الثاني
انتقل ضيوف المؤتمر إلي مدينة سانت كاترين حيث أقيمت صلاة الجمعة في نفس الوقت مع الصلاة بدير سانت كاترين ثم بدأت وقائع احتفالية هنا نصلي معاً التي وضع برنامجها الفني مؤسس مشروع ملتقي الاديان د. انتصار عبد الفتاح ومع بداية الحوار الفني الموسيقي الروحي بين الدول المختلفة لمحنا علي وجوه الحاضرين من الضيوف الأجانب انبهاراً واضحاً إلي درجة أنهم قاموا وقوفاً للتحية والمشاركة مع الفرق ثلاث مرات خاصة بعد المشاركة الفنية بين الهند وباكستان وهما الدولتان المتصارعتان علي مدي سنوات وكذلك العرض الرائع الذي قدمته الفرق الإفريقية والاوربية معاً فكلا العرضين أثبتا أن الصراع السياسي والخلاف العرقي والصدام الفكري كلها تتساقط أمام عظمة الفن خاصة عندما يكون فناً كونياً ليس ملكاً لطائفة دون الأخري وعندما يحمل علي أكتافه عبء إذابة كل الخطوط الفاصلة بين الشعوب فالنغمات تسكت دوي انطلاق الرصاصة والاخوة الإنسانية تتغلب علي مصالح الساسة التي تعيش وتقتات علي رفات شعوب لا تبحث إلا عن الحياة بأمن وأمان وحب وتآخ فمن أجل هذه القيم خلق الله الإنسان وجعله خليفة له.
كلمات أخيرة لابد منها
شكر خاص وهام جداً لوزير الثقافة الكاتب الصحفى حلمي النمنم فلولا جهود الوزارة لما جاءت هذه الفرق إلي مصر ولما حمل أفرادها علي خشبة سانت كاترين أعلام مصر ولما عادواإلي بلادهم يحملون أجمل وأرق وأسمي انطباعات عن هذا البلد .
شكر آخر واجب لكل فريق العمل الذي قام علي تنظيم المؤتمر والملتقي من العاملين بمحافظة جنوب سيناء وعلي رأسهم اللواء خالد فودة الذي نتمني أن يعيد الحق إلي صاحبه في الملتقي القادم بإذن الله كان بين جمهور الحاضرين مجموعة من الفنانين الذين حرصوا علي التواجد في هذا الحدث الهام وهم النجم محمد رمضان والذي أدهش الجميع بتواضعه الشديد واستجابته لكل الجماهير مع تكاثرهم عليه النجمة ندي بسيوني الفنان القدير سامح الصريطي الإعلامي القدير طارق علام وقد شاركوا بكل الحب اهالي جنوب سيناء وضيوف أرض الفيروز احتفالهم بالسلام والحب والإخاء خحيث رددوا معهم السلام لكل العالم ورفعوا أعلام مصر فى وجه كل من يحاولون اختراق أمنها وأمانها.
إذا كان هناك من أثاروا مشكلة لاأساس لها ومن صمتوا علي هذه المشكلة أثاروا نفس المشكلة لأنفسهم لأنهم ضربوا عرض الحائط بحق الملكية الفردية وبالمكاتبات الرسمية بين مؤسس الملتقي والوزارات المختلفة بل بينه وبين اليونيسكو متناسين أن القانون في النهاية هو الذي سيسود.