بقلم : محمد الشافعى
تفاعلت السينما المصرية بشكل جيد مع بطولات (حرب الاستنزاف).. وقدمت العديد من الأفلام أغلبها شديد الجودة .. مثل أبناء الصمت أغنية علي الممر - العمر لحظة - الطريق إلي إيلات. وبعضها ضعيف فنياً مثل يوم الكرامة - حائط البطولات .
وعندما حدث العبور العظيم في السادس من أكتوبر 1973.. تصادف وجود بعض الأفلام قيد التنفيذ مثل بدور الوفاء العظيم - الرصاصة لاتزال في جيبي إلخ .. فتم إضافة العديد من اللقطات التسجيلية لمشاهد الحرب لهذه الأفلام ويحتل فيلم «الرصاصة لاتزال في جيبي» المقدمة في ذلك - حيث يحوي وحده أكثر من نصف ساعة من المشاهد التسجيلية لحرب أكتوبر.
وبعد هذه الهوجة صمتت السينما تماماً عن تناول بطولات حرب أكتوبر حتي قدمت أفلام التليفزيون (حكايات الغريب)..عن قصة للأديب الراحل جمال الغيطاني .. وهي قصة (حول الحرب) .. وليست (عن الحرب)
وخرج العديد من التبريرات لشرح هذا الموقف الغريب من السينما تجاه بطولات أكتوبر .. فالبعض يؤكد أن ثغرة الدفرسوار أفقدت هذا الانتصار العظيم بعضاً من رونقه .. والبعض يؤكد أن تنازلات السادات في مفاوضات كامب ديفيد والتي أنتجت (معاهدة السلام) والتي جاءت أقل كثيراً جداً .. من عطاءات وبطولات الجندي المصري في الحرب .. أفقدت هذا الانتصار الكثير من رونقه ويمكن أن نختلف أو نتفق حول هذين التبريرين .. ولكنهما بشكل عام يعبران عن رؤي سياسية أكثر من تعبيرهما عن قوة وروعة أداء الجندي المصري في الميدان .. وكان علي أهل السينما تنحية هذه الخلافات السياسية جانباً والتركيز علي البطولات .. فأمريكا مثلاً دخلت الحرب العالمية الثانية (إلا خمسة) أي في المراحل الأخيرة من الحرب .. ولكن السينما الأمريكية استطاعت أن تصنع مجداً للعسكري الأمريكي .. من خلال العديد من الأفلام المصنوعة بإتقان .. عن دور أمريكا في حسم نتيجة الحرب لصالح الحلفاء .. ضد هتلر وأعوانه .
وعندما تلكأت وتأخرت مبادرات أهل السينما في التعامل مع بطولات أكتوبر بحجة جديدة وهي ارتفاع تكلفة إنتاج مثل هذه الأفلام ورغم وجود مئات البطولات التي لاتحتاج إلي وجود (مجاميع) أو قوات ضخمة إلا أن المبادرة جاءت من القوات المسلحة .. عندما أعلن المشير حسين طنطاوي قبل مايقرب من عشرين عاما .. استعداد القوات المسلحة لانتاج أربعة أفلام عن بطولات أكتوبر .. وقام بتكليف الرائع أسامة أنور عكاشة .. بكتابة سيناريو أول هذه الأفلام .. وعلي الفور قاد الكاتب إبراهيم سعدة رئيس تحرير أخبار اليوم حملة شعواء ضد أسامة .. بحجة (كيف لناصري أن يكتب فيلما عن حرب قادها السادات ؟) وقد فات الأستاذ سعدة عدة أشياء أهمها أن الأعمدة الأساسية التي قام علي أكتافها انتصار أكتوبر .. ثم إنجازها بالكامل خلال حرب الاستنزاف التي قادها ومنها (حائط الصواريخ - مدفع المياه الذي هدم خط بارليف- الخلطة التي أغلقت أنابيب النابالم - الإغارة علي النقاط الحصينة - خطة الحرب والتي تم تنفيذها في الإغارة علي النقطة الحصينة لسان بورتوفيق في يوليو1969..إلخ
والاهم من ذلك فاته أن التاريخ المصري (حلقات متصلة ) .. وليس (حلقات منفصلة) .. وأمام هذه الحملة الشعواء قرر المشير طنطاوي تجميد المشروع ورحل أسامة أنور عكاشة من دون أن يتم عمله الرائع والمهم وبعد ذلك لم نعد نسمع عن أي مشروعات لإنتاج أفلام سواء عن بطولات حرب الإستنزاف أو حرب أكتوبر .. وإذا كانت حجة ارتفاع التكاليف مازالت قائمة. فلدي أكثر من مائة بطولة كبيرة ومهمة.. لاتحتاج إلي مجاميع كبيرة أو تحريك قوات كثيرة لأنها بطولات فردية لمجموعات خاصة من الصاعقة والكوماندوز.. علي شاكلة الفيلم الأمريكي المهم (مدافع نافارون) ولكن البطولة المصرية أكثر قوة وتشويقاً.. فهل يبادر منتجو وفنانو السينما بأخذ هذه البطولات أو بعضها لتقديمها في أفلام تقدم القدوة الشريفة والنبيلة والمستطاعة لشبابنا من الأجيال الجديدة بدلاً من تقديم البلطجي والفتوة والسكير والمدمن وإن كان الأفضل والأسرع أن تبادر أجهزة الدولة الرسمية بتقديم هذه الأفلام كما فعلت من قبل عندما قدمت (ناصر 56- الطريق إلي إيلات ) فتقديم هذه الأفلام (فرض عين ) علي كل مسئول وفنان وإلا فلن يرحمنا التاريخ ولن يغفر لنا الأبطال .