الخميس 16 مايو 2024

الرئيس الذى تحتاجه مصر

الكاتب الصحفي أحمد أيوب

26-10-2023 | 16:18

بقلم: أحمد أيوب
نتساءل كثيرًا، ماذا نريد من رئيس مصر الفترة المقبلة؟ وهو بالتأكيد سؤال مهم وإجابته ضرورية، خاصة فى ظل اقترابنا من الانتخابات الرئاسية، وحتى نحدد أولوياتنا خلال الفترة المقبلة وما يجب أن يضعه الرئيس المنتخب فى أولوياته تلبية لاحتياجات ومطالب المواطن. لكن هناك سؤال آخر موازٍ وضرورى فرضته الظروف الحالية التى تحيط بنا والتحديات التى تجابه الأمن القومى من كافة الاتجاهات.. من هو الرئيس الذى تحتاجه مصر فى الفترة القادمة؟ الواقع الحالى يقول إن المنطقة تزداد اشتعالاً ساعة بعد الأخرى، التطورات لحظية، المخاطر تتزايد، مخططات يتم التحرك من أجل تنفيذها وخرائط جديدة تحاول بعض القوى الدولية والإقليمية أن تفرضها على دول المنطقة، دون اعتبار أو احترام لمبادئ السيادة الوطنية والأمن القومى للدول، وسمعنا وتابعنا الحديث عن هذه المخططات صراحة، ليس مرة واحدة بل مرات متعددة ومن مصادر مختلفة منذ اشتعال الحرب الإسرائيلية الفلسطينية، سواء على لسان قادة إسرائيليين وأبرزهم رئيس وزراء دولة الاحتلال نفسه نتنياهو الذى قال إنه سيتم تغيير شكل المنطقة، كما ألمح إلى ذلك قيادات وسياسيون وكتاب أمريكان، وهو ما تجسد أيضًا وبشكل واضح فى طرح فكرة التهجير القسرى للفلسطينيين إلى دول الجوار وخاصة سيناء، وهو ما يؤكد أن هناك بالفعل ما يجرى العمل على تنفيذه فى المنطقة ليخدم مصالح وأهداف القوى الكبرى فى المنطقة ويحقق أمن إسرائيل، دون النظر إلى أمن واستقرار الآخرين. فى الوقت نفسه نتابع التطورات التى لا تتوقف والمؤكد أنها لن تنتهى قريبًا، وكلها تشير إلى أننا متجهون وبسرعة نحو مواجهة إقليمية ويخشى الكثيرون أن تتحول إلى حرب كبرى، تتسع فيها مساحة الصراع والقتال ولا أحد يعرف إلى أين ستأخذنا كل هذه التطورات، خاصة أن المعلن من تصريحات لمسئولين غربيين وإقليميين أيضًا وما يدور الحديث حوله من مخططات يشى بأن الأطماع فى المنطقة ودولها ما زالت قائمة بل تتزايد وتتسع وأن القوى الغربية لم تتنازل عن أهدافها تلك، بل تتمسك بها. يُضاف إلى ذلك أن ما يحدث فى المنطقة من مواجهة على الأراضى المحتلة، والتعنت الإسرائيلى وحربها الإجرامية ضد الفلسطينيين والتى تصل إلى حرب إبادة جماعية وما يمكن أن تتطور إليه الأحداث مستقبلاً، وكذلك ما تشهده الساحة الدولية من حرب لم تتوقف بين روسيا وأوكرانيا المدعومة غربيًا، له توابع قاسية ليس على الاقتصاد العالمى فقط أو أسواق النفط والغذاء وسلاسل الإمداد، بل إن تأثيره الأكبر على مفهوم الأمن القومى نفسه وأولوياته، وقد يمتد إلى إعادة النظر فى الحدود وتركيبة بعض الدول، وقد نجد دولاً مخططًا لها أن تتلاشى وحدودًا تسقط وأنظمة تتوارى وقوى تتراجع وأخرى تظهر. ويرتبط بذلك أيضًا ظهور تحالفات وتكتلات دولية وإقليمية تحاول فرض رؤيتها، والدفاع عن مصالح أعضائها بكل السبل، حتى وإن كان بالقوة وعلى حساب الآخرين. الوضع بهذا الشكل يؤكد أننا أصبحنا فعليًا فى عصر القوة التى لا ترحم، فقط من يمتلك القوة أو يجد من يحميه هو من يستطيع أن يفرض إرادته وينفذ مخططاته، أما الضعيف فلا مكان له فى هذا العالم ولا مجال للدفاع عن أمنه وأرضه ومصالحه وسط هذا الصراع. فى ظل كل هذه المتغيرات والأحداث التى تشهدها المنطقة والمخاطر بل النار التى تحيط بنا من كل جانب، يصبح السؤال عن الرئيس الذى تحتاجه مصر خلال الفترة القادمة ضروريًا بل جوهريًا، لأننا شئنا أم أبينا لن نستطيع أن نعزل أنفسنا عما يجرى، فمصر قوة إقليمية وكل ما يحدث فى المنطقة جزء ليس قليلاً منه يتماس مع أمنها القومى بشكل واضح. لهذا فالحديث عن الرئيس القادم فى ظل الانتخابات الرئاسية لا يمكن أن يكون بمعزل عن كل ما يحدث، ومن حق كل مواطن أن يختار من يريد، لكن فى مثل هذه الظروف الصعبة القضية الآن لم تعد رئيسًا يقود البلاد، وإنما رئيس يقود المواجهة التى فُرضت على مصر ولم تسعَ إليها، فقيادة الأوطان فى زمن الحروب والصراعات أمر مختلف ويتطلب قيادة بمواصفات خاصة، صحيح أن مصر لم تكن سببًا فى اشتعال الحرب، ولم تخترع مخطط تهجير الأشقاء الفلسطينيين ولم تسعَ لتوسيع رقعة المواجهة ودخول أطراف جديدة فيها، بل حاولت منذ أول يوم لاشتعال الأوضاع أن توقف آلة الحرب وأن تمنع التصعيد بكل السبل، ورغم ذلك فإن كل ما يحدث يؤثر بشكل مباشر أو حتى غير مباشر على مصر، ويتطلب أن يكون رئيس مصر فى هذه الفترة تحديداً بصفات قائد، مدرك لأبعاد الأمن القومى ومكوناته وأدوات القوة المطلوبة وكيفية التعامل مع التطورات المتسارعة دوليا وإقليميا وتداعيات الحرب وكيف نواجهها. قائد يمتلك رؤية استراتيجية تجنب بلاده المخاطر وتحفظ سيادتها وتحمى مقدراتها وتؤمن مصالحها وسط هذا الصراع والتكتلات المتزايدة، قائد يمتلك القدرة على اتخاذ القرار المناسب الذى يصب فى صالح بلاده، والجرأة على اتخاذ المواقف التى تفرضها الظروف بحنكة، والتصدى لكل محاولات فرض الأمر الواقع على وطنه أو المساس بأمنه القومى. قائد لا يفرط فى ثوابت ولا يتهاون مع أى محاولات للمساس بأرضه أو وطنه أو شعبه، خطوطه الحمراء واضحة وملزمة للجميع ولديه ما يجعله قادرا على حمايتها. قائد يقرأ خريطة الإقليم جيدا ويعرف قدرات دولته العسكرية والاقتصادية وما يجب أن تمتلكه من إمكانات خلال الفترة القادمة، ومتى وكيف يستخدم كل عنصر من عناصر القوة التى يمتلكها، لأنه يعى جيدًا حدود القوة وآليات استخدامها. قائد مدرك لتاريخ بلده ومكانته كركيزة للأمن والاستقرار والسلام فى المنطقة ويعرف كيف يدير علاقاتها مع كافة القوى والأطراف المختلفة فى ظل هذه الأحداث والتناقضات التى تسيطر على الإقليم، فلا ينجرف إلى مواجهة خاسرة ولا يورط دولته فى أزمات ولا يسقط فى أخطاء تكلف البلاد ثمنًا غاليًا. قائد يمتلك مهارة التحرك بأفكار مختلفة تمنح دولته المبادرة وقيادة الأحداث وليس مجرد أن تكون رد الفعل. قائد وسط كل هذه الحروب وتأثيراتها المتعددة يستطيع تأمين كل ما يرتبط بالأمن القومى لشعبه، من غذاء ووقود وعلاج واحتياجات أساسية، قادر على إدارة منظومة العمل بدولته، من وزارات ومؤسسات وجهات معنية بالقرار بما يضمن الوصول إلى الهدف الاستراتيجى وهو حماية المواطن وتلبية متطلباته فى الحياة. قائد يعرف متى تكون السياسة هى الوسيلة والدبلوماسية هى الطريق، ومتى يكون اللجوء للقوة هو الحل. قائد لا يهون ولا يهول، بل يقدر الأمور بقدرها ويحسب التطورات كما ينبغي، قادر على مكاشفة شعبه، ووضع الحقيقة أمامه، وفى الوقت نفسه يمتلك ثقة هذا الشعب وقادر على التعبير عنه وعن تطلعاته وثوابته. هذه مواصفات ليس هناك بديل عن توافرها فى الرئيس الذى يحكم مصر، لأنها ترتبط بمستقبل مصر وأمنها، وهو ما لا يمكن الاستهانة به ففى مثل هذه الأوضاع الإقليمية والدولية المشتعلة والصراعات التى لا تتوقف والأطماع المتزايدة، لا بد أن تكون الخطوات محسوبة وسريعة، والقرارات فى وقتها، والتحركات فى الاتجاه الصحيح، فالخطأ ثمنه غالٍ، والاندفاع تكلفته ضخمة، وفى الوقت نفسه البطء خسارته كبيرة، والاستعراض قد يؤدى إلى كارثة، كل دقيقة لها ثمن، وكل موقف له حساباته الدقيقة، ولا يستطيع أن يفهم كل هذا ويعرف كيف يديره باحترافية وفهم إلا رئيس مدرك للأبعاد المختلفة للمواجهة وقارئ للمشهد فى الإقليم وتوازنات القوى، ويرى المستقبل بقراءة مبنية على رؤية ووعى ومعلومات وليس تخمينًا. نموذج لهذه الإدارة الرشيدة المدركة للوضع وخطورته والمحسوبة فى كل خطوة، ما فعلته القيادة المصرية الحالية متمثلة فى الرئيس السيسى خلال الفترة الماضية، فمنذ اللحظة الأولى لاشتعال المواجهة كان التحرك المصرى القوى الذى اتخذ خطوات استباقية، قائمة على فهم لأبعاد الموقف وتطوراته المتوقعة، ثم كان الحسم فيما يخص الأمن القومى المصرى وحماية السيادة، وفرض الخطوط الحمراء لمصر على الجميع وبشكل معلن وحاسم، والوضوح فى ثوابت مصر تجاه القضية الفلسطينية، وكل هذا ما كان يمكن أن يحدث لو كانت الدولة المصرية لا تمتلك القوة التى تحمى قرارها، وهو ما يعيدنا إلى الرؤية الاستراتيجية التى تم العمل بها منذ تولى الرئيس السيسى الحكم وسعيه الذى لم يتوقف من أجل امتلاك مصادر القوة الشاملة وقدرات الردع وتأمين احتياجات المصريين. لم ينتظر الرئيس السيسى أن تقع مواجهة إقليمية حتى يتحرك ولم يتوقف عن امتلاك القوة حتى يظهر ما يمكن أن يمثل تهديدًا مباشرا لمصر ومصالحها، ولم تشغله عمليات إعادة البناء للدولة عن ملف الأمن القومى والتهديدات الخارجية، بل كان قارئاً للمشهد جيدًا ومدركا أن المستقبل ملىء بالتغيرات التى لا يملك أحد توقع ما يمكن أن تصل إليه من تطورات، ورغم ما تعرض له الرئيس القائد من انتقادات موجهة وحملات تشويه وتشكيك متعمدة بسبب حرصه على امتلاك كل عناصر القوة، طوال السنوات الماضية، أدرك الجميع الآن ومع تطور الأحداث أنه لم يكن يتحرك فى هذا الأمر بمنطق الرفاهية أو الاستعراض وإنما لأنه كان لديه رؤية مستقبلية، ويدرك مبكرا حجم الخطر ومستوى التحديات التى ستواجه الدولة، وأن الإقليم ليس مستقرًا وإنما يقف على جمرة نار قد تشتعل فى أى لحظة ووقتها لن يحمى نفسه إلا من كان جاهزًا ومستعدًا وقويًا. هذا هو الفارق بين مصر ودول أخرى، مصر كانت جاهزة لكل السيناريوهات ومستعدة لكل التحديات ولديها الرؤية، ولهذا كانت خطواتها المتسارعة المدروسة وتحركاتها المحسوبة والمؤثرة، وكانت قدرتها على إعلان موقفها بوضوح ووضع خطوطها الحمراء على الخريطة أمام الجميع. وهذا هو سر القيادة التى تؤمن بخطورة أبعاد الأمن القومى، وتعرف كيف ومتى وأين تتحرك، ولهذا فاختيارنا للرئيس السيسى ليستكمل مشروعه فى حماية أمن مصر القومى وبناء قدراتها ليس انحيازًا له، رغم أنه يستحق كقائد وطنى، وإنما انحياز للوطن ومصلحته العليا، وأمنه القومى واستقراره ومستقبله.