الأحد 28 ابريل 2024

«الحاجة زينب» أول سيدة تشغل منصب رئيس مسجد فى روما أرى انبهار الإيطاليين بما يحدث فى مصر

الحاجة زينب أول سيدة تشغل منصب رئيس مسجد فى روما

7-11-2023 | 17:31

حوار: دعاء رفعت
«الحاجة زينب»، هكذا تشتهر السيدة المصرية زينب إسماعيل التى شغلت منصب أول رئيسة لمسجد بالعاصمة الإيطالية روما، منذ أربع سنوات، لتكلل مشوارها بالعمل العام وخدمة نساء الجالية المصرية منذ حملت حقائبها وقررت السفر لمساندة زوجها فى الغربة، لتثبت قدرات المرأة المصرية داخل وخارج الوطن. وفى حوار خاص لـ«المصور»، كشفت لنا الحاجة زينب إسماعيل، 60 عامًا، الحاصلة على ليسانس الحقوق عن مشوارها الطويل، وكيف جمعت بين تربية أبنائها واشتغالها بالعمل العام، ودورها المؤثر بحياة نساء الجالية المصرية فى إيطاليا. تكشف الحاجة زينب حجم الانبهار الذى تراه عند الإيطاليين من التغير والتطور الذى تشهده مصر وتؤكد أن المصريين المحبين لبلدهم قادرون على التصدى لحملات التشويه الإخوانية فى كل مكان، لكنها تؤكد على أهمية عودة دور الأزهر إلى أوربا بقوة ليقدم الإسلام المعتدل الذى يعني التسامح وقبول الآخر. كيف وصلت إلى منصب أول رئيسة مسجد بالعاصمة الإيطالية روما؟ زوجى مهندس يعمل بالخارج منذ سنوات طويلة وفى عام 1996 قررت السفر معه، والإقامة فى إيطاليا بعد مولد ابنتى الكبرى «منار»، ومن ثم أنجبت ابنى الثانى «مازن». ومثل الأمهات المصريات، كنت أحلم بالعودة إلى وطنى لتربية أبنائى فى مصر، ولكن مرت السنوات، ولم أستطِع العودة. واليوم، أصبحت ابنتى الكبرى طبيبة صيدلانية، وابنى يعد دراسة الماجستير فى الاقتصاد. ومنذ وصولى إلى إيطاليا وأنا حريصة على المشاركة فى العمل العام، والتجمع مع أبناء وطنى من الجالية المصرية حيث نحرص على التجمعات التى تجمع المصريين والعرب من جميع الجنسيات من تونس والمغرب وغيرهما والحمد لله نجحت بفضل ما قدمته فى العمل العام أن أصل إلى هذا الموقع برضاء الجميع. كيف بدأت مشاركتك بالعمل العام فى إيطاليا؟ فى البداية، اتجهت لنشاط مسجد الهدى شينتو شيلى بروما، والقريب من منزلى هنا فى العاصمة الإيطالية. وبعد التعرف على بعض المصريات هنا، علمت بالجهود الكبيرة المبذولة خلال شهر رمضان، وخاصة فى تقديم الوجبات للصائمين، من أبناء الجاليات العربية، طوال الشهر الكريم، حيث يتم تقديم الطعام لما يقرب من 300 إلى 500 شخص يوميًا، لذا، قررت المشاركة فى هذا النشاط الخيري. وبحكم نشأتى فى عائلة معظم أفرادها من الرجال، فأنا أتمتع بشخصية قوية ولا أهاب العمل وسط الرجال. لذا، كنت أتناقش مع المسئولين فى المسجد حول الكثير من الأمور، وأشاركهم فى الأعمال المرتبطة بالمسجد، وبعد مرور الوقت، أصبح عدد كبير من أبناء الجالية يلجأون لى فى حل مشاكلهم، ويطلبون منى المساعدة، وخاصة النساء. وبالطبع، كنت أقوم بالمبادرة لجمع الأموال من نساء الجالية لمساعدة أبناء الجالية الذين يمرون بضائقة مادية، وكنت حريصة على عدم تصدير جميع المشاكل إلى إدارة المسجد. كما حرصت على تجميع نساء الجالية لمواساة المرضى، والمساندة فى الأوقات الصعبة ومشاركة المناسبات السعيدة، لتخفيف شعور الغربة والتمتع بأجواء الألفة التى اعتدنا عليها فى مصر. فى مصر تتبع المساجد وزارة الأوقاف المصرية ولا يوجد منصب رئيس مسجد.. فما هى طبيعة هذا المنصب فى إيطاليا؟ فى إيطاليا، يختلف الأمر عن مصر، فلا يمكن بناء مسجد كما يحدث فى مصر، فوفقًا للقانون الإيطالي، نقوم بتقديم أوراق للحصول على إذن تنظيم «جمعية» بشكل مؤسسى تتضمن إدارة وأعضاء للجمعية ومجلس شورى، حتى يمكن توثيقها بالحكومة الإيطالية والحصول على ترخيص لبناء المسجد. حدثينا عن كونك أول امرأة تشغل منصب رئيسة لمسجد فى إيطاليا؟ أنا لم أكن عضوًا فى الجمعية العمومية للمسجد، ولكن بعد الجهود الكبيرة التى بذلتها لخدمة أبناء الجاليات العربية بشكل تطوعي، طلب منى العديد منهم الانضمام إلى الجمعية العمومية بالمسجد. وبالفعل، قمت بالتسجيل فى الجمعية العمومية ولم أكن أعلم فى ذلك الوقت أنهم يرغبون فى انتخابى رئيسة للمسجد. وفى الحقيقة، كانت فكرة «أول سيدة تشغل منصب للمسجد» هى فكرة بعض المتطوعين وأعضاء الجمعية العمومية، ولم تكن فكرتي، ولم أكن أرغب فى تولى المنصب فى البداية، ولكن الفكرة حققت صورة إيجابية للمسلمين فى المجتمع الإيطالى، وأثبتت عكس الاعتقاد السائد فى إيطاليا، بأن الرجل المسلم يقهر المرأة المسلمة ويرغمها على الالتزام ببعض السلوكيات الدينية كالحجاب، لذا، كان منصبى بمثابة رسالة إليهم بأن المرأة المسلمة ترتدى الحجاب عن اقتناع منها، وأنها تتمسك بسلوكيات دينها، وهى غير مجبرة على فعل ذلك. ما تأثير منصبك على الجالية المصرية والعربية فى إيطاليا؟ كونى أول سيدة تشغل منصب رئيسة مسجدحقق صدى رائعا فى المجتمع الإيطالى، وحين التقيت البابا رئيس الكنيسة المصرية فى روما، فى مؤتمرين منفصلين لم يصدق حين عرّفونى كرئيسة المسجد، وكان منبهرا بكونى سيدة ورئيسة للمسجد، وسألنى:»هل تؤمين المسلمين فى الصلاة؟»، فأوضحت له بأن هذا غير جائز فى الدين الإسلامي، ولكن منصبى هو منصب إدارى فقط، ولا علاقة له بالصلاة فى المسجد. هل واجهتك المشاكل بعد تولى منصبك؟ واجهت بعض المشاكل خلال العام الأول، فالكثير من الأشخاص لم يتقبلوا فكرة كونى سيدة تدير منظومة دينية بالكامل، ولكن بالدبلوماسية والصدر الرحب، استطعت السيطرة على الصعوبات التى واجهتني. والحمد لله، وبشهادة الجميع، تحققت طفرة كبيرة فى أنشطة المسجد، ففى خلال جائحة كورونا، تم منع جميع أنشطة المسجد، لذا، قررت إرسال الوجبات الرمضانية إلى المنازل، فى سبيل الاستمرار فى مساعدة هؤلاء الذين يعانون من الظروف الاقتصادية الصعبة، وكانت الفكرة مستوحاة من فكرة «كرتونة رمضان» فى مصر. واستمرت تلك المساعدات بعد انتهاء شهر رمضان الفضيل، وخلال ثلاث سنوات، قمنا بتوزيع ما يقرب من 4 آلاف طرد من «طرود الرحمة» التى نوجهها من المسجد لجميع أبناء الجاليات العربية. وتحت إدارتي، كنت أول مسجد فى إيطاليا يشارك فى إفطار رمضان مع الكنيسة المصرية فى روما، حيث لا أمتلك كإدارة مكانا لطهى الطعام، وطلبت من الكنيسة المساعدة، فقامت مشكورة بفتح المطابخ الخاصة بها لإدارة المسجد، وقمنا بتقديم الإفطار فى ساحات كنيسة «سان بيليشي» على مدار ثلاث سنوات، كما نرفع الأذان ونؤدى الصلاة داخل أسوار الكنيسة الموجودة بمنطقة شنتو شيلي. وخلال رمضان هذا العام، حضر الإفطار الرمضانى داخل الكنيسة أكثر من 400 شخص. كما شاركنا فى مؤتمر «حوض البحر الأبيض المتوسط» بالمشاركة مع الدكتور «عيسى إسكندر»، رئيس اتحاد العمال المصريين فى إيطاليا، والعضو فى الكونفدرالية الإيطالية. ما أبرز المشاكل التى تواجه نساء الجاليات المصرية والعربية؟ من أكثر المشاكل التى تواجه النساء داخل الجاليات العربية، هى التعرض للعنف الزوجى أو الطلاق،خاصة لهؤلاء النساء اللواتى لديهن أطفال. ففى حال قامت المرأة هنا بالاستعانة بالشرطة الإيطالية، يتم توجيهها إلى بيوت رعاية تُسمى «كازا فاميليا» ولكنها تعيش فى ظروف معيشية صعبة داخل تلك البيوت التابعة للحكومة الإيطالية التى تشبه السجون، حيث تعيش النساء تحت الملاحظة الشديدة على مدار اليوم من قِبل إخصائيين اجتماعيين. والمشكلة، إن إدارة المسجد لا تستطيع تحمل تكلفة أماكن بديلة لهؤلاء النساء، ولكننى أحاول مساعدتهن على قدر استطاعتي. وهذه المشكلة الوحيدة التى لا أستطيع حلها، ولكنها محور الخطط المستقبلية فى إدارتى، فأنا أحاول جاهدة فى الحصول على أماكن خاصة لإيواء هؤلاء النساء ورعايتهن وأطفالهن. البعض يتحدث عن أن المرأة المسلمة تواجه بعضاً من العنصرية فى المجتمعات الغربية، هل حدث هذا معك فى المجتمع الإيطالى؟ لم أصادف العنصرية خلال حياتى هنا فى إيطاليا، يمكن مواجهة تلك النظرات الاستكشافية من قِبل بعض كبار السن الذين لا يعرفون الكثير حول الإسلام، ولكن بشكل عام، لا توجد عنصرية فى إيطاليا تجاه النساء أو المسلمين. فالمجتمع الإيطالى يشبه المجتمع المصرى، وأتلقى التهانى من أصدقائى فى المناسبات الخاصة، كحلول شهر رمضان، والأعياد. فى ظل ما تشهده مصر من تطور.. كيف ترى الحاجة زينب الأوضاع فى مصر فى الغربة؟ بكل صراحة مصر اليوم تمثل صورة رائعة، نحن نراها ونلمسها فى معاملاتنا مع جميع الجنسيات وليست الإيطالية فقط، وفى إيطاليا بشكل خاص يتعامل الإيطاليون معنا بشكل مختلف عن باقى الجنسيات، نحن أصحاب 7 آلاف سنة من الحضارة، ونتعامل بمنتهى الاحترام كوننا مصريين. وفى السنوات القليلة الماضية، نرى الانبهار الشديد على وجوه الإيطاليين الذين زاروا مصر مؤخرًا، ويخبروننا عن الطفرة الكبيرة التى تشهدها مصر فى الوقت الراهن، ويشرحون فى ذهول، كيف أصبحت مصر تمتلك ما لا تمتلكه أوربا، خاصة الطرق التى أصبحت على مستوى عالمي، وتحسين مستوى معيشة الفرد، حتى فى ظل الظروف الاقتصادية التى يمر بها العالم وهذا أمر نفخر به جميعاً. ‎وكنا فى احتفال للقاء الأديان فى البحرين، داخل فندق «الماريوت» البحريني، وأكثر ما لفت انتباهى خلال الحفل هو الإشادة بالعديد من الأماكن فى مصر، وكيف أنها أكثر فخامة. لكن رغم ذلك نرى حملة تشويه تتعرض لها مصر فى الغرب من خلال أبواق إخوانية.. كيف يمكن الرد عليها وتصحيح الصورة؟ ‎نحن حاضرون بقوة ونرد على تلك السلوكيات بالاعتدال، وإظهار حقيقة مصر ودورها، ودائمًا ما نحاول الظهور بصورة معتدلة وفعالة فى المجتمع، وأنا أحرص على تعليم أولادى منذ الصغر، بأن هذه الجماعة وأعضاءها الذين يدَّعون الدفاع عن الإسلام لا يعرفون ما هو الإسلام، ونحن الصورة الواقعية التى تمثل ديننا، فيجب علينا إظهاره كما يجب أن يكون، وما نتعلمه من الدين من تعاون وتسامح وتقبل للآخر. وأنا أعتبر أن الطفرة الكبيرة فى التنمية والمشروعات العملاقة للبناء فى مصر هى خير رد على هؤلاء المتطرفين. هل الصورة المشوهة للإسلام فى الغرب بسبب أفعال وإرهاب جماعة الإخوان لها تأثير على تعامل الغرب مع المسلمين؟ ‎فى الحقيقة، لم أصادف عناصر من جماعة الإخوان فى روما، فهم أكثر تواجدًا فى ميلانو، ولكن هنا فى روما لا توجد عنصرية تجاه الإسلام على الإطلاق، حيث توجد الكثير من الفتيات المحجبات من جميع الجنسيات واللواتى يعشن بصورة طبيعية. فى روما، يتعايش المسلمون بصورة طبيعية مع مظاهر الحياة الإيطالية العصرية، على العكس فى ميلانو، حيث يرتدى البعض الأزياء التى يمكن وصفها بأنها تنتمى إلى تلك الجماعة. كيف يرون الإسلام المعتدل، وهل هناك دور للأزهر فى إظهار هذه الصورة؟ ‎فى السنوات الماضية، لم يكن هناك دور واضح للأزهر، ‎وقبل نحو عشر سنوات كان للمسجد الكبير فى روما دور هام، مع الجالية المصرية من خلال ممثلى الأزهر، لكن هذا الدور اختفى إلى حد ما وفى شهر رمضان الماضي، حضر ممثل الأزهر وهو الشيخ «رفاعي» وهو أحد المشايخ التابعين لمؤسسة الأزهر الشريف، الذى لطالما كان منارة للمسلمين فى روما، ونتمنى الاستمرار فى هذا الدور القويم خلال الفترات المقبلة، هنا نحتاج إلى عودة دور الأزهر بقوة ليس فى إيطاليا فقط بل فى كل أوربا ليقدم الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل الذى يعنى التسامح وقبول الآخر. أحرص على تعليم أولادى منذ الصغر بأن جماعة الإخوان وأعضاءها الذين يدَّعون الدفاع عن الإسلام لا يعرفون ما هو الإسلام، ونحن الصورة الواقعية التى تمثل ديننا، وعلينا إظهاره كما يجب أن يكون، وما نتعلمه من الدين من تعاون وتسامح وتقبل للآخر.