الإثنين 13 مايو 2024

معرض الكتاب.. شهادة نجاح

صورة أرشيفية

7-11-2023 | 18:01

بقلـم: حلمى النمنم
حققت الدورة 54 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب؛ نجاحًا لافتًا فى الأسبوع الأول، قبل الافتتاح كانت هناك مخاوف عديدة لدى فريق من الناشرين؛ فضلًا عن قطاع من الكتاب والمثقفين، انطلقت المخاوف من ارتفاع سعر طن الورق، ومستلزمات الطباعة من أحبار وغيره مع الأزمة الاقتصادية العالمية؛ غير أن هناك حلولا مبدعة ظهرت، سواء من إدارة المعرض ومن وزارة الثقافة أو من الناشرين أنفسهم. تمثلت الحلول فى التعامل الخلاق مع الأزمة، بعض الناشرين اتجهوا إلى نسبة خصم مرتفعة على الكتب، خاصة تلك التى طبعت فى العام الماضى وما سبقها؛ أى أن تكلفتها وطباعتها كانت قبل الأزمة، الوزيرة من جانبها؛ اتخذت خطوات بخفض قيمة إيجار الأجنحة؛ بما يساعد الناشر على تقديم خصم معقول للقارئ؛ وجمهور المعرض. كانت هناك مخاوف خاصة لدى بعض المتابعين بسبب وجود رئيس جديد للهيئة العامة للكتاب هو د. أحمد بهى الدين؛ فضلا عن حداثة سنه؛ كما يرى البعض، حيث تولى فى شهر أكتوبر الماضى؛ خلفا للدكتور هيثم الحاج، الذى انتهت مدة انتدابه؛ لكن فات هؤلاء أن د. أحمد كان نائبا لرئيس الهيئة، وهو فى ذلك الموقع منذ سنة 2018؛ وبالتأكيد أكسبته تلك السنوات خبرة كبيرة؛ يضاف إلى ذلك أن العمل فى الهيئة العامة للكتاب يسير وفق قواعد وأطر مؤسسية؛ المؤسسة ليست فردًا؛ كما يتصور البعض؛ مع التقدير للجميع؛ مدير المعرض هذا العام هو نفسه الذى كان فى السنوات السابقة؛ ومن خبرة طويلة مع المعرض، فإن مثل هذه المخاوف تتكرر كل عام، مخاوف من ارتفاع أسعار الكتب التى تأتى من الناشرين العرب والأجانب، حيث تقدر بالدولار، شكاوى سنوية من أسعار إيجار الأجنحة، وكالعادة فى كل سنة تتجاوب الوزارة وإدارة المعرض مع الشكاوى ويتم التخفيض، فضلًا عن سبل أخرى للتيسير على الناشرين الذين قد يتعثرون فى الدفع، فى سنة من السنوات كانت مخاوف الناشرين عن اتساع ساحة البرنامج الثقافى للمعرض، ذلك أن الجمهور يتجه إلى الندوات، كانوا قلقين للغاية، رغم أن تلك الندوات كانت تبدأ مع موعد إغلاق الأجنحة، لكن مع السنوات ثبت أن النشاط الثقافى كان إضافة حقيقية للمعرض، ويدفع جانبا من الجمهور إلى البحث عن كتب بعينها، سواء فى السياسة أو فى التاريخ والقضايا المجتمعية العديدة، ومن يراجع الأرشيف الصحفى سوف يجد العجب فى هذا المجال، وعلى العموم رغم كل هذه المخاوف؛ فقد تحقق نجاح المعرض.. وهناك عدة معايير نعيش بها ذلك النجاح. المعيار الأول: هو الحضور الجماهيرى الكثيف؛ والمؤشر عادة يكون جمهور يوم الجمعة باعتباره يوم الإجازة الأسبوعية، وقد دخل المعرض حوالى ربع مليون زائر فى ذلك اليوم؛ طوابير الزائرين أمام بوابات الدخول والخروج لا تخطئها العين، زحام المواصلات التى تتجه نحو قاعة المنارة، حيث يعقد المعرض ظاهرة، الأرقام التى تعلنها إدارة المعرض عن أعداد الزائرين، دقيقة وموثقة، فى الأيام الثلاثة الأولى زار المعرض نصف مليون مواطن ومواطنة، قد يقول البعض إن هذا الجمهور ليس كله جمهورًا للشراء؛ وهذا فيه جانب من الصواب؛ لكن دلالته أن زيارة المعرض والتردد عليه بات طقسًا اجتماعيًا وإنسانيًا لدى المواطنين؛ بغض النظر عن الشراء من عدمه بكل فخر صار معرض القاهرة حالة طقسية؛ يستعد لها الموطنون كل عام؛ يأتون من المحافظات للاستمتاع بهذا المشهد؛ حضور ندوة أو مقابلة الأصدقاء؛ والمرور بدور النشر، مصافحة الكتب مقابلة بعض الكتاب؛ والمبدعين الذين يترددون على المعرض. المعيار الثانى: هو المبيعات؛ صحيح أن كثيرًا من دور النشر لا تعلن أرقام التوزيع والبيع؛ لكن الإقبال الشديد على أجنحة وزارة الثقافة؛ خاصة جناح الهيئة العامة للكتاب، وكذلك جناح قصور الثقافة؛ يعنى أن الكتاب مازال له جمهوره الذى يبحث عنه؛ بعض الناشرين، وهناك إقبال شديد على بعض العناوين؛ مع تعدد حفلات التوقيع؛ الصور التى تبثها بعض المواقع تؤكد لنا هذا الجانب؛ وهناك بعض العناوين نفدت كمياتها وطبعاتها فى الأيام الأولى للمعرض. مشهد الذين يخرجون بحقائب مليئة بالكتب واضح هذا العام، هؤلاء كلهم مشترون أفراد، حددوا ما يريدون من عناوين، ودخلوا حصلوا عليها، دفعوا الثمن، حتى لو كانت الأسعار مرتفعة. الذى يعرف ويتابع ما يجرى فى عالم النشر؛ يعى جيدًا أن معرض القاهرة بات ضرورة ثقافية واقتصادية؛ لذا لا بديل عن انعقاده ونجاحه؛ هناك كتاب وأدباء شبان ينتظرون المعرض ليكون فرصة تدشين لأفكارهم أو تعميد؛ يحصلون على اعتراف بموهبتهم وما يقومون من إبداع أدبى أو فكرى؛ هؤلاء الشبان يجدون فى المعرض فرصتهم الكبرى؛ دعنا الآن من أولئك المتشائمين والمتنطعين والسودويين الذين يرون الحياة سوداء ولا شيء غير السواد؛ أسماء عديدة مالت للاعتراف وحصلت على شهادة الاعتماد من المعرض؛ سواء كانوا من المبدعين المصريين أو الأشقاء من الدول العربية والأسماء عديدة؛ ومعروفة. على مستوى النشر؛ فإن عددًا غير قليل من دور النشر الحديثة وغير الثرية؛ لا تملك مكتبات لتوزيع إصداراتها؛ وغالباً تصدر عناوين مهمة وتقدم أسماء جديدة فى عالم الكتابة؛ هؤلاء لا منفذ أمامهم سوى المعرض؛ هو إطلالتهم الكبرى على القارئ؛ ومن حسن الحظ أن هيئة الكتاب باتت تتوسع فى معارض الكتب؛ وصار لدينا معرض على الأقل فى كل محافظة؛ بالإضافة إلى الجامعات، حوالى مائة معرض سنويًا، فضلا عن الاشتراك فى معظم إن لم يكن كل المعارض العربية؛ وهكذا بات مؤكدًا أن الكتاب سوف يعرض على القارئ المصرى؛ كما سيعرض على القارئ العربي؛ فى المعارض والعواصم العربية؛ شرقًا وغربًا؛ من الدار البيضاء بالمغرب إلى الشارقة وأبوظبى ومسقط والدوحة؛ وبهذا المعنى بات أمام الكتاب سوق واسع ومتعدد المستويات من الجمهور؛ هل نجازف بالقول إن المعرض سبب من أسباب ازدياد عدد الناشرين فى مصر؛ وأنه سبب فى الدفع بالنشر كمهنة وكصناعة إلى الأمام؛ ليس فى مصر فقط؛ بل فى العالم العربى كله؛ ذلك أن سمعة وشهرة معرض القاهرة وما يحقق لمصر من ثقل معنوى؛ شجع معظم الدول العربية؛ كلها على أن يكون لدى كل دولة معرض دولى للكتاب؛ هذا السوق الواسع؛ جعل هناك طلبا على الكتاب ودفع كثيرًا من الشبان والشابات على المغامرة ودخول عالم الكتابة؛ ويبقى على الحياة الثقافية والنقدية أن تقوم بعملية الفرز لهؤلاء القادمين الجدد إلى ذلك المجال. وقد شهدت السنوات الأخيرة تراجع عدد من دور النشر القديمة وخروج بعضها نهائيًا من هذا المجال، مثل دار النهضة المصرية التى تولت منذ الأربعينيات تقديم أعمال د. محمد حسين هيكل وأحمد أمين وعبدالرحمن بدوى؛ فى المقابل دخل إلى المجال عدد كبير من الناشرين الجدد؛ بما يضمن الحفاظ على النشر مهنة وحرفة وبقاءها كصناعة كبرى. وطبقًا للأرقام لدى اتحاد الناشرين المصريين؛ فإن عدد دور النشر الآن يقدر بالآلاف؛ قبل ثلاثين عامًا؛ كانوا يحسبون بالعشرات؛ ويحسب للناشرين الجرأة فى اختيار الكثير من العناوين وإتاحة الفرص للكتاب الشبان للتعبير عما لديهم. مازال أمام المعرض أسبوع آخر، لكن الأسبوع الأول يجعلنا نقرر بثقة أننا بإزاء دورة ناجحة؛ وهذا النجاح يدعونا إلى مراجعة بعض الآراء والمواقف؛ نحن فى أزمة اقتصادية؛ وقلنا مرارًا إن الشعب المصرى خبر مثل هذه الأزمات طويلًا، وأنه قادر على التعامل معها ومواجهتها؛ ولعل الإقبال الجماهيرى على المعرض؛ يؤكد بؤس بعض التحليلات التى ذهبت إلى أن هذه الدورة مهددة؛ لا أقصد أولئك الذين يتمنون لهذا البلد الفشل والعجز فى كل شيء؛ ولا المتربصين الذين يبحثون عن الفشل ويتوقعونه؛ أتحدث عن أولئك المهمومين بحق والقلقين؛ لكنهم يبالغون فى القلق؛ ويتعاملون مع الواقع من خلال شاشة أو لوحة «الكيبورد»، ولا ينزلون إلى الشارع وإلى الناس. وجود أزمة اقتصادية لا يعنى أن الحياة تتوقف، ولا أن تتغير عادات الناس، وفى كل الأحوال فإن ضرورات الحياة لا تتراجع، معرض الكتاب بات من ضرورات الحياة، مع انتشار التعليم واتساع دائرة المعرفة، فضلًا عن تعامل وزارة الثقافة مع المعرض باعتباره نافذة للكتاب وللثقافة المصرية بمفومها الواسع، من كتاب الطفل إلى الكتب المتخصصة، بالإضافة إلى البرنامج الثقافى للمعرض، الذى يجتذب جمهورًا خاصًا. حين قررت وزارة الثقافة سنة 2017 نقل مقر المعرض من أرض المعارض بمدينة نصر إلى موقعه الحالى؛ صاح بعضهم متوقعًا الفشل وقال أحدهم: «هذه أكبر ضربة للمعرض؛ وثبت خطأ ذلك كله؛ الأمر يتكرر هذا العام؛ لكن مع الأزمة الاقتصادية؛ وها هى التجربة تثبت خطأ الذين تخوفوا وأنهم كانوا قلقين بأكثر مما ينبغى». هذا النجاح يحسب إلى كل القائمين على هذا المعرض بدءا من رئيس الجمهورية الذى وضع المعرض تحت رعايته، مرورًا برئيس الوزراء وصولا إلى وزيرة الثقافة ورئيس الهيئة العامة للكتاب وفريق العمل؛ وكذلك الناشرون والكتاب الذين يقدمون خلاصة أفكارهم وإبداعاتهم؛ أما المواطن المصرى الذى يحرص على زيارة المعرض ومتابعة أنشطته؛ فهو البطل دائمًا.