الثلاثاء 14 مايو 2024

فى زمن مخططات الخراب وتدمير الدول.. حافظـوا علـى الأوطـان

صورة أرشيفية

7-11-2023 | 18:54

بقلم: أحمد أيوب
إن كان هناك وصف يصلح لهذا العصر الذى نعيشه فهو «عصر الخراب وتدمير الدول»، فقد أصبح المخطط الواضح الذى لا تخطئه عين، وخاصة فى منطقتنا، هو تخريب الدول وتدميرها بأيادى أولادها عبر تجييش العملاء وتدعيم الميليشيات ونشر الفوضى فى ربوعها، ومنذ 2011 تتواصل سلسلة الدول التى تسقط فى هذا الفخ المنصوب حولنا، تحت مسميات خادعة مثل الديمقراطية والحرية ومحاربة الفساد وإنقاذ الأوطان، وشعارات كاذبة مثل «صوت الشعب والثوار، بينما الحقيقة أنه تخريب للأوطان، وتدمير لقوتها ونهب لثرواتها، فالقضية ليست كما يحاول تصويرها لنا من يديرون المخطط بأنها خلافات سياسية بين أبناء الوطن الواحد أو بحث عن الأفضل أو طموحات بمستقبل أفضل ولا هى أزمات تمر بها الدولة نتيجة تراكمات فجرت المجتمع، فالخلافات بين أبناء الوطن مهما بلغت لا تدوم ولا تعنى خراب الوطن، والأزمات مهما طالت فهى ستنتهى يومًا ولا يمكن أن تكون سبباً لتدمير الإنسان لبلده.. التاريخ لم يرصد لنا أن شعبا ينتمى فعليا لوطنه يخرب ويدمر بسبب أزمات اقتصادية، إلا إذا كانت الدولة من الأصل مفككة أو كان الشعب فاقداً للوعى.. لكن الخطر كل الخطر هو عندما تسقط الدولة فى فخ مخطط التخريب الذى نراه واضحًا أمامنا تتناقله شياطين الخراب بين عاصمة عربية وأخرى. وما إن يظهر فى دولة إلا وتتسارع خطوات خرابها وتدميرها، والقاعدة التى أصبحت معروفة للجميع، أن الدولة التى تسقط فى هذا الفخ مهما حاولت فعودتها تصبح صعبة، وإن عادت فهى تحتاج إلى عشرات السنوات لتتعافى من تداعيات السقوط وتنتفض وتتجاوز خسائرها الاقتصادية والسياسية والإنسانية والمجتمعية.. المشهد حولنا فى العالم العربى وحده يكفى لنعرف حجم هذا المخطط الخطر وتأثيره، ويكفى أن نتابع ونسترجع ما حدث لسبع دول عربية أصبحت تعانى أزمات وصلت فى بعضها إلى الفوضى بسبب سقوطها فى الفخ فاشتعلت فيها الصراعات وتعددت القوى وتقاطعت المصالح، وتزايد البحث عن المكاسب وتدخلت الأجندات الخارجية فانتشرت على أراضيها الميليشيات والمرتزقة التى تدمر الأوطان، والمنال الأقرب لذلك ما تشهده ليبيا منذ 2011 والتى ما زالت تبحث عن طريقة للعودة بلا جدوى، التوافق ساعات والصدام والقتال سنوات، والأجندات تتصارع والقوى الدولية تتنافس على أرضها وثرواتها، الكل يسعى ليخطف نصيبه من ليبيا التى تمتلك ثروات تكفى لتغنى دولًا، بينما شعبها لا يجد مجرد الاستقرار أو حتى التخلص من الفوضى والتحرر من المرتزقة، التى تمركزت وسيطرت، وتتحرك وكأنها صاحبة القرار، بينما أكثر من مليونى مواطن ليبى أجبروا على ترك بلادهم مشتتين إما لاجئين فى دول عديدة أو نازحين يعانون الغربة عن وطنهم ويواجهون المصير الغامض لمستقبلهم.. على نفس النهج تأتى سوريا التى وإن كانت أكثر تماسكًا لقدرة الجيش السورى على التصدى بقدر ما، لكن الجروح أصبحت غائرة وسوريا الآن ليست كما كانت قبل 12 عامًا، منهكة ومفتتة، والدولة فقدت سيطرتها على بعض المناطق بشكل كامل، وفى مقابل الجيش الوطنى السورى أصبح هناك جيش مدعوم من قوى خارجية اسمه الجيش الحر، ووسط كل هذا سوريا تبحث عن طريقة للعودة، وينتظر ملايين من أبنائها المشردين حول العالم، ويقدرون بنحو سبعة ملايين، بشغف لحظة أن يعودوا لبلادهم بعد أن تستقر، لكن المشهد يقول إن هذا سوف يستغرق سنوات طويلة، فما تفكك يصعب لملمته، وما ضاع يحتاج جهدا لاستعادته، والإعمار لما تم تخريبه يحتاج عقودا، ومئات المليارات فى دولة لم تعد تقدر على فعل الكثير بعد اثنى عشر عاما من الفوضى والقتال والخراب. اليمن هى الصورة الثالثة التى لا يخفى على أحد ما وصلت إليه، حالة من التدهور الإنسانى والصحى وصلت إلى حد الكارثة فقدت وصفها بـ«اليمن السعيد».. بل يزداد حزنها وتتضاعف آلامها يوما بعد الآخر، ويتجاوز عدد اليمنيين الذين أجبروا على مغادرة بلدهم بحثا عن الأمان نحو مليونى مواطن ينتظرون شعاع أمل للعودة عندما تستقر الأحوال. وقبل كل هؤلاء كانت مأساة العراق، بلد الحضارة العريقة، الذى كان يومًا يمتلك واحدا من أقوى جيوش المنطقة، ودولة مركزية صلبة، لكن عندما دخلت إليه مخططات الخراب، لم يعد العراق، حتى مع كل المحاولات المخلصة من أغلب أبنائه لإعادته والتماسك المجتمعى، فبمقدار كل خطوة يقطعها للأمام تكون خطوات العودة إلى الخلف، فالأزمة التى عاشها على مدى ما يقرب من عشرين عامًا خلقت كيانات وقوى ظلت تقوى يوما بعد يوم وتفرض تقسيمات طائفية ومذهبية وسياسية تسببت فى زيادة الانقسام والشرخ داخل العراق وأشعلت الصراع إلى حد أن أصبح التماسك المجتمعى حلما صعبا، وبالطبع لا يمكن تجاهل التدخلات الخارجية التى تعاملت مع هذا البلد العريق، وكأنه ولاية تابعة، والنتيجة أنه لسنوات كان مصير العراق يحدد من خارجها، وفى الوقت الذى سكن الأغراب مدنها، غادرها الملايين من أبنائها بحثا عن الأمان، ووسط محاولات جادة الآن من السلطة فى العراق لاستعادة القوة والتماسك يظل شبح الفوضى مطلا وشياطين الخراب متمركزين ينتظرون كل لحظة تسنح لهم ليعاودوا إنتاج أدوات التدمير الممنهج لدول المنطقة. وعندما نعبر بالصورة إلى لبنان لا نجدها أفضل حالًا، بفعل طائفية مقيتة وانتماءات البعض لخارج لبنان وتعدد القوى التى تحمل السلاح خارج إطار الدولة.. وعندما نذهب إلى الصومال وما دفعته طوال عقود من الصراع وحتى الآن، وكذلك ما تعانيه جيبوتى من أجل إعادة البناء سنجد ما يحزننا ويجعلنا ندرك أكثر أن عصر الخراب يفرض إرادته على كل من يستسلم له، وآخر المشاهد وأحدثها ما يجرى فى الشقيقة السودان، التى تحولت إلى ميدان قتال، بعد أن سقطت فى نفس الفخ، الخراب والتدمير من الداخل، لكن الأيادى الخارجية ظاهرة وبصماتها واضحة وألمح إليها الجيش السودانى فى بياناته.. المشهد السودانى الآن لا يخفى على أحد. نتابعه على الهواء مباشرة بين نافذتين، الأولى حرب الشوارع التى تخوضها ميليشيا الدعم السريع للتخريب ومحاولة نشر الفوضى، والسيطرة ويواجهها الجيش السودانى فى محاولة للحفاظ على الدولة السودانية، والثانية حالة النزوح واللجوء للسودانيين الهاربين من جحيم الوطن إلى الدول المجاورة، وتقدر الأمم المتحدة أن يصل عدد اللاجئين السودانيين خلال أيام إلى نحو 270 ألفًا، وقد يتزايد إلى الضعف، كما يتزايد عدد من يحتاجون إلى الدعم الإنسانى، داخل السودان إلى أكثر من 15 مليون نسمة يمثلون ثلث سكان البلد الشقيق، يعانون نقص الرعاية الصحية والغذاء ويبحثون عن شربة ماء، وكل ذلك بسبب شياطين الخراب الذين دخلوا هذا البلد ليشعلوا نيرانه ويحرقونه، وأصبح التحذير الذى يتم تداوله الآن أن تتحول أرض السودان مثل ما سبقها من دول المنطقة التى سقطت فى الفخ إلى ميدان للمرتزقة لتتحول إلى صراع ميليشيات، فالقاعدة أن المرتزقة والميليشيات ما ظهروا فى دولة إلا وأفسدوها وخربوها ودمروها، وكل التوقعات للأسف تؤكد أنه إذا استمر الصراع فى السودان أكثر من هذا فربما يكون طريقًا تدخل منه المرتزقة من كل اتجاه إلى بلد عربى جديد، نتمنى السلامة للسودان ولكل الدول العربية، لكن يبقى الواقع المرير الذى نعيشه الآن فى كل هذه الدول العربية، أن الخراب يحل عليها واحدة تلو الأخرى، وكان المخطط أن تنضم مصر إلى هذه القائمة بعد 2011 لولا إرادة الله وحفظه، ثم تماسك شعبها وقدرة جيشها على التصدى وحماية الوطن مع الشرطة الباسلة، بل ونجاحه فى إفساد المخطط الكبير لإسقاط المنطقة بالكامل والقضاء على يد أمّ أسلحة الخراب وهى الجماعة الإرهابية والتنظيمات الإرهابية التابعة لها، كما كان متوقعًا أن تسقط تونس فى نفس الفخ لولا اليقظة السريعة لشعبها والتخلص من ميليشيا الإخوان. هذا المشهد العربى الحزين يجعلنا نراجع مرة أخرى حقيقة ما سمى بالربيع العربى، وللأسف مازال البعض مخدوعًا فى المسمى حتى الآن، رغم أنه أصبح من المتيقن أن هذا المسمى كان أقرب الـ «اسم كودي» لعملية تخريب للمنطقة العربية بأيدى أبنائها، وكما قال جمال الدين الأفغانى، خائن الوطن من يكون سببًا فى خطوة يخطوها العدو فى أرض الوطن، فإن خونة الأوطان العربية دائما هم من يمهدون الأرض لمخططى الخراب. فالسلاح لتحقيق الخراب فى أغلب الدول العربية كان جماعة الإخوان الإرهابية أو من على شاكلتهم من خونة الأوطان الذين يتم تجييشهم فى كل دولة للحظة الصفر. هذا المشهد العربى المحزن يجعلنا نتوقف كثيرًا أيضاً أمام الأسباب التى سهلت سقوط بعض الدول فى هذا المخطط، سواء الفقر أو الفساد أو تمكن جماعات وقوى غير أمينة على دولها، وعدم وجود جيش لديه عقيدة وطنية. أو الاستسلام للمخططات الخادعة. أيضًا ترشدنا القراءة الدقيقة للمشهد أن المخطط لا يستثنى دولة واحدة، فالكل مستهدف به، لكن حسب خطة زمنية وترتيب، لا فارق بين دول كبرى وأخرى صغيرة، ولا دول غنية أو فقيرة، ولا دولة اقتصادها قوى أو منهار، ولا دولة لديها علاقات قوية بقوى عظمى أو على خلاف معها، الكل فى مرمى نيران المخطط الذى لم ولن يتوقف طالما ظلت عوامل نجاحه واضحة أمام من يديرونه ويسعون إلى هدفهم الأهم، تفتيت المنطقة وإعادة تقسيمها، كخريطة «سايكس بيكو» جديدة، وتغيير هويتها وتركيبتها الديمغرافية. أمام كل هذا وكى ننجح فى مواجهة هذا المخطط ونفلت من عصر الخراب فلا بديل عن التمسك بالأوطان والحفاظ عليها، فبقاء الوطن هو الملاذ والمنقذ لأبنائه، والدليل أن ملايين اللاجئين العرب الذين أجبروا على الهروب بعد سقوط دولهم، مهما امتلكوا من أموال ومهما كانت الدول التى ذهبوا إليها تعاملهم باحترام لكنهم بعيدا عن وطنهم يعيشون كلاجئين أو ضيوف على دول أخرى. ليس هذا فحسب بل إن مئات الآلاف الذين فقدوا حياتهم أو حياة بعض أفراد أسرهم كان بسبب الفوضى التى شهدتها بلادهم أو صعوبة الهروب أو التشرد، وأنهم لم يدافعوا عن بلادهم ولم يتمسكوا بها كالرجال فتباكوا على ضياعها وضياع أمانهم وأرواحهم وأولادهم وأسرهم، والأرقام عن اللاجئين والفارين من جحيم الأوضاع الصعبة فى دولهم يتصدرها العرب فالإحصاءات الدولية تشير إلى أن هناك نحو 30 مليون عربى منتشرين حول العالم بين مشردين ولاجئين، وكل هؤلاء فقدوا الوطن لأنهم لم يفكروا فى الدفاع عنه، واعتقدوا أن سقوط النظام سيساعدهم فى بناء وطن أفضل حسب تصوراتهم أو ما تم ترويجه لهم من قبل شياطين الخراب فإذا بهم لا يجدون الوطن ولا الأمان ولا الاستقرار، ووجدوا الدمار والموت أو الهروب مشردين. أن تبقى فى وطن قوى أهم ألف مرة من أن تكون مليارديرا دون وطن، هذا ما قاله أحد الفارين من الجحيم السورى يومًا، وهى جملة تعبر عن قيمة الأوطان، فمهما اختلف المواطن مع من يحكم بلده أو واجه أزمات أو صعوبات، يظل الوطن هو الأكثر أمانًا له، وأمام هذا المشهد العربى شديد الوضوح يكون الهدف الذى يجب أن يسعى إليه الجميع هو كيف نحافظ على أوطاننا، ونحميها من الفوضى ونجنبها الخراب، المؤكد أنه فى ظل تسارع المخطط وإصرار من يديرونه على الوصول إلى هدفهم، يصبح الحفاظ على الوطن مهمة قاسية وتتطلب جهدا كبيرا، سواء من الحكومات أو أبناء الوطن، وهذا الجهد لا بديل له.. وفى مقدمة ما يجب أن يحدث للحفاظ على الأوطان إدراك الجميع ما يحيق بأوطانهم من خطر، أن ينظروا إلى ما جرى ويجرى فى دول شقيقة وما ينفذ من مخططات تقسيم وتفتيت ممنهج عبر الفوضى وبأيدى العملاء.. الحفاظ على الأوطان يفرض أيضا التمسك بالجيوش الوطنية، فقد ثبت أن الدولة التى تمتلك جيشا وطنيا لا ينتمى سوى للوطن ولا يدافع إلا عن أمنه واستقراره هى الدولة القادرة على المواجهة وحماية شعبها وأرضها ومقدراتها من المخطط التخريبي. الجيوش الوطنية هى كلمة السر فى القوة والصلابة والتحدى والنجاة من خطر الفوضى، وما فعله الجيش المصرى على مدى الاثنى عشر عاما الماضية تحديدا هو الصورة المعبرة عن قيمة ودور الجيوش الوطنية، وكيف أنه كان وما زال عامود الخيمة، الذى حافظ على الدولة من السقوط، بل حمى المنطقة بالكامل من التدمير. ولهذا تابعنا وشاهدنا المخططات التى لا تتوقف بهدف تدمير الجيش المصرى، بالشائعات ومحاولات نشر الفتنة بين الشعب المصرى وجيشه، ومحاولات تشويه الجيش المصرى عبر الأكاذيب والشائعات. وفى الوقت نفسه كان نجاح الجيش الوطنى فى حماية الدولة المصرية سببًا فى منع كل محاولات إقامة جيوش وطنية فى الدول التى تعرضت للمخطط. الحفاظ على الأوطان يتطلب أيضا إدراك مصدر الخطر، والذى يتغير ويتنوع حسب طبيعة كل بلد، الطائفية والمذهبية فى بعض الدول، والجماعة الإرهابية الخائنة للأوطان والدين فى بعض الدول، والطابور الخامس والخونة فى بعض الدول، والأطماع الإقليمية فى دول أخرى، لكن الثابت أنه أيا كان مدخل الفوضى فالوعى والتمسك بالدولة الوطنية ومؤسساتها ووجود جيش وطنى هو السبيل لإفساد المخطط. يظل الوعى المجتمعى هو حائط الصد المنيع ضد بث الشائعات والأكاذيب التى تستهدف الفتنة.. الخلاصة أنه فى زمن الخراب ونشر الفوضى يبقى المنقذ للشعوب من المصير الغامض هو التمسك بالأوطان والحفاظ عليها ودعم مؤسساتها الوطنية، أن يكون الشعب كما قال الرئيس السيسى يدا واحدة وعلى قلب رجل واحد، وأن يرفضوا المساس بوطنهم مهما كان الثمن لأنه عندما تسقط الأوطان تشرد الشعوب، فالوطن هو المكان الذى لا بديل عنه فمهما اتسعت لك الأرض لن يحتضنك سوى وطنك..