مخطئ من يظن أن تنفيذ مخططات "التهجير القسري" في قطاع غزة والضفة الغربية بهدف تصفية القضية الفلسطينية "قبلة الحياة" لاستمرار النظام العالمي الراهن، الذي تموج حوله متغيرات دولية قد تدفع لولادة نظام عالمي جديد يسهم في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وإيقاف التصعيد واتساع رقعة الصراعات الدولية..ورغم أن احتلال فلسطين كان "كلمة السر" عند تدشين هذا النظام الذي صاغه الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية، ورغم القرارات الدولية وفق نص القانون الدولي فإن "حل الدولتين" على حدود الرابع من يونيو1967، تتوارى فرص تحقيقه بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وممارساته المخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وكافة الأعراف والقيم الإنسانية المستقرة.
عندما يناطح الباطل كل ما هو حق ويصارع الشر كل ما هو خير، وعندما تتنافس المؤامرات والمغامرات على حصد أرواح الأبرياء وعلى قتل الأطفال ومعهم إنسانية البشر.. وعندما يظهر اسم غزة وشوارعها المنكوبة بسبب حرب إسرائيل عليها تتراجع دونها كل الأخبار بمواقع التواصل وشاشات الأخبار.. فلا ترى العيون سوى لون الدماء التي تسيل ويسمع الآذان مختلطا بأصوات القنابل وممزوجا بصرخات الأطفال والأمهات الثكالى الذين يعانون ويلات الصراع.
وعندما تشتد الأزمة تتجه أبصار العالم قادة وشعوباً صوب مصر وقيادتها الحكيمة وشعبها الأبي فتصبح القاهرة "قبلة" يحج إليها القادة وصناع القرار الذين يسعون إلى مصر مستفيدين من رصيدها الحضاري والإنساني في كل منعطف من تاريخ البشرية الذي كان شاهدا على محورية دور مصر في صراعات قوى وإمبراطوريات - أسكرتها أوهام دوام القوة - مع الشعوب التي تنشد العدل والخير والحق.
ومصر عمدت نضالها فى الماضي البعيد والقريب بالدم نصرة للحق ودفاعا عن سيادتها، وقدمت مائة ألف شهيد فداء للقضية الفلسطينية، ضحت ولم تزل، وعلى مدار عقود ناضلت الأمة المصرية طوعاً بالغالي والنفيس دعما لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
وفي 2023 كان على مصر أن تختار بصوت واضح وفعل حاسم وجاء القرار على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي رأس مصر ورئيسها: لا لتصفية القضية الفلسطينية .. لا لتهجير الفلسطينيين لسيناء .. سيناء خط أحمر.. قالها الرئيس السيسي بوضوح منذ بداية الحرب على غزة.. وقبلها في ذكرى تحرير سيناء في 25 أبريل الماضي، حيث شدد السيسى على قدسية سيناء مهد الرسالات ومسرى الأنبياء التى تفيض من بركات الله ورحمته في وجدان مصر وشعبها الأبي، ووصفها بأنها "درة التاج المصري التي تفيض من بركات الله ورحمته بأشعة النور الإلهي الذي تجلى على أرضها المباركة فزادها مهابة وتقديرا وفخرا.
ويمتد "الخط الأحمر" من غزة إلى سيناء حفاظا على القضية وحقوق الشعب الفلسطيني لتبقى سيناء "درة التاج" والعقدة التى استعصت على كل إمبراطورية عاشت وتلاشت تحت وهم الخلود.. وحاولت مصر ولم تزل بصلابة وصبر إنفاذ صوت العقل والحكمة وترجيح ميزان الحق والعدل، ولم تزل كعهدها منذ آلاف السنين تسعي لإنقاذ أصحاب الأنفس الأمارة بالسوء من أنفسهم وأطماع التوسع.
ولم تكِل القيادة المصرية من التحذير من "وهم القوة والاستقواء ونزيف الدم وإزهاق آلاف الأرواح" من المدنيين الأبرياء معظمهم من النساء والأطفال.. وفى تحرك مصري مبكر بعد أيام قليلة من بدء التصعيد بقطاع غزة استضافت مصر قمة القاهرة للسلام التى دعا إليها الرئيس السيسي وعقدت بالعاصمة الإدارية الجديدة في 21 أكتوبر الماضى بمشاركة العديد من زعماء وقادة العالم والمنظمات والتي استهدفت وقف العدوان على غزة والتوصل الى توافق اتساقًا مع المبادئ الدولية والإنسانية لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار وحشد المساعدات الإنسانية والإغاثية للأشقاء الفلسطينيين فى القطاع الذين يعانون كل يوم بل وكل لحظة ومن كل الفئات أطفالاً كانوا أم نساء أم شيوخاً أصحاء ومرضى، من كافة أشكال الترهيب والعقاب الجماعي بل ومن الموت دون رحمة، ودون غذاء أو ماء أو كهرباء أو وقود.
ومنذ اللحظة الأولي تؤكد مصر وبوضوح رفضها القاطع لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب من قطاع غزة.. رفض يكرره الرئيس السيسى خلال اللقاءات التي يعقدها أو الاتصالات التي يتلقاها من عدد من قادة ورؤساء الدول.
"إن العالم لا يجب أن يقبل، استخدام الضغط الإنساني، للإجبار على التهجير وقد أكدت مصر، وتجدد التشديد، على الرفض التام، للتهجير القسري للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضي المصرية في سيناء إذ أن ذلك، ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار في العالم، على مدار 75 عامًا، هي عمر القضية الفلسطينية".. تأكيدات جاءت على لسان قائد مصر خلال قمة السلام أمام قادة العالم وضعت النقاط على الحروف أمام كل من يقرأ ليستقرئ.
ووجه الرئيس رسالته للواهمين بضعف صمود الشعب الفلسطينى وانكسار إرادته قائلا: "يخطئ في فهم طبيعة الشعب الفلسطيني، من يظن، أن هذا الشعب الأبي الصامد، راغب في مغادرة أرضه، حتى لو كانت هذه الأرض تحت الاحتلال، أو القصف..كما أؤكد للعالم بوضوح ولسان مبين، وبتعبير صادق، عن إرادة وعزم جميع أبناء الشعب المصري فردًا فردًا: أن تصفية القضية الفلسطينية، دون حل عادل، لن يحدث وفي كل الأحوال "لن يحدث على حساب مصر ".
إنفاد المساعدات الإنسانية والإغاثية، رفض التهجير، رفض تصفية القضية، حماية المدنيين العزل في القطاع .. ثوابت تؤكد عليها مصر كل يوم بل وكل ساعة منذ اندلاع التصعيد العسكري في غزة، وتشدد عليها القاهرة في جميع المحافل.
وعلى الصعيد الإنساني.. حشدت القاهرة ولم تزل رغم كافة العوائق جهودها من أجل تامين ومواصلة إنفاد المساعدات الإنسانية للقطاع بل وقامت كذلك بجهود مضنية فى إطار إجلاء من يحملون الجنسية المزدوجة والذين يناهز عددهم سبعة آلاف شخص من نحو ستين دولة وعبور إعداد من الجرحى الفلسطينيين لتلقى العلاج على ارضها.
وحرص الرئيس السيسى في لقاءاته واتصالاته المكثفة مع قادة دول العالم ليس فقط على صياغة محددات الخروج من دائرة الحرب الجارية بل وصياغة محددات تكفل عدم تجدد مثل هذه الحرب مرة أخرى، كان آخرها خلال الاتصال الهاتفى الذي تلقاه قبل يومين من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين حيث شدد الرئيس السيسى على ضرورة العمل على التهدئة بما يتيح المجال أمام فتح المسار السياسى وصولاً إلى حل الدولتين، معتبراً ذلك يمثل الطريق الوحيد نحو السلام العادل والدائم فى المنطقة.
كما حرص الرئيس السيسى على التأكيد على "رفض مصر القاطع لتصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل، من خلال تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، وضرورة العمل على التهدئة بما يتيح المجال أمام فتح المسار السياسي وصولًا إلى حل الدولتين، الذي يمثل الطريق الوحيد نحو السلام العادل والدائم في المنطقة".
الرئيس أكد كذلك لرئيسة المفوضية الأوروبية على أن الجهود المكثفة التى تقوم بها مصر لتنسيق الإغاثة الإنسانية الدولية ليست بديلاً عن ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار ..مشددا على المسئولية السياسية والأخلاقية للمجتمع الدولى عن التحرك الجاد والفاعل لحماية المدنيين الفلسطينين ووقف سياسات العقاب الجماعي.
وجاء رد فعل المصريين واعياً داعما لقيادته.. وكأن الشعب المصري اعتاد أن يبهر من يراهنون على وعيه، فانطلقت مسيرات المؤازرة والدعم لخيارات الرئيس السيسى وما أعلنه لحماية القضية الفلسطينية وأمن مصر القومى.. وبالتوازي وبشكل تلقائي انطلقت حملات مقاطعة السلع ومنتجات شركات الداعمين للحرب على الشعب الفلسطيني ، وانتصارا ومساندة للمنتجات الوطنية والاقتصاد المصري.
وأنصت المصريون لزعيمهم وهو يؤكد أهمية وحتمية تشجيع الصناعة المحلية ويؤكد وبالتوازى للداخل والخارج على أن مصر دولة قوية جدا لا تُمس، وذات سيادة، مطالبا الجميع باحترام سيادتها ومكانتها.
وحرص السيسى على تأكيد أن الدولة المصرية تبذل جهودا كبيرة من أجل تهدئة الاقتتال في قطاع غزة وإدخال أكبر حجم من المساعدات التي يحتاجونها.. مشيرا إلى أن سياسة مصر ليست قائمة على الغدر أو الخسة أو التآمر، ولا تحركها المصالح، بل هدفها البناء والتعمير.
وشدد الرئيس على «أن الدولة المصرية بفضل شعبها وجيشها قادرة على حماية مقدراتها تماماً، قائلا بلهجة القوى الواثق " لا تقلقوا وواصلوا العمل من أجل البناء والتعمير.. وأطمئنكم أنه لا أحد يستطيع إيذاء مصر».
وشدد الرئيس السيسي على حرص الدولة المصرية على أن تلعب دورا إيجابيا جدا فى القضية الفلسطينية..موضحاً أن كل المسئولين فى الدولة المصرية خلال السنوات الماضية وقبل أن يتولى رئاسة مصر كانوا حريصين على لعب دور إيجابي في إطار فهم أن الاستقرار مهم جدا للمنطقة وللدولة.. وأكد أن الدولة المصرية الآن تسير على نفس النهج وهى حريصة كل الحرص على تحقيق الاستقرار وتبذل دورا كبيرا جدا من أجل تحقيقه.
ومع بداية تقلده مهمة قيادة مصر فى خضم هذه التحديات والمؤامرات ما ظهر منها وقتها للشعب وما خفى كان الرئيس السيسى حريصا على وضع النقاط فوق الحروف فيما يخص القضية الفلسطينية..ووضع أمام أعين الجميع عين الحقيقة عندما قال - في 23 يوليو 2014 فى خطابه بمناسبة الذكرى الـ62 لثورة يوليو وإبان القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في 2014- إن مصر قدمت للقضية الفلسطينية مائة ألف شهيد..وكأنه يقول لمن يريد أن يزايد على صدق تضحيات مصر أن عليه أولاً وعلى هذا العدد من الشهداء أن يزيد.
ومثل كل الحروب طال أمدها أو قصر سيأتى يوم تسدل فيه الحرب أستارها ويبدأ الجميع النظر في نتائجها وفى تداعياتها.. وتثبت مصداقية رؤية مصر وبصيرة وشجاعة وحكمة قيادتها،وسوف يدرك الجميع أن من أراد إشعال نار الحروب من حول مصر شرقًا وغربًا وجنوبًا لن يمس جسد وسيادة مصر، وأن النيران التي يشعلوها بإرادة الله ستكون إلا بردًا وسلامًا على أرض الكنانة.