الأربعاء 29 مايو 2024

عندما يصور الفن معاناة الأنثي وقبح المجتمع في صورة واحدة .. وليد عبيد يفضح متناقضات المجتمع عبر لوحاته

21-2-2017 | 10:43

كتبت : شيماء محمود
عبر لوحاته التى تندرج تحت الواقعية التعبيرية ذات المسحة الترابية..رسمها الفنان وليد عبيد فى أثواب متعددة وعلاقات مختلفة.. المدللة والمكسورة ..الشيطانة والمقهورة ..العاهرة والمضطهدة.. رسم مصر وتناقضاتها ..رسم واقعها السياسى والاجتماعى والاقتصادى.. ورغم أن لوحاته لم تقدم لنا حلولا لكنها قدمت وجهة نظر للعديد من القضايا التى تمس مجتمعنا..نوعا من إعادة الطرح والصياغة للمحفوظات الاجتماعية .. تكاد تكون من المحرمات المجتمعية التى لا يجب التطرق إليها.. 
عبر أحدث لوحاته التى تستضيفها قاعة ضى للفنون التى تنقلنا بين معاناة المرأة وصراعها وآمالها ومشاكلها على مدار عقود ..فى تحد للعادات والتقاليد التى يفرضها المجتمع ..نجد بين كل لوحة وأخرى قصة جديدة ..يرويها لنا عبر مفرداته ورموزه ..يمكن للمشاهد أن يراها خلال نظرة رسمت منكسرة على وجوه فتياته ..أو لون عبر عن رؤية البعض للفتاة كأنها قطعة من اللحم يسهل شراؤها.
أطلق عبيد على لوحة تعبر عن زواج القاصرات عنوان "مشهد الجريمة" .. صور فيها طفلته مرتدية طرحة الزفاف ومازالت ضفيرتها الصغيرة معقودة ..أجلسوها خلف قضبان السرير تنتظر ذاك العجوز الذى اشتراها بثمن بخس ..فأثار الجريمة واضحة على جانبى اللوحة ..حقيبة المال وعكاز قديم يدهس الورود.
وبسبب الأحداث المتلاحقة للهجرة غير الشرعية وعواقبها التى تصيب الشباب وأهاليهم... وصور عبيد عبر لوحة "المهاجر" أحد الشباب مستلقى على الرمال كإحدى ضحايا الهجرة غير الشرعية .. وإلى جواره فتاة غير مكترثة لما يحدث وتظل تنظر بتمعن لجواز سفرها وحلمها هى الأخرى بالهجرة..ليعبر عن حلم الهجرة سواء بالجسد أو بالروح.
وعلى الجانب الآخر يفاجئنا عبيد بنسخة حديثة من الإلهة إيزيس عبر لوحة "إيزيس تتأهب" حيث أن إيزيس هي رمز الانتقام والصبر والولاء ..حتى يحين الانتقام ..اخذت ابنها حورس وذهبت به الى المستنقعات حتى يحين وقت الإنتقام وتسحق "ست" إله الشر ..بينما "إيزيس" ذات الشعر الدموى تجلس على سلم مدخل دار عتيقة بإحدى العشوائيات بثقة وحرية .. تَربض في ثَوب أبيض مَشقوق الصَدر والجَانبين .. على جانبيها نجد طائرا ربما "حورس" .. وقطا ربما الإلهة "بس" تراقب فى حذر وعدائية .. ذلك الحى الفقير الذى يتأهب لثورة.
فيما تكشف لنا لوحة "المطرقة" تفشى الظلم والفساد عبر مواسير الصرف المتراصة .. وعلى الجانب الآخر يضع عبيد الميزان والمطرقة كرمز للعدل.. وعبر لوحة "القواد" صور عبيد مصر على أنها الفتاه المغلوبة على أمرها المنكسرة بينما ذلك الرجل المهندم ذو الوجه العبوس هو سر وصولها لما آلت إليه ..تعمد عبيد تضييق الغرفة ووقوع المكنسة على الأرض ..لنجده فى اللوحة التى تليها يختار لها عنوان "ثورة مكانس" لتصطف المكانس فى وحده وثبات .. واختار المكانس القديمة كدلالة على قدم الأزمة التى وصلت إليها مصر بأنها ليست وليدة اليوم وإنما على مدى عقود مضت ..على جانب اللوحة الأيمن يظهر جهاز راديو غير متصل بالكهرباء بل مقطوع السلك ..ربما دلاله على غياب دور الإعلام الحقيقي لتوعية الناس.. ومن اللوحات ذات دلالة رمزية أيضا لوحة "المسيح الآن" مصلوبا متمسكا بمفتاح العودة.
أما لوحة "لحم حلال" يصور فيها نظرة العقول الرخيصة حيث يتساوى لحم المرأة عندهم مع لحم الحيوان فكلها في نظرتهم تلبية للشهوات ..ومن نفس المنطلق نفذ عبيد لوحة "كشف عذرية" ليصور من يفكر بهذه الطريقة كالقرد الجالس فى إنتظار الكشف على الفتاة داخل غرفة متهالكة فى إشارة الي تهالك العقل والفكر.. أما المنظار متجه ناحية القرد وليس المرأة .. وكأنه هو المفضوح وليس هي ..بينما هي تسخر منه وتفخر بأنوثتها التى ليست عيبا عليها.
فيما تطرق عبيد لتصوير فتيات الليل من منظور مختلف ..فعبر عنهن بأنهن ضحية مجتمع وربما يحتاجن لبعض المساعدة حتى يصبحن مواطنين نافعين .. سجل ذلك عبر لوحة " بنات الليل الشرفاء"حيث تجلس الفتاة تنظر للمال نظره الحسرة على ما وصلت إليه نتيجة الحاجة.. ولوحة "إمرأة حرة فى السجن" رغم نظرة المرأة فيها المنكسرة إلا أنها تعبر بلغة الاشارة عبر مكان وضع يدها التى تعنى انها حرة ..فى ثورة على السيطرة الأبوية والتقاليد المجتمعية التى لاحقتها منذ صغرها واستخدم عبيد للتعبير عن ذلك رمز "الهون" على يسار اللوحة لتوصيل فكرته .
بينما لوحة "شكرا" نجد فيها فتاته مرتدية جلبابها الأبيض تحاول أن تستجمع كبرياءها دون ندم على أمانيها الضائعة أمام الرجل الذى لم يظهر منه سوا ظل بسيط لرأسه على الأرض قبل رحيله ..رسم عبيد الباب المتهالك مفتوح على مصراعيه .. وتقف هى غير آسفة على فراقه وخداعه لها.
وفى لوحة "مستقلة" تظهر فيها فتاته داخل دورة المياة تفكر بعدما لوّن الشيب شعرها رغم صغر عمرها ..وجلست تتفكر على ماذا افنت عمرها.. تراقب قطتها المشردة ، بينما تراقبها السماء من نافذة في الممر ..ولكنها ارتضت واقعها أن تكون حُرّة ووحيدة .
رسم عبيد لوحات أخرى تعبر عن حالات مختلفة للمرأة مثل لوحة "هل تحبنى" ولوحة "أفكار جريئة فى الحب" ولوحة " انتصار الحب"..كما عبر خلال لوحة «الزانى» عن رؤية بعض الأزواج لزوجاتهم بأنهم مجرد عبيد للجنس.
وصور عبيد جانباً آخر من الحياة الاجتماعية خلال لوحة "المنبوذ الوفى" حيث يصور سيدة يظهر على جسدها ملامح قسوة الزمن بعدما دبل شبابها لتجلس ذات الجسد السمين بجانب كلب أهلكه الزمن أيضا والجرى وراء صاحبه ليعبر عن فطرة الرحمة السليمة وتبادل الوفاء فى زمن ندرت فيه تلك الصفات.
واتجه بنا عبيد إلى منحى أخر فى لوحة "ضرورة الحضن" معبرا عن احتياج وجود من نحب أو بالاحري أن نكون في حضن من نحب ، حتي تنتعش الروح بالطاقات الإيجابية المفعمة بالحياة .. تعمد عبيد إضافة بعض التفاصيل كوجود منبه وقدم طفل.. فى إشارة إلى ضرورة إختطاف ولو لحظات عاطفية حانية ، من الحياة براح ، وان ضاق الزمن.
ولا يفوتنا الذكر أن مع كل قصة يرويها لنا عبيد عبر فرشاته ..كانت نتيجة لتأمل واقترابه من حياة الناس الحقيقية ..فيجمع صوره كاملة داخل مخيلته بكل عناصرها ومفرداتها ..ثم يعبر عنها مستعينا بموديلاته الأقرب للفكرة .. فيدرس كل نقطة فى اللوحة دون إغفال لأى جزء آخر حتى الطبيعة الصامتة التى تواكب الموديل تأخذ الاهتمام ذاته مستخدما ألوانه الترابية بالإضافة للون الأبيض المفضل لديه زى لموديلاته أو باقى مفردات المشهد.
وجدير بالذكر أن الفنان وليد عبيد من مواليد الجيزة عام 1970 وتخصص فى فن التصوير، وحصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم تصوير جامعة حلوان عام 1992 وأقام العديد من المعارض الخاصة والجماعية من بينها معرض بالمركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى 1994، 1996 .. ومعرض بقاعة إبداع بالمهندسين 2007 ومعرض بقاعة (بورتريه) فى باب اللوق مارس 2010، ومعرض (لوحات ثائرة) بقاعة (نهضة مصر) بمركز محمود مختار الثقافى بمتحف محمود مختار يناير 2013 .. كما حصل على عدة جوائز منها، جائزة التصوير (الثانية) صالون الشباب السادس 1994 وجائزة التصوير (التشجيعية) صالون الشباب السابع 1995، الجائزة التشجيعية فى المعرض القومى للفنون التشكيلية الدورة (24)1995 والجائزة الكبرى فى معرض مراسم سيوه 2014.