تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.
والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة. والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.
خلال أيام شهر رمضان المبارك، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.
واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول "قولك قول أجير.. وفعلك فعل أمير"
يحكى أن أحد الولاة في لبنان غضب على الأمير أحمد المعني، وطرده من ولايته، وأسند ولاية جبل الشوف إلى الشيخ سرحان العماد، أثناء غياب الأمير أحمد، أراد الشيخ سرحان أن يتزوج إحدى بنات الأمير أحمد، لكن طلبه قوبل بالرفض.
عندما استعاد الأمير أحمد ولايته وعلم بما حدث، أمر بقتل جميع أفراد عائلة العماد، ولم ينج منهم سوى رجل واحد فرّ متنكّرًا وعمل أجيرًا كي يعيش، وسمِّي "بعزق"، لأنه كان يُبذر ويُبدد كل الأموال التي تصل إلى يديه من أموال الناس.
انتبه أحد "أسياده" إلى تبذير بعزق للأموال، فسلّمه للقضاء ليحاكمه، برّر بعزق تصرفاته قائلاً إنه كان يتكارم بقسم من خيرات الأرض على "عابري السبيل" حفاظًا على كرامة سيده.
نظر القاضي إلى بعزق مليًّا، وقال له: "قولك قول أجير.. وفعلك فعل أمير"، ومن هنا أصبح هذا القول يُستخدم للدلالة على التناقض بين الكلام والأفعال، حيث يكون الشخص في موضع أدنى لكنه يتصرف بأسلوب الرفعة والنبل.