الخميس 9 مايو 2024

دلائل زيارة بوتين الخامسة إلى كازاخستان

مقالات11-11-2023 | 11:21

أتت زيارة الرئيس بوتين لكازاخستان فى فترة صعبة تمر بها البلدان، فمن ناحية روسيا هناك عملية عسكرية تخوضها فى أوكرانيا، وعقوبات وحصار اقتصادى وسياسى دولى وهى تريد الخروج من هذا الجو الخانق، ومع ظهور مناطق جديدة على الخارطة الروسية وهى تريد على الأقل اعتراف من الدول الشقيقة دول الاتحاد السوفيتى السابق بذلك، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل أن الرئيس الكازاخستانى ودون أى مواربة صرح فى منتدى "فالداى" بأنه لن يعترف بأى حركات انفصالية، بالنسبة لكازاخستان فهى لدى روسيا رهينة تصدير النفط الكازاخستانى، حيث أنها لا تطل على أى بحر مفتوح ومن ثم فإن ميناء نوفوروسيسك الروسى بالنسبة لها المنفذ الوحيد لتصدير نفطها، مروراً بخط الأنابيب الروسى الواصل للميناء، وكلنا يتذكر كيف تعطل تصدير النفط الكازاخستانى عندما أطلق الرئيس قاسم جومارت توكايف تصريحه الخاص بعدم الاعتراف باستقلال الجمهوريات الجديدة التى انضمت لروسيا فى الدونباس، عندها أعلنت روسيا أن هناك عطل فى خط الأنابيب، وغير ذلك من العلاقات التجارية الوثيقة حيث تعتبر آستانا أحد منافذ روسيا لكسر حدة العقوبات المفروض على روسيا.

لكن الأهم أن زيارة الرئيس بوتين جاءت بعد زيارة الرئيس الفرنسى ماكرون لها بفترة قصيرة، والجميع لاحظ الحفاوة التى قابل بها الرئيس توكايف نظيره الروسى، حيث خرج الساعة الخامسة فجراً لاستقباله بنفسه فى المطار، فى حين أن هذا لم يحدث مع الرئيس الفرنسى، فهل هناك ثمة تغير فى الموقف الكازاخستانى، حتى  الآن لا يدرى أحد، على أى حال هذا ربما يعكس عمق العلاقة أم خيار كازاخستان أم هى مناورة سياسية بين القوى الدولية، لكن دعونا نتابع الزيارة ونتائجها، ولا يجب أن ننسى أن دول وسط آسيا تتقاذفها ثلاث تيارات، أولها التركى وذلك بحكم الثقافة، وثانيها الصينى وذلك بحكم الجغرافيا وعدم دس الأنف فيما يتعلق بحقوق الإنسان ومن جانب الصين لمشروعها "الحزام والطريق" والأهم هو مسلمى الإيجور الذين تستغلهم بكين للتقارب مع مسلمى وسط آسيا، والأهم هو الاقتصاد والاستثمارات الصينية الضخمة فى وسط آسيا، وثالث هذه التيارات هى روسيا التى تبذل جهوداً مضنية حتى لا تقع جمهوريات وسط آسيا فريسة للتيارين السابقين رغم أنهما بالنسبة لروسيا يعدون من الحلفاء أو الأصدقاء، لكنها السياسة، وهنا لا أنفى تيار رابع لا تتقبله روسيا ولا تريد وجوده فى خاصرتها الآسيوية، وهو الغرب ممثلاً فى الاتحاد الأوروبى، الذى يسعى بقوة لتبؤ مكان فى وسط آسيا كجزء من استراتيجيته لإحكام حصاره على روسيا والصين فى نفس الوقت، من سيفوز فى النهاية؟.. سؤال صعب الإجابة عليه الآن على الأقل.

كانت هذه مقدمة لا  بد منها، ويكفى أن نشير إلى أهمية كازاخستان بالنسبة لروسيا، لنقول مثلاً أن هذه الزيارة الخامسة للرئيس الروسى لآستانا فى العام الأخير، وشريط طويل للغاية من الحدود المشتركة، ورغم ذلك فإن وسائل الإعلام الروسية خصصت مساحات واسعة للإعلان عن الزيارة، الرئيس الروسى لكازاخستان، حيث أجرى مقابلة مع صحيفة "برافدا كازاخستان" بينما أجرى نظيره الكازاخستانى مقابلة مع صحيفة "الإزفيستيا" الروسية، إضافة إلى أن الرئيسان أجريا المباحثات بينهما على نطاقين، الأول نطاق ضيق والآخر موسع شارك فيه الأعضاء الذين شاركوا فى المؤتمر التاسع عشر للتعاون بين المناطق فى الدولتين.

فى الجلسة الموسعة صرح الرئيس توكايف بأنه "لا توجد مشاكل مبدئية بين روسيا وكازاخستان" من جانبه أكد الرئيس بوتين على أن "روسيا وكازاخستان هما الحلفاء الأقرب". وقدم الرئيسان فى الجلسة الموسعة تقاريراً عن ما وصلت إلية العلاقات بين البلدين، وأشاد الرئيس الروسى بالتعاون العسكرى فيما يخص تدريب وإعداد الكوادر العسكرية للدولة الجارة والحليفة كما قال، إلا أن الأجواء الودية عكر صفوها خطأ الرئيس بوتين فى نطق اسم الرئيس الكازاخستانى، وهو الأمر الذى ربما عن قصد رد عليه الجانب الكازاخستانى، حيث تم إغلاق الميكروفون عنه أثناء حديثه، ثم عاد للعمل بسرعة.

أسفرت المباحثات عن التوقيع على عدد من الوثائق من بينها بيان مشترك مكرس للذكرى العاشرة لاتفاق الصداقة وحسن الجوار بين روسيا وكازاخستان فى القرن الواحد وعشرين. بالإضافة لخطة العمل الكازاخستانية ـ الروسية خلال الفترة 2024 ـ 2026، كما تم التوقيع على مذكرة للتعاون فى بناء ثلاث محطات كهربية تعمل بالوقود العادى.

الزيارة الخامسة خلال عام لدولة قد يدل على شيء ما أو أن هناك ترتيب لشيء ما أو أن هناك مخاوف بعينها تخشاها روسيا من نشاط أوروبى حثيث، فيما يتعلق بملفات بعينها فى وسط آسيا خاصة وأن المنافسين لها فى تلك المنطقة أشداء الصين بإغراءاتها الاقتصادية، وتركيا بتأثير الثقافى، وأوروبا التى تريد أن تجد لها مكان فى الخاصرة الروسية وبالقرب من الصين. وربما هى الروابط القديمة واتجاه روسيا شرقاً، وهى بلا شك تريد إيجاد أسواق جديدة للغاز الروسى بعد خسارة السوق الأوروبية، ومد خط أنابيب غاز يصل إلى أوزبيكستان عبر الأراضى الكازاخستانية باكورة مشروعات الغاز المتجهة شرقاً، وستليها امتدادات ربما لأفغانستان وباكستان والهند، سنرى على أى حال خاصة بعد رفض الصين مد خط أنابيب جديد "سيبيريان باور ـ 2".

مهمة روسيا صعبة بين أنظمة وسط آسيا التى تحاول وتجيد فى أحيان كثيرة اللعب على المتناقضات الدولية، وطموح روسيا، يجعل هذه الدول تناور ما بين الصين وروسيا وتركيا وأوروبا، وفى تقدير خبراء كثيرين ستشتد المنافسة فى المستقبل خاصة بعد دخول إيران على الخط من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات مع طاجيكستان منها مناطق حرة وسفر دون تأشيرة وغيرها من الاتفاقيات فى مجملها اقتصادى، وهنا المسألة ليست اقتصادية فقط بل ثقافية أيضاً، حيث تعتبر طاجيكستان الدولة الوحيدة فى وسط آسيا المتحدثة بالفارسية، كما أن معظم سكانها يعتنقون المذهب الشيعى.

روسيا ستكون مهمتها صعبة فى وسط آسيا رغم الأبعاد الثقافية وخاصة اللغوية مع تلك الدول، لكن الخوف من زوال هذا العنصر مع تعاقب الأجيال الذى بلا شك وارد جداً خاصة مع دخول العنصر الثقافى التركى الذى يحمل فى طياته اللغة والدين، أو العنصر الصينى بزخمه الاقتصادى، وربما هذا يفسر قيام الرئيس بوتين بخمس زيارات لأكبر دولة فى وسط آسيا (كازاخستان) فى عام واحد.  

Dr.Radwa
Egypt Air